الحج‭ ‬إلى‭ ‬أقاليم‭ ‬الله‭ ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر

إذا‭ ‬كان‭ ‬قلبك‭ ‬كعبة‮…‬‭ ‬فاذهب‭ ‬إليه‭ ‬بالتكبير‭ ‬والتلبية‮!‬
كفكف‭ ‬من‭ ‬غربة‭ ‬نفسك،‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬ثقتك‭ ‬فيها‭ ‬زادت‭ ‬غربتك‭ ‬‮!‬

قررت،‭ ‬بحول‭ ‬الله،‭ ‬ابتداء‭ ‬من عدد الخميس‮..‬أن‭ ‬أسترجع‭ ‬لحظات‭ ‬الحج،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مدارات‭ ‬كتابية،‭ ‬عن‭ ‬تلاطم‭ ‬المعرفة‭ ‬والإيمان،‭ ‬المشاهدات‭ ‬المهنية‭ ‬مع‭ ‬الفتوحات‭ ‬المكية،‭ ‬كما‭ ‬رصص‭ ‬لها‭ ‬الطريق،‭ ‬بخيال‭ ‬زلال‭ ‬ولغة‭ ‬طافحة‭ ‬صاحب‭ ‬المراتب‭ ‬العليا‭ ‬ابن‭ ‬عربي‮.‬‭ ‬وبنقل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬وما‭ ‬يدور‭ ‬أمامي،‭ ‬وما‭ ‬كنت‭ ‬أراه‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تمثيل‭ ‬نوبات‭ ‬من‭ ‬النبوة،‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬منى‭ ‬والجمرات،‭ ‬والحوارات‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الأمان‭ ‬أحيانا‭ ‬أكثر‭ ‬قلقا‭ ‬من‭ ‬الغربة‭ ‬في‭ ‬الوجود‮ ‬،مع الحرص‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للتأملات‭ ‬الصحافية‭ ‬حظها‭ ‬من‭ ‬الجدارة‭ ‬الدينية،‭ ‬كما‭ ‬للمشاهدات‭ ‬المحسوسة‭ ‬قسطها‭ ‬من‭ ‬مراتب‭ ‬الوجدان‮..‬‭ ‬
كنت‭ ‬أحدس‭ ‬بأن‭ ‬حياتي‭ ‬ستدخل‭ ‬منعطفا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬وتتغير‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب.لا‭ ‬لأني‭ ‬جئت‭ ‬إلى‭ ‬الحج‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬روحي‭ ‬طافح‭ ‬ومطلق،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬فيافي‭ ‬ديانة‭ ‬أخرى.أو‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬عقدي،‭ ‬كلا‮.‬‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬طارئا‭ ‬على‭ ‬الغيب‮:‬‭ ‬فَأنا‭ ‬ليَ‭ ‬فيه‭ ‬أقاصيص‭ ‬ورؤى‭ ‬من‭ ‬الطفولة‮.‬‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أصوم‭ ‬وأصلي‭ ‬وأزكي‭ ‬وشهدت‭ ‬الشهادتين‭ ‬بالسليقة‭ ‬والإرادة‭ ‬والالتزام‭ ‬اليومي‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬خطوة‮.‬‭ ‬أخطوها‭ ‬في‭ ‬الحياة‮.‬‭ ‬وعليه‭ ‬كان‭ ‬الحج‭ ‬واردا‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬الأشياء،‭ ‬ولما‭ ‬تحقق‭ ‬الإمكان‭ ‬واستوفيت‭ ‬القدرة،‭ ‬تحققت‭ ‬الزيارة‭ ‬‮..‬
هل‭ ‬أزعم‭ ‬بأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬عرضة‭ ‬للشك،‭ ‬أو‭ ‬لتنسيب‭ ‬الاعتقاد،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬للابتعاد‭ ‬عن‭ ‬نشأتي‭ ‬الدينية‭ ‬وسط‭ ‬أسرة‭ ‬تسكن‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬المسجد،‭ ‬تولت‭ ‬القيام‭ ‬بشؤون‭ ‬هذا‭ ‬المعبد‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬لجيل،‭ ‬من‭ ‬جد‭ ‬وعم‭ ‬وخال‭ ‬وأخ؟
