نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، مقال رأي للكاتب دانيال هاودن، تحدث فيه عن ازدواجية المعايير الأوروبية في التعامل مع اللاجئين بحسب لون بشرتهم.
وقال الكاتب، إن اللاجئين غير البيض يتعرضون لمعاملة عنصرية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، فمثلا أظهر أحد مقاطع الفيديو تعرّض رجل أسود البشرة للضرب على يد ضباط شرطة الحدود الإسبانية بسبب تسلقه سياجا حدوديا، كما أن إحدى الصور كشفت حشدًا من الرجال البيض يرتدون الزي العسكري يضربون بشراسة رجلاً من ذوي البشرة السوداء، وهو ما لم يقع في الحالة الأوكرانية.
وذكر الكاتب أن الحرب في أوكرانيا دفعت أوروبا إلى إعادة اكتشاف مشاعر الشفقة والرحمة لتخلق ازدواجية في تعريف “اللاجئ”، بعد فترة مظلمة ومثيرة للانقسام مثّل فيها اللجوء في أوروبا تهديدًا حقيقيًا.
لكن في الوقت الحالي، فإن اللاجئين الأوكرانيين يعبرون الحدود إلى بولندا، الدولة ذاتها التي تقوم ببناء جدار على امتداد حدود بيلاروسيا لمنع اللاجئين السوريين والأفغان والعراقيين من الدخول.
وخلال الفترة الأخيرة، شوهدت مستويات مقلقة من التمييز ضد اللاجئين غير الأوروبيين الذين فروا من الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وكشفت بعض التقارير عن حالات تم فيها منع أشخاص من ذوي البشرة الملونة من دخول قطارات الإجلاء وعزلهم وإجبارهم على الانتظار لأيام عند المعابر الحدودية.
وأشار الكاتب إلى أنه من الصعب تخيل استقبال اللاجئين ذوي البشرة الملونة بنفس الترحيب الذي حظي به الأوكرانيون.
وخير مثال على ذلك وقوع عدد كبير جدًا من المعلقين في أوروبا في فخ التمييز إزاء الأشخاص الذين يحق لهم اللجوء عن غيرهم.
وتحدثت وسائل الإعلام بدورها عن الروح القتالية التي يتسم بها الأوكرانيون على الخطوط الأمامية والترحيب بهم، بينما استُقبل السوريون والأفغان وغيرهم بوحشية على الحدود نفسها.
وأورد الكاتب أن الفصل بين اللاجئين السود في بعض نقاط الخروج في أوكرانيا وازدواجية المعايير بشأن من سيبقى في الاتحاد الأوروبي، يقدمان لبوتين وغيره من الجهات الفاعلة ورقة رابحة من شأنها أن تساعده على زعزعة استقرار المنطقة.
وتكشف حالة الذعر التي استقبلت بها بولندا وبروكسل بضعة آلاف من العراقيين والأفغان والسوريين عبر بيلاروسيا أوجه قصور معايير اللجوء الأوروبية.
وتدرك الأنظمة الاستبدادية في موسكو ومينسك أن الابتزاز من شأنه أن يكون سلاحا فعالا ضد أوروبا، بدلاً من التوصل إلى توافق بشأن إعادة توطين طالبي اللجوء في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
كما أن الصفقات التي أُبرمت مع تركيا وليبيا بشأن استقبال اللاجئين والمهاجرين جعلت منهم سلعة، وحولت الأراضي الأوروبية الحدودية إلى بؤرة للانتهاكات المخالفة للقانون.
وذكر الكاتب أن بعض السياسيين سيحاولون الدفاع عن بلدانهم باللجوء إلى الأكاذيب التي تفيد بأن أوروبا تتحمل أعباء كبيرة جراء اللاجئين الذين لا تستطيع تحمل نفقاتهم.
قد تكون هذه الحجج منطقية إذا كانت صادرة عن دول مثل الأردن وتركيا، لكنها غير معقولة في حالة قادة القارة الأوروبية.
وبيّن الكاتب أن ترحيب أوروبا بالأوكرانيين ينسف الحجج القديمة الخادعة التي قدموها حول التكلفة المجحفة لاستقبال اللاجئين الفارين من بؤر النزاع في مناطق أخرى غير أوروبا.
