متفائل لمستقبل العيطة والشيخة خليط من الموهبة والقهر والدكتاتورية الذكورية وتزويج القاصر
الحسين السطاتي، فنان شعبي موسيقي عازف كمنجة ومغني لفن العيطة ، ودركي متقاعد برتبة”أجودان “.
أصبح مولوعا بفن العيطة في سن مبكرة بفضل فنانين موسيقيين تقليدين رعاة بأولاد عبو ، التي كانت تسمى قديما “جمعة فوكو” بمنطقة “أولاد سعيد”، جهة سطات الدار البيضاء ، منهم الفنانين الشعبيين ، حسن بزيويطة، ورحال ولد برحال وحسن المسكيني، وحسن بن الواهلية، وسعيد ولد الكبير والموحيد عبد الرحيم، حيث يقول في لقاء مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، كنا نلتقي في الخلاء أثناء الرعي في الحقول الخصبة والمروج الخضراء في السهل المنبسط وفي الهضاب والتلال، بجانب البئر وعلى ضفاف الوادي بسهل الشاوية، كانت هذه الفضاءات الطبيعية هي معهدنا الموسيقي، وكنا نرعى ونلعب ونتدرب على الآلات الموسيقية التقليدية الصنع، منها الوترية والنفخية بما في ذلك “الكمنجة” و”لوتار” و”الناي” و”المزمار” والقصبة “المكَرونات”..، كل واحد منا يتدرب على الآلة التي يحبها، وكان الموسقيون القدامى يعلمون الجدد، وأنا اخترت منذ البداية آلة الكمان “الكمنجة”، كان هذا بالموازاة مع الدراسة وخاصة خلال أيام العطل المدرسية، وشيئا فشيئا أخذت في التعلم عن طريق التكرار ، وبالممارسة الفنية والنقل تعلمت كيف أصنع آلتي الموسيقية الأولى “كمنجة الطارو”، نقلا عن الفنانين الرعاة الأقدم مني في التعلم، حيث كنت أصنعها من إناء قصديري لمبيد الحشرات، كنت أشده إلى خشبة أتفنن في نجارتها حتى تأخذ شكل يد الكمان الحقيقية، وأستعمل الأوتار من أسلاك فرامل الدراجة، أما القوس، فكنت أصنعه من خصلات ذيل الفرس وأشده إلى قضيب خشبي غالبا ما يكون من أغصان الزيتون أو من شجر الطلح أو الخيزران، وكانت تغمرني سعادة وأنا أصنع آلتي الموسيقية بيدي، وكنت أحفظ الأغاني مباشرة من الرعاة، ومن أهازيج الفلاحين .خلال الرعي في الخلاء أو في موسم الحرث وموسم تنقية الزرع من الأعشاب الضارة “الطفيليات”، وموسم الحصاد الجماعي بالمنجل، وموسم الدرس، وموسم جني الزيتون..أو خلال حضوري المباشر للفرق الموسيقية العيطية “ربايع الشيخات”، التي كانت تحيي الحفلات بالدوار، وأحيانا من أمام بائع الكاسيت بالسوق الأسبوعي الذي ينعقد بالمنطقة يوم الجمعة، وحتى من أفواه الحكواتيين والرواة بالحلقة وسط السوق.. ثم بعد ذلك بدأت أتعلم بالتدرج عن طريق السماع عبر أسطوانات اللفة، وأشرطة الكاسيت من عدد كثير من أشياخ وشيخات العيطة، وكونت مجموعة غنائية من أربعة أشخاص من أبناء الدوار على شاكلة المجموعة الشهيرة “نجوم بوركَون”، بآلات موسيقية بدائية بسيطة “كمنجة وجوج بنادر وطعريجة”، وصرنا نحيي سهرات ليلية بجانب الحانوت الوحيد بالدوار، أو بالبيدر “الكَاعة”، نبقى ساهرين إلى ساعات متأخرة من الليل، وخاصة في فصلي الشتاء والصيف، كما صرت أشارك في الحفلات المدرسية بمناسبة الأعياد الوطنية، وشيئا فشيئا عرفنا بالمنطقة وصرنا نحيي حفلات بسيطة بالدوار وبالدواوير المجاورة، إلى حدود صيف سنة 1988، إذ التحقت بأخي “المحبوب عبد القادر” الذي يكبرني بسبع سنوات، بمنطقة “سيدي معروف أولاد حدو”، بمدينة الدار البيضاء، وهو أيضا فنان شعبي عازف على آلة “البندير” وعلى آلة “العود”، وأسست رفقته مجموعة غنائية عصرية تحت اسم “أوركسترا الأفراح الشعبية”، وصرنا نحيي الحفلات والأعراس بمدينة الدار البيضاء وبرشيد والسطات والنواحي، وفي صيف سنة 1991 أسست مجموعتي الشعبية تحت اسم “الحسين السطاتي”، عملت بالفرقة الرجالية وكذلك بحضور العنصر النسوي “الشيخات”، كمغني وعازف كمنجة “كومنجي”، وكانت هذه هي البداية الفعلية لمسيرتي الفنية، في الأغنية الشعبية وتراث فن العيطة، إلى غاية ربيع سنة 1994، حيث التحقت بالوظيفة العمومية كدركي بسلك ضباط الصف، وبقيت متتبعا للساحة الفنية وهاجس العيطة والفن الشعبي يسكنني، كنت فنانا للعيطة “شيخ” ببذلة دركي، حيث كنت أحيي حفلات وسهرات كفنان هاو خلال إجازاتي إلى أن حصلت على التقاعد النسبي ربيع سنة 2016، وعدت إلى الساحة الفنية بنفس الاسم الفني “الحسين السطاتي” كما تعاطيت الألوان الغنائية الأخرى .
