الحسن الثاني يعيد إحياء السجل الامبراطوي بواسطة الصحراء

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

رافقت التنويع في العمل العمومي، عملية توسيع وتعددية في أنماط الحكم ومن ثمة تعددية في تشكل الدولة – الأمة. والحال أن ما يولد من طوارئ الصراعات السياسية ، يتجذر، وذلك لسببين على الأقل:
من جهة ، نجد أن الأنماط المتعددة في الحكم تمنح هوامش المناورة للدولة كما للفاعلين الخواص، ومن جهة ثانية، تتيح إدماج المتمردين والإبقاء على التنوع بل المعارضة، وتسمح بتجديد السلطة بفتح فضاءات من الحرية، فضاءات جزئية ومحدودة لكنها واقعية فعلا…
(هذه العملية انطلقت في الثمانينيات انطلاقا من تنامي الاحتجاج الاجتماعي وضرورة «تدبير» انتفاضات الخبز في 1981 و1984 . وطوال هذا العقد توالت المحاكمات القاسية جدا والعفو كما هو الحال في العفو الصادر في 1984 بمناسبة عيد 20 غشت في حق حوالي خمسين معتقلا سياسيا المحكوم عليهم في محاكمة الدار البيضاء في 1972 و1973 و1977، وقد استفاد منه سيون أسيدون، أحمد حرزني، عبد اللطيف الدرقاوي، عبد العالي يزة لخمار. وفي 1989 جاء دور المعتقلين المتابعين بعد أحداث مراكش وبعض السجناء المنتمين الى مختلف فئات اليسار، سواء «الى الأمام»، أو «23 مارس» أو «لنخدم الشعب»… وقد تواصلت هذه الدينامية المزدوجة من القمع والعفو طوال التسعينيات مع إدماج الوطنيين ورجال اليسار والإسلاميين وأعضاء المجتمع المدني..).
هذا التصور الخاص بالحكم والسلطة والسيادة يفسر كيف أن متطلبات النيوليبرالية وبعد عقود عديدة ، اعتبرت، في هذا المجال ـ أي المكانة التي احتلتها الشركات (عام ـ خاص) واحتلها «الخاص» في التدبير العمومي ـ اعتبرت قليلة الإكراهات .

المسيرة الخضراء
ونشر هندسة التنقل

هز انقلابا 1971 و1972 نظام الحسن الثاني، غير أن معجزة نجاته منحته إمكانية العودة إلى ثقافة كان ينكرها إلى ذلك الوقت. وزيادة على البركة، استعاد السلطان السبل الامبراطورية في التفاوض، وجدوى الوساطات واستدراج المناوئين المتمردين…
أول تقارب حدث مع عناصر الحركة الوطنية، وأفصح خلاله الملك عن إرادته في تغيير طريقة الحكم وفي هذه الظروف، تم في مارس 1972 حين تم الإعلان عن دستور جديد من أجل إعادة الاعتبار، بشكل خجول، للبرلمان ، وتم على وجه الخصوص إعادة تنشيط هندسة منح الأوضاع الاعتبارية، توسيع الوظيفة العمومية للاستجابة لحاجيات إدارة التراب الوطني، ميلاد أصناف جديدة من المقاولين من خارج العائلات العتيقة من البورجوازية الحضرية المرتبطة كثيرا بالاقتصاد ـ الموجه إداريا، زد على ذلك الانغلاق الذي مارسته الأحزاب ذات التقاليد النضالية (في وجه آخرين) كل هذا ولد ظاهرة «الأحرار»، والذين تحولوا في انتخاب واحد الى أول حركة سياسية! هذه المجموعة الشابة التي زكاها القصر بالبحث عن ميزان قوة جديد مع الكتلة (….) سرعان ما تحولت الى حزب سياسي ودفعت التشكيلات الحزبية القديمة الى تغيير نفسها: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينفصل عن الاتحاد الوطني والحزب الشيوعي المغربي أصبح حزب التحرير والاشتراكية ثم حزب التقدم والاشتراكية . استكمال هذا المشروع كان يمر عبر إعادة ابتكار» المغرب الجديد» والذي ستجعله « استعادة « الصحراء في 1975 ممكنا…
وفي الوقت الذي كانت فيه الكليات تواصل الاحتفال، عبر دروسها عن القانون الدستوري، بمزايا النظام البرلماني المعقلن والنقاش حول القرابة البدوية بين دستور الجمهورية الخامسة والدساتير المغربية المتتالية.. أو مناقشة الطابع العبقري في وضع كلمة»nonobstant» (بالرغم) في الفصل 35 الذي يشرع لحالة الاستثناء ( والفقرة المحال عليها هنا تقول ٬ De ce fait, il est habilité, nonobstant toutes dispositions contraires, à prendre les mesures qu›imposent la défense de l›intégrité territoriale et le retour au fonctionnement normal des institutions constitutionnelles et la conduite des affaires de l›État.
وتقابلها في العربية الصيغة التالية :»وبسبب ذلك تكون له الصلاحية، رغم جميع النصوص المخالفة ، في اتخاذ التدابير التي يفرضها الدفاع عن حوزة التراب ويقتضيها رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي أو يقتضيها تسيير شؤون الدولة».
تنتهي حالة الاستثناء باتخاذ نفس الإجراءات المتبعة لإعلانها. ..كما أن ضربة مهارة بخصوص طلب رأي المحكمة العدل الدولية قد مكنت من تطوير الطريقة التي اتبعت في الوصول إلى الدولة – الأمة.
لن نعود إلى هذا الفصل الذي تم تحليله في المقدمة، اللهم إذا كان ذلك من أجل الإشارة الى المفارقة التالية: إن ترافع المغرب من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية ضمن رؤية دولـوطنية انتهى في الأخير إلى إعادة تنشيط المرجعية الامبراطورية عبر توظيف روابط البيعة ، وأما رأي المحكمة الدولية، والذي أريد له أن يكون ملتبسا عن عمد، كان كافيا للحسن الثاني من أجل إعادة الاعتبار في سنة 1976 لبيعة الأعيان المنضوين في الجمعية السابقة التي أسسها الإسبانيون، ولتنظيم بيعة الداخلة بعد ثلاث سنوات في احتفال فخم.


الكاتب : n عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 02/09/2023