وتجدر الإشارة إلى أن جهود إغاثة الأوكرانيين ستكلف 30 مليار يورو في سنتها الأولى، وفقًا لمركز التنمية العالمية.
وتتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يتم تهجير ما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ قسرا، لكن حتى اللحظة الراهنة لم تتعال أي أصوات تندد بهذه التكاليف.
من المحتمل أن يحاول الأوروبيون تعزيز أسوار قارتهم بعد أن يضمنوا استقبال وإيواء جميع الأوكرانيين، ومن شأن هذه الأزمة أن توفر فرصة للقادة الأوروبيين لإعادة النظر في سياساتهم والأخطاء التي ارتكبوها خلال أزمات اللاجئين التي جدّت منذ سنوات قليلة مضت.
وأكد الكاتب أن الحرب الروسية الأوكرانية نسفت كل الحجج التي لطالما تحججت بها أوروبا الغنية للدفاع عن حصنها وكشفت مدى تجذر الممارسات العنصرية في النظم الأوروبية، ناهيك عن أنها فضحت النفاق المتعلق بالقيم الإنسانية.
من جهة أخرى، انتقدت نائبة إيرلندية في البرلمان الأوروبي، سياسة التمييز بين اللاجئين الأوكرانيين ونظرائهم من اللاجئين الأفغان، وغياب الاهتمام بهؤلاء القادمين من أفغانستان.
وقالت كلاير دالي، خلال جلسة للبرلمان عقدت بداية الأسبوع، إن هناك لاجئين ولكن ليس في أوكرانيا وحدها، فهناك عشرات آلاف المواطنين الأفغان الذين أجبروا على الفرار والبحث عن الطعام والأمن، مشيرة إلى أن 5 ملايين طفل أفغاني يواجهون المجاعة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية.
وانتقدت دالي غياب التغطية المباشرة للحالة التي يمّر بها الأفغان، بخلاف ما يحصل يومياً في أوكرانيا، مشيرة إلى أن الأفغان يتساءلون ما الذي يجعل من أزمة الأوكرانيين الإنسانية بهذه الأهمية؟ هل لأن بشرتهم ليست بيضاء؟ هل لأنهم ليسوا أوروبيين؟ هل لأن مشاكلهم حلّت عليهم بسبب غزو أمريكي؟
وقالت النائبة التي تشغل منصب نائبة رئيس البعثة الأوروبية في أفغانستان: “كل الحروب شرّ، وكل الضحايا يستحقون الدعم، وطالما أننا لم نفهم ذلك، لن يكون عندنا مصداقية”.
وفي تقرير نشره موقع “دويتشه فيله” الألماني حول حوادث “عنصرية” خلال الفرار من أوكرانيا”، أوضح: على مواقع التواصل الاجتماعي نشر عدد من الأشخاص من جنسيات غير أوروبية ما قالوا إنها مواقف تعرضوا لها تفيد بترفض بولندا الأشخاص ذوي البشرة السوداء من الأفارقة وحتى بعض العرب الفارين من أوكرانيا. لكن الحكومة في وارسو نفت تلك الأنباء ووصفتها بأنها “أنباء مزيفة”.
ويقول آخرون إنه بمجرد وصولهم إلى المعابر الحدودية ، يعطي حرس الحدود الأوكراني الأولوية للأوكرانيين ويرسلون الآخرين (غالبيتهم من دول أفريقية)، إلى الجزء الخلفي من قائمة الانتظار، والتي يمتد بعضها لمسافة كيلومترات. كانت هذه هي تجربة كواديو سيميون من ساحل العاج.
قال سيميون، وهو شاب حديث التخرج كان يدرس في مدينة خاركيف الشمالية الشرقية التي تعرضت للقصف الشديد، إنه وأصدقاؤه قد قطعوا أكثر من 1000 كيلومتر غربًا عبر البلاد إلى مدينة لفيف الأوكرانية ومنها إلى قرية على بعد حوالي 75 كيلومترًا من مدينة لفيف على الحدود مع بولندا.
وتابع سيميون قائلاً إنهم تمكنوا من هناك من ركوب حافلة، لكنها أبعدتهم مسافة عشرة كيلومترات فقط عن البلدة.. “مشينا أكثر من 65 كيلومترا في درجات حرارة شديدة البرودة”.