حب هذا الفن ،جعل الفنان الحسين السطاتي، يبقى على تواصل مع الفنانين الشعبيين “أشياخ وشيخات”، في جميع القرى والمدن التي عمل بها كدركي ضابط للشرطة القضائية والعسكرية، وربط معهم صداقة مثينة، وهي صداقة أشياخ العيطة فيما بينهم، بمعنى يقول،إنني كنت شيخا للعيطة ببذلة الدركي، كنت أساعدهم قدر المستطاع، حيث اشتريت مجموعة من الآلات الموسيقية الوترية والإيقاعية ولوازمها ومعداتها من مكبرات الصوت والآلات الالكترونية والرقمية، وكنت أقوم بكرائها لهم وقتما احتاجوا إليها، وكانوا يساعدونني “أشياخ وشيخات” في مهامي الدركية وخاصة في بعض أبحاثي القضائية ، كانوا مثل إخوتي وأخواتي، وكنت أحيانا خلال أوقات إجازاتي المهنية أمارس هوايتي في العزف على الكمان والغناء مع مجموعة غنائية، لكن كشخص هاو وعاشق للموسيقى لا كفنان محترف، لأنني أعرف أن القانون الإداري للوظيفة العمومية يمنع ازدواجية العمل وذلك بالجمع بين العمل الفني الموسيقي والعمل الدركي، لأن الدركي بصفته باحثا في ميدان الجريمة ضابطا للشرطة القضائية والعسكرية وضابطا للشرطة الإدارية، لا يمكنه أن يعمل عملا ثانيا داخل دائرة نفوذه، وعليه أن يلتزم الحياد في أبحاثه، فإذا صار فنانا معروفا وصار له جمهور،فمن الصعب عليه أن يوفق بين المهنتين، لذلك كنت جد حريص في مزاولة هوايتي الموسيقية بالمناطق التي عملت بها، ومن حسن حضي أنه لم يكن حينها قد انتشرت الهواتف الذكية والكاميرات الرقمية، لتوثيق الحفلات والسهرات..و “الحمد لله خرج السربيس على خير، والله يخرج العيطة على خير”.
