الحرب الروسية على أوكرانيا تخيم بظلالها على الانتخابات الفرنسية والمستفيد الأكبر ماكرون

ألقت الحرب الروسية على أوكرانيا بظلالها على الانتخابات الرئاسية بفرنسا، وذلك لعدد من الاعتبارات، منها ما هو تاريخي يعود إلى العلاقة بين البلدين مند مغامرة نابليون وحربه على روسيا من جهة، ومن جهة أخرى كانت الحرب مناسبة لدعم عدد من المرشحيين الراديكاليين، سواء أباليمين أم باليسار لسياسة روسيا بالمنطقة، بل إن سياسيين فرنسيين أعلنوا تفهمهم للموقف الروسي حول المطالب الأمنية، وانتقادهم للموقف الأميركي والحلف الاطلسي قبل أن يتغير هذا الموقف بعد عملية الغزو التي قامت بها روسيا.
هذا الموقف الفرنسي من روسيا والمتفهم لسياستها له جذور فيما يسمى السياسة الدوغولية في الخارجية الفرنسية، وهو ما يعني الحياد تجاه الصراع بين موسكو وواشنطن ومحاولة الاستفادة من هذه الوضعية والحفاظ على العلاقة بين الجانبيين. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي لم يتوقعه عدد كبار من المتتبعين، أحرج المدافعين على هذه السياسة في مختلف التوجهات السياسية.
ومن الداعمين الكبار لسياسة بوتين الخارجية، هناك ممثل حزب فرنسا الأبية جون ليك ميلونشون، وفابيان روسيل عن الحزب الشيوعي اللذان كانا يدعمان الموقف الروسي، وكذلك مع خروج فرنسا من منظومة الحلف الأطلسي، والتزامها للحياد، وهو نفس المسار الذي سار عليه ممثلو اليمين المتطرف حول الموقف من روسيا، سواء مارين لوبيين عن حزب التجمع الوطني، وهي التي زارت روسيا سنة 2017 واستقبلها فلاديمير بوتين، كما حصلت على قروض من موسكو لصالح حملتها الانتخابية، وهو ما يعكس اهتمام موسكو بالمشهد السياسي الفرنسي ومحاولتها التأثير عليه.
إيريك زمور المرشح العنصري للانتخابات الرئاسية ومؤسس حزب الاسترداد الذي كان يعتبر أن حديث الأمريكيين عن غزو روسي لأوكرانيا، قبل الحرب، كان في نظره مجرد دعاية سياسية أميركية، كان هو الآخر يعبر عن رغبته في خروج فرنسا من منظومة الحلف الاطلسي.
كل هؤلاء وجدوا أنفسهم في وضعية حرجة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وبرروا موقفهم هذا بتحميل المسؤولية للغرب الأطلسي الذي توسع نحو الحدود الغربية لروسيا.
وحتى ممثلة اليمين الجمهوري فاليري بكريس التي تدافع عن موقف حزب تعوَّد تحمل المسؤولية السياسية، ونظرا لوجود تيار سيادي داخل حزبها متعاطف مع مواقف روسيا، يدعو الى نهج سياسة دوغولية تعني الاستقلال عن المواقف الأطلسية. وتجنبت المرشحة اليمينية الإحراج بعد استقالة فرنسوا فيون، الوزير الأول السابق لحكومة ساركوزي من مسؤولياته بأحد المقاولات الروسية والمعروف بعلاقته الوطيدة مع فلاديمير بوتين. وهو ما جعلها تصرح بأن فرنسا يجب أن ترمز للمقاومة من أجل استمرار الديموقراطية. قالت ذلك بعد أن صرحت في السابق أن فرنسا مستقلة، ولا يجب ان تكون تابعة لسياسة الأميركية بالمنطقة.
هذه المواقف السيادية والقومية، سواء داخل اليمين او اليسار هي التي جعلت من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمرشح للانتخابات الرئاسية صاحب الموقف الأكثر مسؤولية، والقادر على الدفاع عن مصالح فرنسا، وكذلك أوربا، وأيضا كرجل دولة مسؤول، مقارنة مع باقي المرشحين لهذه الانتخابات الذين تغيرت مواقفهم عدة مرات بل ان الغزو الروسي لأوكرانيا أحرجهم بعد أن أشعل حربا لم تشهدها أوربا منذ 90 سنة.
مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو ومرشح الخضر يانيك جادوا حاولا استغلال موقف جون لوك ميلونشون من أجل التنديد بموقفه المقرب من السياسة الروسية، والذي لم يتردد في دعم التدخل الروسي بسوريا باسم محاربة الإرهاب سنة 2015. وهو وما رد عليه المعني بالأمر بالقول إنه يعارض ضم روسيا لأوكرانيا، مطالبا الولايات المتحدة الأميركية بعدم إلحاق كييف بالحلف الأطلسي.
آن هيدالغو المرشحة عن الحزب الاشتراكي لم تتردد في اتهام جون ليك ميلونشون بالـ»عميل» لبوتين، والذي يجد له التبريرات في كل المواقف التي يتخذها، بل لم تتردد في القول بأنها قلقة من مواقف اليمين واليسار المتطرف وبعض السياسيين الذين يجدون دائما تبريرات لسياسة الرئيس الروسي.
المتتبعون للحملة الانتخابية الرئاسية بفرنسا اعتبروا ان هذه المواقف الملتبسة لبعض المرشحين، والارتباك الذي أشعلته الحرب التي يقوم بها بوتين في أوكرانيا خلطت الأوراق، وألقت بهذه الازمة في قلب هذه الانتخابات، وهي وضعية استفاد منها الرئيس ايمانييل ماكرون، الذي سيعلن ترشحه اليوم والذي يبرز كرجل دولة مسؤول وقادر على اتخاذ مواقف مسؤولة تحمي الفرنسيين ومصالحهم، وهو ما يجعل إمكانية مروره الى المسؤولية في دورة واحدة إذا صوت عليه الفرنسيون بكثافة. وستكون سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 07/03/2022