«الحشرة القرمزية» تدمر «الهندية» في المغرب العربي، والمغرب طور طرقا بيولوجية وزراعية للمقاومة

بدأ انتشار الحشرة القرمزية في العام 2014 في المغرب، ثم وصلت تدريجيا إلى الجزائر وتونس في العام 2021، وهي عبارة عن طفيليات تلتصق بألواح شجرة الصب ار وتمتص عصارتها ما يتسبب في تلفها بالكامل بينما لا تشكل خطرا على الانسان والحيوان.
ويمثل التين الشوكي مصدر مهم ا للفاكهة وتستخلص منه زيوت طبيعية ومستحضرات تجميل تشكل مصدر رزق لألاف العائلات في هذه الدول.

برنامج مغربي لمكافحة الآفة

أكدت وزارة الفلاحة المغربية أن «المكافحة الناجعة للحشرة القرمزية على نبات الصبار تتم بإشراك الفلاحين في برنامج المكافحة؛ وهو ما أثبت فعاليته في الميدان ومساهمته في علاج الصبّار المُصاب، وذلك بتأطير من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) بتنسيق مع باقي الشركاء».
وفي جواب عن سؤال كتابي بمجلس النواب حول»برنامج مكافحة الحشرة القرمزية والمحصول المرتقب من التين الشوكي»، أفاد وزير الفلاحة بأن مصالح «أونسا» (المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية) تواصل مجهوداتها في تأطير وتزويد الجمعيات والتعاونيات الفاعلة في سلسلة الصبار والفلاحين بالمواد العلاجية والمعدات اللازمة؛ كـ»آلات الرش والتقليم ومُعدّات الوقاية الفردية».
وأورد المسؤول الحكومي، ضمن الجواب المذكور، أن «حصيلة الإنجازات، منذ انطلاق البرنامج الوطني لمكافحة الحشرة القرمزية في يوليوز 2016 إلى نهاية شهر دجنبر 2023 (متم العام الماضي)، يمكن إجمالها في «معالجة أزيد من 234 مليون متر طولي؛ أي ما يعادل 93.660 هكتارا من الصبار المصاب. كما تم «قلع وتدمير ما يناهز 39 مليون متر طولي (أي ما يعادل 15.590 هكتارا) من الصبار شديدِ الإصابة».
ولفتت الوزارة الوصية في المغرب أنه تم، بهذا الخصوص، «توزيع أزيد من 82 ألفا و700 لتر من المبيدات الحَشرية لفائدة الفلاحين بتأطير من مصالح وقاية النباتات التابعة للمكتب، في إطار شراكة بين المكتب والتنظيمات الفلاحية».
وتابع المصدر نفسه أن «المغرب قد عرف ظهور الحشرة القرمزية التي تُصيب الصبار، لأول مرة، في أواخر سنة 2014 بإقليم سيدي بنور، قبل أن تنتقل بعدها إلى مناطق أخرى بجميع جهات المملكة».
وأكد الوزير أن «عوامل عديدة قد ساعدَت على انتشار هذه الحشرة، خاصة خصائصها البيولوجية التي تتميز بمعدل خصوبة عال جداً، وتواجدها في بيئة جديدة ملائمة لا يوجد فيها أعداء الطبيعة»، بالإضافة إلى «عوامل أخرى ساعدت على انتقالها من منطقة إلى أخرى، كالرياح ووسائل النقل عند تسويق منتوج الصبار».
إلى ذلك قال الوزير إنه تم القيام بـ»تجارب ميدانية لاختبار الفعالية البيولوجية للمبيدات الزراعية المرخصة ضد القشريات قصد ترخيصها وفقا للقوانين المعمول بها. ويبلغ حاليا عدد المبيدات المرخصة ضد هذه الآفة 15 مبيداً، والتي توجد لائحتها بالموقع الإلكتروني للمكتب»، أوضح المصدر ذاته. مؤكدا أن «برنامج مكافحة هذه الآفة بمختلف المناطق المصابة، الذي أطلقته الوزارة، ارتكز على مجالات أساسية للتدخُّل تتوزع بين «قلع ورَدْم نباتات الصبار الأكثر تضرراً، خاصة المجاورة للدواوير والمُحيطة بالمنازل”، مع «المعالجة الكيماوية بالمبيدات الحشرية لنباتات الصبّار بالمناطق الأقل إصابة».