لا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬الادعاء‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صادقا‭ ‬‮..‬ربما من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الملايين‭ ‬من الذاهبين‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬المقدس،‭ ‬كنت‭ ‬موزعا‭ ‬بين‭ ‬دعة‭ ‬وسكينة‭ ‬حياة‭ ‬ألفتها،‭ ‬وحياة‭ ‬تتراءى‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬مثير‭ ‬أو لعله ملغز‮…‬
كنت‭ ‬مقبلا‭ ‬على‭ ‬قطيعة‭ ‬أنثروبولوجية‮.‬‭ ‬بين‭ ‬اليومي‭ ‬المتكرر‭ ‬وبين‭ ‬الجدول‭ ‬الزمني‭ ‬العام‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتحن‭ ‬بميزان‭ ‬العدم‮!‬
‮.‬لكن‭ ‬كنت‭ ‬أحدس‭ ‬أن‭ ‬قلوبنا‭ ‬التي‭ ‬نضعها‭ ‬مؤتمنة‭ ‬عند‭ ‬صاحب‭ ‬القيامة‭ ‬،‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تلتفت‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والنظر‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‮.‬
كنت‭ ‬مثل من‭ ‬وجد‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬حياته،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬يقلقه‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬بعده‮!‬‭ ‬أو‭ ‬قُلْ‮ ‬صرت‮ ‬‭ ‬لا‭ ‬أجزم‭ ‬بأن‭ ‬الإيمان‭ ‬أو‭ ‬الارتكاز‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬،‭ ‬يُعفي‭ ‬من‭ ‬‮…‬‭ ‬القلق‭ ‬الأنتروبولوجي‮!‬
التحول‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الخطوة‭ ‬نفسها،‭ ‬مع‭ ‬تدقيق‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬الستينيات‭ ‬‮..‬كهوية‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الحياة اليومية في‮ ‬سريانها:كيف‭ ‬أعيشها‭ ‬وقد‭ ‬تخليت‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬الكثير‮…‬؟كيف‭ ‬أواصل‭ ‬العيش،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الحياة‭ ‬أولوية،‭ ‬وقد‭ ‬تجاوزتها‭ ‬مشاغل‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬الجولة‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬العقد‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬العمر وكيف لا أساير جسدا تعود على‮ ‬الجموح‮ ‬،‮ ‬كنمط وحيد في‮ ‬الكينونة؟ جسد الإيروس الطافح،‮ ‬وهو‮ ‬يستدرج نفسه الى الطيطانوس الغابر؟
كنت‭ ‬أعرف‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تيارا‭ ‬من‭ ‬المقادير‭ ‬يجرني‮:‬‭ ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬محاطا‭ ‬بالموت‭ ‬والموتى‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والأهل‭ ‬‮.‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أسلُّم‭ ‬بأنهم‭ ‬ذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬اللامكان،‭ ‬اللاعالم‭ ‬صنو‭ ‬العدم‭ ‬الجليل،‭ ‬أو‭ ‬تبخروا‭ ‬في‭ ‬الثقب‭ ‬الأسود‭ ‬لما‭ ‬قبل‭ ‬الخليقة،‭ ‬كما‭ ‬يشاء‭ ‬علماء‭ ‬الفيزياء‭ ‬الكوانطية‭ ‬ووجدتني‭ ‬في‭ ‬مفترق‭ ‬المشاعر‭ ‬لا‭ ‬القناعات‭ ‬أتساءل،‭ ‬أي‭ ‬طريق‭ ‬سأسلك‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‮..‬