ويرى الحسين السطاتي أن ممارسته لفن العيطة كانت في نفس الوقت نقطة قوته ونقطة ضعفه، وبصفتي كنت دركيا ضابطا للشرطة القضائية والعسكرية وضابطا للشرطة مكلف بالأحداث وضابطا للشرطة الإدارية وضابطا للشرطة التقنية العلمية وضابط مركزي مكلف بالأبحاث، وتقني التشخيص الجنائي الاجرامي والمسح بمسرح الجريمة، يضيف، كل هذه الشواهد والديبلومات جعلتني عنصرا نشيطا في حقل الضابطة القضائية بالمراكز الترابية والقضائية للدرك الملكي بالقرى والمدن التي عملت بها عبر ربوع المملكة، إذ كنت عنصرا فعالا ونشيطا في عالم الجريمة، فنان في مستنقع الإجرام.. طبعا كنت دائما مزودا بسلاحي الناري الوظيفي المتمثل في المسدس الأوتوماتيكي، لكن سلاحي الحقيقي كان هو الكمنجة وفن العيطة، لعدة اعتبارات، أولها أن العيطة كانت تمنحني ثقة كبيرة في النفس، كنت لا أخاف من فقدان وظيفتي ولا أرضخ للأوامر الخارجة عن القانون . بل أحيانا صرت أتمنى أن أفقد هذه الوظيفة وأعود إلى حياة الفن، كنت أعرف جيدا أنني إذا تم توقيفي عن العمل في الصباح سأشتغل بالليل عازف كمان “كومنجي” ومغني لمجموعة غنائية “رباعة الشيخات” ، وإذا اقتضى الأمر أصعد بآلتي الموسيقية “الكمنجة” داخل حافلة وأعزف وأغني وأحصل على قوت يومي وقوت أبنائي ،على هذا الأساس،يقول السطاتي، كنت أشتغل في أبحاثي القضائية بحالة نفسية مرتاحة وعالية، أعمل بجد وضمير مهني وبأريحية، كما كنت أستعين ببعض أصدقائي الفنانين “أشياخ وشيخات”، وخاصة منهم “الشيخات” في أبحاثي القضائية، وغالبا ما كانت القضايا الصعبة العويصة تنجح، أريد أن أوصل للقارئ أن الشيخة عنصر فعال في المجتمع، امرأة صالحة، ولا يعني أن شيخة معينة فاسدة الأخلاق معناه أن كل الشيخات فاسدات، أتكلم عن الجانب الفني للشيخة، الجانب الجمالي، إضافة لكونها فنانة شعبية تصنع الفرجة فهي مواطنة صالحة، هذا في الشق الايجابي للعيطة مع مهنتي السابقة كدركي، أما في الشق السلبي الذي يمثل نقطة ضعفي، فقد كنت أحيانا أغامر وأحضر مع مجموعة غنائية “رباعة الشيخات”، أو مجموعة فنية رجالية “أوركسترا”، وأشارك في إحياء العرس كفنان ضيف شرف، ولا أبالي بالقانون الإداري ولا بالعقوبات التي يمكن أن أتعرض لها من رؤسائي إذا افتضح أمري، وبما أنني كنت أكسب شهرة في المدينة التي أعمل بها كدركي متميز وكشيخ للعيطة “كومنجي”،كان بعض الناس أحيانا يصورونني بالآلات المصورة ويسجلونني بطريقة الفيديو التقليدية، لكن لم يكن هناك هواتف ذكية في تلك الفترة، ولا نشاط لمواقع التواصل الاجتماعي، أتكلم عن نهاية التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الأولى، كما كنت أحتاط أن أتعرض في العرس للاعتداء من طرف أعدائي المجرمين الذين كنت في حرب معهم من تجار مخدرات وعصابات السرقة والقتلة.. الذين كنت أطاردهم رفقة زملائي الدركيين، وكان بعض رؤسائي المباشرين سواء في الدرك أو في القضاء، كانوا يعرفون تصرفاتي هذه، وكانت تصلهم المعلومات على أفعالي، وكانوا يوبخونني ويهددونني بالعقاب، لكنهم لم يسبق لهم أن دبجوا ضدي تقارير تأديبية، كانوا يريدون مصلحتي ويخافون علي أن أتعرض للاعتداء وأفقد وظيفتي، كان بعض زملائي الدركيين يلقبونني بالمجنون، وأعترف أنني كنت عنصرا مشاغبا، نشيطا وناشطا، والله خير حافظ.
وعن واقع فن العيطة ومستقبلها، يقول الحسين السطاتي، إنني جد متفائل لمصير فن العيطة، فالعيطة على أحسن حال وهي في أيادي أمينة، مازالت حاضرة في جميع المناسبات باختلاف أنواعها، ومسجلة وموثقة بأحدث الآلات الموسيقية وأعذب الألحان والأصوات العيطية، والعيطة دائما في تجديد مستمر وتسير من حسن إلى أحسن. وهذا راجع إلى التقدم العلمي، بما فيه التطور التكنولوجي واللوجيستي، واستغلال المكننة والرقمنة في هذا الفن، صار اليوم بعض الفنانين العيطيين “شيخات وأشياخ” من المثقفين الواعين بفنهم وبما يقدمونه للمتلقي، هناك شباب ذكورا وإناثا دارسين للموسيقى دراسة أكاديمية، يعون جيدا معنى الموسيقى والغناء ويتعاطون لفن العيطة، ومن الممارسين لهذا الفن من لهم مستوى علمي وثقافي عال، ودبلومات وشواهد علمية عالية، منهم أطباء وأساتذة جامعيين ومهندسين وضباط جيش وقضاة متقاعدين ،الشيء الذي أضفى على فن العيطة حضوة اجتماعية جيدة، وإقبالا وقبولا جماهيريا، وحببها للشباب، وأجزم لك أن العيطة صارت في أيدي آمنة، سننقلها إلى الأجيال القادمة في حلة جيدة.