تونس على خطى المغرب

وفي تونس، تمتد زراعة التين الشوكي على طول الطريق الزراعية المؤدية إلى منطقة الشبيكة في وسط تونس، لكنها فقدت اخضرارها وغطتها طبقة لزجة تشبه الصوف الأبيض بسبب انتشار مرض «الحشرة القرمزية» التي اكتسحت دول المغرب العربي وتهدد بانهيار قطاع زراعي حيوي.
وتلفت ما بين 40 و50 في المئة من المساحات الاجمالية المزروعة تينا شوكيا في تونس، ولم تتضرر بعد المساحات المهيكلة المخصصة للتصدير، وت بذل جهود حثيثة لحماية هذه الاجزاء الي تمثل ثروة ومورد رزق اساسيا للمتساكنين، حيث يصل ثمن اللتر الواحد من الزيت الطبيعي المستخلص من النبتة الى أربعة آلاف يورو ، بحسب السلطات التونسية.
لم يعد للمزارع الخمسيني في منطقة الشبيكة في وسط تونس عمر نويرة ابصيص أمل في انقاذ التين الشوكي الذي زرعه على مساحة تقدر بنصف هكتار. وكان يطمح لتصدير منتوجه بعدما أصبح قطاع تثمين هذه النبتة واستغلالها يلقى اقبالا متزايدا من الأسواق الخارجية.
تحو ل حقله بالكامل إلى نباتات جافة بعدما طالها الضرر من كل جانب، ويقول نويرة «أردت في البداية ان أجعلها مرحلة تجريبية لانتاج ثمرة «سلطان الغلة» (التسمية المحلية في تونس) وأطور تدريجيا الاستثمارات وأبحث عن عملاء خارج البلاد خصوصا لزيوتها الطبيعية».
ويضيف «لكن المرض وصل وأصبح سلطان الغل ة عليلا ولا يوجد دواء، وتركت فكرة الاستثمار».
تنشط 40 شركة لانتاج فاكهة التين الشوكي البيولوجي المعد للتصدير وتستغل نحو 150 ألف عائلة هذه الزراعة كمصدر رزق في البلاد التي تصنف كثاني أكبر منتج لهذه الفاكهة في العالم بـ550 ألف طن سنويا، كما تستثمر 40 شركة في عمليات تحويله وتصديره.
ويفضل المزارعون غرس التين الشوكي لأنه يقاوم الجفاف، ويساهم في ترسيم ملكية الحقول وحماية التربة من التآكل.
وخلال السنوات الأخيرة تحولت منتوجات هذه الفاكهة إلى قطاع زراعي واعد اتسعت زراعته على مساحتة 600 ألف هكتار منها نحو 150 ألف هكتارا مخصصة للاستثمار والتصدير.