وعندما وصلوا، لم يسمح لهم المسؤولون الأوكرانيون بالمرور إلى المركز الحدودي البولندي. يقول سيميون: “الوضع بالقرب من الحدود البولندية صعب للغاية”. وأضاف “وصلنا اليوم لكن الأجانب غير مسموح لهم بعبور الحدود مما يعني أننا سنبقى هنا في البرد”.
طالبة الطب النيجيرية سارة أجيفا إيداتشابا، البالغة من العمر 19 عامًا، قالت إنها وشقيقتها الكبرى، التي كانت تدرس الطب في أوكرانيا أيضًا، تمكنتا من الفرار من العاصمة كييف ووصلتا بأمان إلى بولندا يوم الأحد.
وتابعت إيداتشابا: “خلال الرحلة، كان الأمر على ما يرام حتى وصلنا إلى الحدود الأوكرانية. كان هناك طابور طويل، وقضينا يومًا كاملاً على الحدود”، وقالت: “كانت لدينا مخاوفنا وتوقعاتنا لأن الأشخاص الذين سبقونا أخبرونا أنه تم تصنيفهم عنصريًا ولم يُسمح لهم بالمرور”.
وأضافت أنه عند النزول من الحافلة ومرورًا بجوازات السفر، سُمح لهما بمواصلة السير إلى الحدود البولندية. وعندما بدأت العملية العسكرية الروسية قالت إيداشابا إنها وأختها الكبرى، التي كانت تدرس أيضًا في أوكرانيا، كانتا “في حالة ذعر” لأنهما لم تعرفا كيف ستتمكنان من مغادرة البلاد والعودة إلى الوطن.
وأضاف الدويتشه فيله أن بعض الطلاب قالوا لصحيفة Gazeta Wyborzca البولندية إنهم أُجبروا على الخروج من الطوابير وأُهينوا؛ فيما خدعهم سائقو سيارات الأجرة، وأن كل هذا استمر على ما يبدو لأيام في بعض الأحيان، ليبدأ الطلاب على الحدود في إرسال رسائلهم اليائسة إلى العالم عبر الإنترنت، لتظهر بسرعة قصص مختلفة عن رفض عبور أصحاب البشرة السمراء وغير الأوربيين للحدود وهي القصص التي رفضتها القيادة البولندية باعتبارها “أخبارًا مزيفة”.
من جانبه، قال المتحدث باسم حرس الحدود البولندي بيوتر زكييلارز إنه “يُسمح لجميع الفارين من الحرب بعبور الحدود إلى بولندا. وفي حالة بعض الأجانب، يتعين على حرس الحدود التصرف بشكل منفصل وفقًا لواجباته القانونية، ولكن لا يتم ترحيل أي شخص إلى أوكرانيا.”
وتؤكد ليسنياك-موكزوك أن أياً من الطلاب لم يبلغها بأن المشاكل التي تعرضوا لها كانت على خلفية عنصرية. لكنها تعتقد أن السلطات واجهت صعوبة في التعامل مع “الغرباء” – خاصة وأن الرجال الأوكرانيين غير مسموح لهم بمغادرة البلاد على الإطلاق. وبحسب تقارير صحفية، فقد كانت هناك مشاكل على الجانب الأوكراني من الحدود أكثر مما هي عليه في الجانب البولندي.
تصريحات الطلاب والمواطنين الأفارقة جاءت في الوقت الذي صدرت فيه عدة تعليقات وصفت بالعنصرية من جانب مراسلين وصحفيين أوروبيين للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ولم تمرّ مقارنات إعلاميين وسياسيين بين الشرق الأوسط الذي اعتاد على النزاعات، والحرب في أوكرانيا “المتحضّرة”، مرور الكرام عند معلّقين عرب على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين رأوا فيها مقاربة “عنصرية”.
كثرت الأمثلة على هذه التصريحات في القنوات الفرنسية والأمريكية والصحف البريطانية، ما دفع الكثير من وسائل الإعلام المعروفة إلى نشر اعتذارات علنية لتهدئة الغضب على مواقع التواصل.