كيف يرى الحسين السطاتي الفنانة الشعبية “الشيخة المغربية” بصفته شيخ للعيطة، في ظل وجود منافسين، عن هذا السؤال، يجيب مؤكدا أن الشيخة المغربية هي امرأة صالحة لنفسها وللأسرة وللمجتمع، فنيا واجتماعيا، فهي أديبة شاعرة ومغنية وراقصة وامرأة مكافحة مناضلة.. وكانت مقاومة ضد المستعمر ومازالت تقاوم ضد الظلم والاحتقار والاستبداد والاستعباد.. وبحكم تجربتي في سلك الدرك، يمكنني أن أصرح لك بأن الشيخة لها دور كبير في المساهمة في المحافظة على أمن البلد، فبالإضافة إلى مهامها الفنية الموسيقية الغنائية وصناعتها للفرجة وخلق الفرح وجو المرح،فهي تقوم بمهام أمنية كما تقوم بمهام تبليغية، وكم من جرائم كبيرة “جرائم قتل، وجرائم دعارة، وجرائم أطفال رضع متخلى عنهم، وعصابات مخدرات، وخيانات زوجية وخيانة للوطن، نجحت بفضل هذه المرأة، لأنها امرأة متحررة وجريئة وقوية الشخصية، فهي تصنع الفرجة بفنها وتساهم في نجاح الكثير من الأبحاث بجرأتها وشجاعتها وقوة شخصيتها، وصلاحها للمجتمع، وأنا شخصيا ساعدتني “الشيخة” في بعض مهامي البوليسية البحثية العويصة، والكثيرون من المغاربة يجهلون هذه الكواليس التي تنسج في الخفاء، لكن للأسف نجد في الغالب أن هذه المرأة منبوذة من طرف المجتمع، منبوذة بالنهار ومحبوبة بالليل، إذ تكون هذه الأنثى ضحية سهلة للزج بها في السجن من طرف بعض البعض، يُنجحون بها مهامهم البوليسية وقضاياهم الجنائية، ويترقون في الرتب والمناصب والمكاسب، في المقابل يرمون بها في الأخير في السجن. فتهمها جاهزة وناذرا ما تجد من يدافع عنها، فهي بالنسبة لبعض المغاربة مثل الأفعى تخيفهم وتصيب بعضهم “فوبيا” منها، بعضهم تعجبهم حركاتها، إلتواءاتها وانحناءاتها، وصفيرها وزغرودتها، وملمس مظهرها، لكنهم لا يريدون أن تكون هذه الأفعى في بيوتهم ، لكنها امرأة صنديدة وعنيدة تتحدى الرجل وتتحدى المجتمع فهي المرأة التي أهانها رجل فأهانت كل الرجال، تتحدى الأعراف والتقاليد، وتتحدى السجن والسجان لأنها أصلا تعيش بيننا في سجن مفتوح.
هناك من يعتقد أن دور الشيخة سيختفي، عن هذه الملاحظة، يقول الحسين السطاتي، لا أعتقد ذلك ومن يدعي ذلك، ربما يبني قوله عن الملاحظة من بعيد ولا يعرف ما يروج في الكواليس، فبصفتي فنان شعبي شيخ وممارس، أقول إن لكل زمن عيطته، وشيخاته وأشياخه وجمهوره..إنه واهم من يظن أن الشيخة ستنقرض، الشيخة ليست فنانة شعبية مغنية وراقصة فحسب، بل هي ظاهرة فنية مغربية اجتماعية، هي فنانة استثنائية، إذ لا يمكن تكوين الشيخات بمدارس أو بمدرجات الجامعات، أو في معاهد موسيقية، الشيخة خليط متجانس من هذا وذاك، خليط من الموهبة الفنية الغنائية، والقهر، والدكتاتورية الذكورية، والحرمان من الدراسة، وتزويج القاصرة، والتبعية الذكورية، وعدم الاستقلال المالي، والاستغلال بكل أنواعه ومنه الجنسي.. هذا المزيج هو المصنع الحقيقي للشيخة، فبما أنه مازال هناك بالبادية المغربية وببعض المدن استغلال للمرأة والحد من حريتها وحرمانها من العلم والعمل، وقهرها واستعبادها، وتزويجها قاصرة أو بالغة بمن لا ترتضيه زوجا، ستظل هذه المرأة تصرخ وتنادي وتستنجد وستبقى “تعيط”، لذلك سنظل ننتج الشيخة بل صار لدينا الفائض منها، وأكرر أن لكل عصر عيطاته وشيخاته وأشياخه، كما لكل عصر جمهوره.