الاطمئنان‭ ‬على‭ ‬قسطي‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬الروحانيات‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الكعبة‭ ‬رمزًا‭ ‬لقلبي‭ ‬كما‭ ‬يشاء‭ ‬الشيخ‭ ‬ابن‭ ‬عربي‮!‬

سبق‭ ‬لي‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‮.‬‭ ‬أهم‭ ‬الرحلات‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2013،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬ضيفا‭ ‬ضمن‭ ‬وفد‭ ‬عربي‭ ‬واسع‭ ‬التركيبة،‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬ضيوف‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‮.‬‭ ‬كان‭ ‬الموعد‭ ‬وقتها موعد‭ ‬ربيع‭ ‬في‭ ‬الزيارة‭ ‬الأولى،‭ ‬مع‭ ‬شهر‭ ‬مارس،‭ ‬وأما‭ ‬الموعد‭ ‬الثاني‭ ‬فقد‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬القارس‭ ‬هنا‮.‬‭ ‬ووجدتني‭ ‬في‭ ‬أنتروبولوجيا البدايات لـ«إيلاف‮»‬‭ ‬قريش،‭ ‬إيلافهم‭ ‬رحلة‭ ‬الشتاء‭ ‬والصيف‮!‬
‭ ‬وسبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬التأشيرة‭ ‬بالطريقة‭ ‬المعتادة‮:‬‭ ‬دفع‭ ‬الجواز،‭ ‬مع‭ ‬الوثائق‭ ‬المطلوبة،‭ ‬ثم‭ ‬انتظار‭ ‬الموعد،‭ ‬والتوجه،‭ ‬عند‭ ‬الموعد،‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬السفارة‭ ‬بشارع رباطي‭ ‬لتسلم‭ ‬الجواز‮.‬‭ ‬والتأشيرة‮.‬‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬الزيارة‭ ‬ضمن‭ ‬وفد‭ ‬رسمي،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬بمناسبة‭ ‬المعرض‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب2013،‭ ‬تتولى‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات،‭ ‬ويقتصر‭ ‬دور المسافر‭ ‬على‭ ‬تسليم‭ ‬الجواز‭ ‬لمن‭ ‬يهمه‭ ‬الأمر‮.‬

حدث‭ ‬شيء‭ ‬جديد‭ ‬هاته‭ ‬المرة.السعودية‭ ‬تفتح‭ ‬السبيل‭ ‬الإلكتروني‭ ‬إلى‭ ‬الحج‮.‬‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‮.‬‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬الرباط‮..‬‭ ‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬تأكد‭ ‬قبول‭ ‬اسمي‭ ‬واسم‭ ‬الأهل‭ ‬للحج‭ ‬المبرور،‭ ‬توصلنا‭ ‬ككل‭ ‬الحجاج‭ ‬الميامين،‭ ‬برابط‭ ‬يخص‭ ‬التأشيرة‭ ‬باسم‭ ‬فيزا‭ ‬السعودية‮.‬‭ ‬يدخل‭ ‬طالب‭ ‬التأشيرة‭ ‬إلى‭ ‬الموقع،‭ ‬ويقوم‭ ‬بكل‭ ‬الإجراءات‭ ‬الخاصة‭ ‬لرقمنة‭ ‬معطياته،‭ ‬ومنها‭ ‬بالأساس‭ ‬البصمات،‭ ‬والتقاط‭ ‬الصور‭ ‬الخاصة‭ ‬بالبورتريه‮…‬‭ ‬وملف‭ ‬المعطيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالهوية‭ ‬ورقم‭ ‬الجواز‭ ‬‮..‬‭ ‬وبذلك‭ ‬يحصل‭ ‬التسجيل‭ ‬ضمن‭ ‬لائحة‭ ‬السفارة‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودية،‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بسلامة‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬أمنية‭ ‬ولا‭ ‬شك‮.‬