ومن الأمثلة على ذلك، تعليق أدلى به الجمعة شارلي داغاتا الموفد الخاص لقناة “سي بي إس نيوز” الأمريكية إلى أوكرانيا، حيث قال في رسالة مباشرة “مع خالص احترامي، فإن هذا ليس مكاناً مثل العراق وأفغانستان اللذين عرفا عقوداً من الحروب. إنها مدينة متحضّرة نسبياً، أوروبية نسبياً (…) حيث لا ننتظر حصول أمر مماثل”.
بيد أنه أعرب في اليوم التالي عن اعتذاره وندمه على كلامه. لكن الضرر كان قد حصل بالفعل.
وكتب مدير برنامج العراق في “أتلاتنيك كاونسيل” في تغريدة “ربما فوّت (شارلي داغاتا) الصف الذي تعلّم فيه زملاؤه في الثانوية أن اسم العراق الآخر هو مهد الحضارات”.
ولم تسلم قناة الجزيرة الإنجليزية من هذه الهفوات أيضاً، فقد أرغمت على الاعتذار بسبب التصريحات “الخالية من الحساسية” التي أدلى بها مذيع حول اللاجئين الأوكرانيين. وعلّق ذلك المذيع “الثياب التي يلبسونها، تبين أنهم من طبقة وسطى ميسورة، هم حتماً ليسوا لاجئين فارين من مناطق تشهد حرباً في الشرق الأوسط”. وأضاف “يشبهون أي عائلة أوروبية، قد تكون تقطن في حيكم”.
وعلّق الصحفي فيليب كوربيه على قناة “بي أف أم تي في” الفرنسية بالقول “لا نتحدث هنا عن سوريين هاربين من قصف النظام السوري المدعوم من فلاديمير بوتين… بل عن أوروبيين، يهربون بسياراتهم التي تشبه سياراتنا … ويحاولون النجاة بحياتهم”.
وقالت القناة رداً على أسئلة فرانس برس، إن الصحفي صاغ “كلامه بطريقة متهورة، لكنه أخرج عن سياقه على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع للاعتقاد خطأ أنه يدافع عن موقف معاكس للذي أراد إظهاره، وهو لذلك متأسف”.
ولم تتوقف التصريحات المثيرة للجدل على الصحفيين والاعلاميين فحسب، إذ فجر الغزو الروسي لأوكرانيا موجة من تصريحات عنصرية أطلقها عدد من المسؤولين الأوروبيين مؤخراً منها ما جاء على لسان رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف والذي قال إن اللاجئين الأوكرانيين “ليسوا من اللاجئين الذين اعتادت عليهم أوروبا”.. إن هؤلاء “أناس أذكياء ومتعلمون وبعضهم متخصصون في تكنولوجيا المعلومات وهم مؤهلون تأهيلاً عالياً”.
من جانبه، أعرب الاتحاد الأفريقي، عن انزعاجه من التقارير التي تفيد بأن المواطنين الأفارقة على الجانب الأوكراني من الحدود يُحرمون من حق عبور الحدود الدولية الآمنة.
وأكد الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي ورئيس جمهورية السنغال ماكي سال، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، في بيان لهما أن لجميع الأشخاص الحق في عبور الحدود الدولية أثناء النزاع، مشددا على ضرورة أن يتمتعوا بنفس الحقوق للعبور إلى الحدود الدولية الآمنة بغض النظر عن جنسيتهم أو هويتهم العرقية.
وذكر البيان أن التقارير التي تفيد باستهداف الأفارقة بمعاملة مختلفة غير مقبولة وتمثل عنصرية بشكل صادم وتنتهك القانون الدولي، داعيا الجميع لاحترام القانون الدولي وإبداء نفس التعاطف والدعم لجميع الأشخاص الفارين من الحرب بغض النظر عن هويتهم العرقية.
يذكر أن ما يقرب من 75000 أجنبي يدرسون في أوكرانيا، ربعهم من الأفارقة غالبيتهم من المغرب ومصر ونيجيريا وغانا. وينجذب الكثيرون إلى كليات الطب والتقنية ذات السمعة الجيدة في البلاد جنبًا إلى جنب مع الرسوم الدراسية المنخفضة نسبيًا.
الحرب تكشف الوجه العنصري المظلم لأوروبا

بتاريخ : 15/03/2022