وبخصوص المدرسة الأدبية والعيطية التي استفاد منها في بناء تصور لتجربته الفنية الموسيقية الغنائية ؟ عن ذلك يقول الحسين السطاتي ،إذا طلبنا من كل فنان مبدع أن ينطلق بالضرورة من مدرسة أدبية أو فنية موسيقية ما، محترما في ذلك اختياراتها، متقيدا بقواعدها وأساليبها، لما كان هناك تواصل في الابداع، والفن الذي لا يتجدد يموت، إن المبدع الحقيقي الأصيل بل والعبقري، في تصور الفيلسوف الألماني “كانط” مثلا هو من يصير مدرسة لغيره، منه يستمدون قواعد الخلق والابتكار، ولا أدعي في تجربتي المتواضعة هذه والتي ما تزال في بدايتها أنني انطلقت من فراغ، ولابد أن أكون قد خضعت لتأثير نمط معين، فبالنسبة لفن العيطة تأثرت بفن “العيطة المرساوية”، وهو موطن النشأة بسهل الشاوية الكبير، فمدينة “سطات” هي عاصمة الشاوية، وقد تأثرت بمجموعة من الأشياخ؛ كالشيخ بوشعيب البيضاوي، والشيخ الماريشال قيبو، والشيخ عبد الله البيضاوي، والشيخ حمو البوفي، والشيخ عبد السلام ولد علو، والشيخ أحمد البيضاوي، والشيخ خالد ولد البوعزاوي، والشيخ عبد الحق ولد الحلاوي، والشيخ الأمازيغي لمغاري ميلود والشيخ الستاتي عبد العزيز، والشيخ سعيد ولد الحوات، والشيخ عبد الرزاق لبيشي السطاتي، والشيخ عبد الله الداودي، والشيخ مصطفى بوركَون وغيرهم، لكني ركزت كثيرا على الشيخ خالد ولد البوعزاوي، لأنه هو الذي حافظ على فن العيطة المرساوية في حلتها التقليدية بما في ذلك “رباعة الشيخات” والأزياء التقليدية، وعندما أغني فأنا أغني بطريقتي الخاصة وبصوتي ليصل كما هو إلى المتلقي دون أن أقلد أحدا، أما فن الكتابة الأدبية السردية فقد تأثرت بالكتاب الأدباء العرب الكلاسيكيين ومنهم بعض المغاربة من الجنسين؛ نجيب محفوظ، واحسان عبد القدوس، ونجيب الكيلاني، ومحمد شكري، ووفيق العلايلي، وسهيل ادريس، وعبد الرحمان منيف، ويحيى حقي، ومحمد زفزاف، وادريس الخوري، وحسن نجمي، وعبد العزيز الراشدي، ونوال السعداوي، وفتيحة مرشيد، ولطيفة لبصير، ومليكة مستظرف، وزهور كَرام، والزهرة رميج، وبشرى اجورك، وفدوى مساط، والكاتبة التركية أليف شافاك..وفي الأدب البوليسي تأثرت بالكاتبة الأنجليزية أكاتا كريستي، والكاتب المغربي فضل أطاع الله، وميلود الخمليشي، وعبد الإله الحمدوشي..وغيرهم…ولكني وأنا أكتب لا أستحضر في ذهني أي نمط أو أي اتجاه، هاجسي الأول كان وما يزال أن أعبر عن تجربتي الخاصة بما يكفي من الصدق والعمق، وأن لا تشبه كتاباتي غير عمقي الخاص ونوعية التجربة التي اقتضتها.
الحسين السطاتي، فنان متعدد المواهب، فهو يكتب القصة والشعر ومغرم بالعيطة، وعن الأقرب إلى قلبه، يجيب ، أجد نفسي فيهم جميعا، أنا متعدد بطبيعتي الفنية، وأؤمن كثيرا بالتلاقح بين الأجناس الأدبية، أستغرب البعض الذي يطالبني بالإخلاص للعيطة “حرفت تشياخيت”، والبعض الذي يطالبني بالأخلاص للأصناف الإبداعية الأخرى، لكن تعجبني الخيانة الأدبية، أجد فيها لذة ومتعة أن أخون القصيدة مع القصة ومع العيطة، فحينما أكون في حفلة عرس، مثلا مع “رباعة الشيخات”، في خيمة كبيرة بالدوار، وسط ذلك الجو الفني الزاهي واللاهي، تكون حينها أحداث الكتابة الأدبية تسجل في ذهني، لأنقلها بعد ذلك في عمل أدبي يقرأه جمهوري من القراء.