لم‭ ‬أدرك‭ ‬وقتها‭ ‬بأن‭ ‬هاته‭ ‬العملية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية،‭ ‬أولا‭ ‬في‭ ‬تسليم‭ ‬الفيزا،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أطوار‭ ‬السفر،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬المطار‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬المعطيات‭ ‬الشخصية‮…‬‭ ‬ستتضح‭ ‬أهمية‭ ‬هاته‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬الشؤون‭ ‬العامة‭ ‬للحج‮.‬
تأسست‭ ‬في‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬القيام‭ ‬بكل‭ ‬الإجراءات‭ ‬واستيفاء‭ ‬شروطها،‭ ‬مجموعة‭ ‬واتساب،‭ ‬وتتكون‭ ‬من‭ ‬49‭ ‬حاجا‭ ‬وحاجة‮.‬‭ ‬سيتبين‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬غيرت‭ ‬طريقتها‭ ‬في‭ ‬التأطير‭ ‬‮.‬‭ ‬وكان‭ ‬أن‭ ‬المجموعة‭ ‬تشبه‭ ‬مجموعات‭ ‬أخرى،‭ ‬لإخضاع‭ ‬الحجاج‭ ‬لتأطير‭ ‬مكثف‭ ‬بشكل‭ ‬مبكر‭ ‬مع‭ ‬تخصيص‭ ‬مؤطر‭ ‬مرافق‭ ‬لكل‭ ‬49‭ ‬حاجا‭ ‬تعرفوا‭ ‬عليه‭ ‬بأرض‭ ‬الوطن‭ ‬مدة‭ ‬تقارب‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬قبل‭ ‬السفر‭ ‬ورافقهم‭ ‬طيلة‭ ‬رحلة‭ ‬الحج‮.‬
وجدتني‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬أشارك‭ ‬المجموعة‭ ‬ما‭ ‬تتبادله‭ ‬من‭ ‬معلومات‮.‬‭ ‬وأحيانا‭ ‬من‭ ‬دروس،‮ ‬ومن خدماتها الإعلان عن أسماء‭ ‬المساجد كي‮ ‬يتمكن أعضاء هذه‭ ‬المجموعة من‭ ‬تلقي‮ ‬الدروس‭ ‬‮ ‬الخاصة بالحج،‭ ‬أتابع‭ ‬بغير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الدهشة‭ ‬طبيعة‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نطرحها‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نسافر‭ ‬أبدا‮:‬‭ ‬ما‭ ‬وزن‭ ‬الحقيبة؟ وكم‭ ‬من‭ ‬حقيبة تلزمنا؟؟وما‭ ‬هو‭ ‬الأليق لنا هل‮ «‬الباليزا‮» ‬أم‮ «‬الصاك‮»‬‭ ‬إلخ‮!!!‬
كنت في‮ ‬برزخ بعيد مع ذلك:أقيم في‮ ‬المسافة‮ ‬بين شك ما زال‮ ‬غروبه مشوبا بغير قليل من الاضاءة،‮ ‬ويقين‮ ‬يتقدم مبتسما ولكنه بخطى‮ ‬غير واثقة في‮ ‬القدرة على مجاراة‮ ‬التحول العميق.تنتابني‮ ‬الاسئلة في‮ ‬لحظات مفارقة‮: ‬عندما توجهت مثلا الى لحبوس،‮ ‬من أجل أن أتبضع ملابس تقليدية للحج‮! ‬فقد اكتشف أن لي‮ ‬زادا قليلا للغاية من حاجيات اللباس التقليدي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن تتم بدونه طقوس الحج‮!‬
ذات أمسية‮ ‬،‮ ‬وموعد السفر‮ ‬يقترب توجهت الى منطقة الحبوس،‮ ‬بالقرب من المسجد المحمدي‮ ‬ومقر الجهة والقصر الملكي،بالدار البيضاء رفقة الزوجة والابنة‮ «‬آية‮» ‬من اجل التبضع‮. ‬بل قل إن زوجتي‮ ‬اجبرتني‮ ‬على ذلك،‮ ‬وهي‮ ‬تعرف بأنني‮ ‬لا أجيد التجول زو الاختيار‮ ‬بتاتا شراء ما‮ ‬يلزمني‮ ‬من الالبسة‮ ‬وفي‮ ‬الغالب كنت أجدني‮ ‬في‮ ‬ملابس كلاسيكية او شبة رسمية عصرية تفرضها شروط المناسبات الرسمية اكثر من الاناقة اليومية.وفي‮ ‬كل خطوة اتسلل الى مكتبة من المكتبات،‮ ‬بحثا عن مفاجأة ما لا اعرفها‮. ‬وأطيل الشرط الى العناوين،‮ ‬خصوصا ذات الصلة بالمعتقد الديني‮ ‬واكتشف كتبا ومجلدات ما خطرت من قبل في‮ ‬بالي‮.‬
هنا تتسلل الاسئلة،‮ ‬وتعود المعرفة المكتسبة في‮ ‬تدبري‮ ‬شوون الدنيا،‮ ‬لكي‮ ‬تمتحن الإيمان الذي‮ ‬يسكننا،‮ ‬فطرة او اختيارا‮ ‬لتدبير‮ ‬شؤون الدين‮! ‬وقد تتفاجأ وانت تحدث نفسه بأنه إيمان لتدبير شؤون‮ … ‬الموت‮! ‬بالرغم من كل ما تراكم من معرفة متعددة المشارب،‮ ‬من بيرغسون الى سبينوزا،‮ ‬ومن فيبر الى علي‮ ‬شريعتي،‮ ‬من الزمخشري‮ ‬الي‮ ‬جلال الدين وابن عربي‮ ‬من كون الايمان هو قدرة الحفاظ على انسانيتك في‮ ‬حياة تفرض عليك شروط تجار الاستهلاك والسلطة،من أجل‮ «‬اقتراضها‮« ‬لخدمة شهيات ورغبات قاتلة لديهم والقدرة على السمو الاخلاق والنبل الانساني‮!..‬
‮ ‬الغنائم التي‮ ‬عدت بها،‮ ‬لم أضعها كلها في‮ ‬حقائب السفر،‮ ‬الجلباب التقليدي‮ ‬الضروري،‮ ‬كاند الخياط،‮ ‬الذي‮ ‬تزامن حجه مع حجنا قد هيَّأه مشكورا في‮ ‬الوقت المناسب‮. ‬لأنه كان‮ ‬يريد‮ ‬أن‮ ‬يوفي‮ ‬بالتزاماته ويغلق الحانوت ليتفرغ‮ ‬الي‮ ‬الزيارة وطقوسها وتراتيلها،‮ ‬هو الذي‮ ‬شارك اكثر من مرة في‮ ‬القرعات الخاصة بالحج،‮ ‬ولم‮ ‬يتيسَّرْ‮ ‬له ذلك الا بعد لأْيٍ‮ … ‬وانتظار طويل‮. ‬وهومن المغاربة الذي‮ ‬يؤمنون بأن الحج‮ ‬يجب أن‮ ‬يناديك‮. ‬واذا لم تسعفهم المحاصصة المتفق عليه بين الدول الاسلامية‮ ‬،‮ ‬يشعرون بالقلق وربما‮ ‬يتوجسون من‮ ‬غضب العلي‮ ‬القدير،‮ ‬علما أن شوقهم‮ ‬يكشف عن كونهم آكثر الناس ايمانا وتقربا اليه في‮ ‬كل ساعة وحين.هناك قناعة أنه هو الذي‮ ‬يجرك إليه،‮ ‬لا أنت الذي‮ ‬تذهب الى هناك.لايكفي‮ ‬أن تستطيع الحج‮ ‬،‮ ‬بل‮ ‬يجب أن‮ ‬يريدك هو أيضا‮!‬
‮ ‬قوة الجاذبية‮ ‬،‮ ‬وإسْباغ‮ ‬الطابع البشري‮ ‬الانساني‮ ‬على مكان هو مكة وعلى شعيرة هي‮ ‬الحج،‮ ‬تحول‮ «‬لامادي‮» ‬وغيبي‮ ‬لم نفكر فيه كثيرا،حسب علمي‮ ‬في‮ ‬نطاق سوسيولوجيا‮ ‬روحانية إذا اردنا التسمية‮..‬
طوال الاستعداد للزيارة،ظلت الأسئلة‮ ‬،‮ ‬حتى تلك التي‮ ‬لم أكن أتوقعها تلح علي‮. ‬لكني‮ ‬كنت أجاريها قليلا فقط،ثم اعود الى ما‮ ‬يتعلق بالقدرة الجسدية لاداء المناسك‮: ‬أنا الذي‮ ‬يعاني‮ ‬من وهن في‮ ‬القلب،تطلب دخولي‮ ‬الى المصحة مرتين،‮ ‬ويعاني‮ ‬من السكري‮ ‬،يصاب احيانا بانخفاض‮ ‬يسبب التعرق والوهن‮ ‬تدل عليه ارقام الخزان،‮ ‬والذي‮ ‬يزند صدره بالألم،‮ ‬ملما بذل مجهودا،‮ ‬هل أضمن فعل القدرة على الطواف وعلى السعي‮ ‬والمروة وعلي‮ ‬الجمرااات وسط حرارة عالية؟
كان علي‮ ‬أن أضيف التمارين الراضية‮ ‬،‮ ‬الى التمارين الفسلفية والتمارين الروحية‮. ‬كي‮ ‬استطيع‮! ‬
القدرة هي‮ ‬كذلك الاستطاعة الجسدية‮.. ‬وبدات اتمرن واتريض،‮ ‬كيف ما اتفق‮ ‬،‮ ‬لأضمن لنفسي‮ ‬نفسا‮ ‬يجوب بها المناسك والشعائر‮!‬
في‭ ‬بهو‭ ‬المطار،‭ ‬ونحن‭ ‬ندفع‭ ‬الأمتعة‭ ‬نحو صف‭ ‬التسجيل،‭ ‬كان‭ ‬المسؤولون‭ ‬عن‭ ‬الجماعات،‮ ‬موزعين‭ ‬في‭ ‬القاعة،‭ ‬يرتبون‭ ‬لكل‭ ‬مرشح‭ ‬حاج‭ ‬أو‭ ‬حاجة‭ ‬إجراءات‭ ‬الرحلة،‭ ‬من‭ ‬جوازات‭ ‬السفر،‭ ‬والتأشيرات‭ ‬التي‭ ‬تسلمها‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منفردة،‭ ‬في‭ ‬ورقة‭ ‬خاصة‭ ‬به،‭ ‬ونسخ‭ ‬عن‭ ‬التذكرة‭ ‬وصور‭ ‬شمسية‭ ‬للحاج‭ ‬لتهييئ‭ ‬ملفه‮.‬‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬كنت‭ ‬مع‭ ‬الأهل،‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬المكلف،‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬رآني‮:‬‭ ‬قال‭ ‬مازحا‮:‬‭ ‬هو‭ ‬واللا‭ ‬ما‭ ‬شي‭ ‬هو؟
وأجاب‭ ‬نفسه،‭ ‬هو‮!‬‭ ‬ثم‭ ‬نظر‭ ‬إلي‭ ‬مداعبا‮:‬‭ ‬شفت‭ ‬الشهرة‭ ‬اش‭ ‬كا‭ ‬ادير‭ ‬لمولاها؟‭ ‬طبعا‭ ‬فطن من‭ ‬بعد‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬المكلف‭ ‬بمجموعتنا‭ ‬لما سألته أنت‮ ‬‭ ‬السي‭ ‬محمد‭ ‬ياك؟
قال‭: ‬المكلف‭ ‬بمجموعتكم هناك عند مدخل المطار‭.‬‮ ‬توجهت‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬لي،‭ ‬فوجدت‭ ‬شابا‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر،‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬الثمانينيات‮.‬‭ ‬حف‭ ‬الشارب‭ ‬وأرخى‭ ‬اللحية،‭ ‬وسيم،‭ ‬وبشوش‮.‬‭ ‬تبادلنا‭ ‬الحديث‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬مداعبا‮:‬‭ ‬أنت‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬صوتك،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يأتينا‭ ‬مثل‭ ‬شيخ‭ ‬طاعن‭ ‬في‭ ‬التدين‮!‬‭ ‬المكلف‭ ‬بالمجموعة‭ ‬يملك‭ ‬سعة‭ ‬صدر‭ ‬كبيرة،‭ ‬سيبرهن‭ ‬عليها‭ ‬طوال‭ ‬الرحلة‮.‬‭ ‬وفي‭ ‬أوقات‭ ‬يصعب‭ ‬فيها‭ ‬ضبط‭ ‬الأعصاب‭ ‬والتحلي‭ ‬بالهدوء‮.‬‭ ‬أمزجتنا‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬تقلبا‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬غربتنا‮.‬‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬المكلف‭ ‬أن‭ ‬يجيب‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬ساعات‭ ‬السفر،‭ ‬وعن‭ ‬حمولات‭ ‬الحقائب،‭ ‬ويسأل‭ ‬عن‭ ‬الأدعية‭ ‬وعن‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عند‭ ‬الركن‭ ‬اليماني‭ ‬وعند‭ ‬دخول‭ ‬الحرم‮.‬‭ ‬وكان‭ ‬يمتحن‭ ‬المجموعة‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬ويتضح‭ ‬بأن‭ ‬أغلبنا‭ ‬لم‭ ‬يحفظ‭ ‬دروسه‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬دروس‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العمر‮..!


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 24/07/2025