ظهور في الجزائر وليبيا

وظهرت الحشرة في الجزائر خلال العام 2021 بمدينة تلمسان الحدودية مع المغرب، وبادرت السلطات الزراعية آنذاك إلى حجر المناطق المتضررة وأمرت باقتلاع كل النباتات المصابة.
وتنتشر زراعة التين الشوكي في الجزائر على نحو 60 ألف هكتار وهي ثمرة يعشقها الجزائريون حتى أن هناك مهرجانا مخصصا لها في منطقة القبائل.
وفي ليبيا، ينمو الصبار بشكل طبيعي في شمال البلاد وفي المناطق الزراعية حيث يتم اعتماده لترسيم حدود الحقول بتسييجها. وتستورد الثمرة بشكل حصري من تونس.
ويوضح الباحث في علم الحشرات ابراهيم الشرميطي أن مناخ المنطقة الجاف ساعدها على الانتشار بسرعة كبيرة، إذ تكيفت مع التغير المناخي الذي يتميز «بتزايد الجفاف وارتفاع درجات الحرارة».
وتواترت سنوات من الجفاف الحاد في المنطقة المغاربية بتراجع نسب تساقطات الأمطار وتسجيل درجات قياسية من الحرارة.
ويرى الشرميطي ان سبب انتشارها هو غياب مراقبة شديدة وصارمة لنقاط عبور المسافرين عبر الحدودية».
لا يستبعد الشرميطي اكتساح الحشرة كل المزارع في تونس بما فيها تلك المعدة للتصدير والاستثمار ويوضح «عاجلا أم آجلا ستصل بسرعة من خلال عامل الرياح»، معتبرا أن القضاء عليها مسألة «أمن قومي».
ويعرب عن اعتقاده أن «القضاء على الحشرة القرمزية مستحيل ولكن يمكن التعايش معها عبر جلب حشرة الدعسوقة والتي تفترس القرمزية ولا تؤثر على النظام البيئي».
وتسير تونس على خطى المغرب.
ويقر المكلف بالادارة العامة للصحة النباتية بوزارة الزراعة التونسية رابح الحجلاوي بأن سبب الانتشار السريع «بطء الاجراءات الادارية» للتصدي لها.
وسعت السلطات الزراعية التونسية إلى كبح الآفة في البداية من خلال اقتلاعها النبتات التالفة وردمها وحرقها، لكن التدخل لم ينجح واكتسحت الحشرة عشر محافظات، لذلك تم الانتقال إلى «المقاومة البيولوجية بالاعتماد أولا على الإكثار من أصناف الصبار المقاو مة للحشرة ثم جلب حشرة الدعسوقة»، بحسب الحجلاوي. إذ طور المغرب زراعة ثمانية أصناف من الصبار المقاوم للقرمزية في العام 2022 وشرع في جلب وإدخال حشرة الدعسوقة، وخصص 417 ألف دولار لمساعدة المزارعين.

العاسيق تحارب الحشرة

وسلمت منظمة الأغذية والزراعة للامم المتحدة في يونيو نحو 100 دعسوقة لتونس في اطار برنامج تعاون لمكافحة الآفة بقيمة 550 ألف دولار.
وتستعمل الدفيئات في المغرب للاكثار من «مسعودة» (الدعسوقة) لأنها «تحتاج للغذاء وإذا اختفت الحشرة القرمزية فلن تجد ما تتغذى عليه لذلك نلجأ إلى تربيتها»، وفقا لعيسى الدرهم، رئيس منظمة «مؤسسة دار سي حماد».
وتبقى مخاوف السلطات الزراعية التونسية قائمة وخصوصا اذا طالت الحشرة مزارع المناطق الداخلية المهمشة على غرار محافظة القصرين والتي يمثل التين الشوكي مصدر الرزق الوحيد فيها تقريبا، ما قد يؤدي إلى احتجاجات اجتماعية.

من أين جاءت «الهندية»

تعتبر الحشرة القرمزية (أو الحشرة القشرية) المسمات علميا Dactylopius opuntiae من أهم الحشرات الضارة التي تصيب غراسة التين الشوكي المعروف في تونس بِاسم «الهندي».
وقد تبدو تسمية «هندي» غريبة في البداية ولكن يمكن أن نتفهّم هذه التسمية إذا علمنا أن اسمه العلمي هو Opuntia ficus-indica. والمقصود هنا ليس الهند الآسيوية، بل الهند الغربية بلاد الهنود الأمريكيين لأن الموطن الأصلي للتين الشوكي هو جنوب أمريكا الشمالية، ومنها انتقل منذ القرن السادس عشر إلى أوروبا وانتشر فيها ثم في كثير من المناطق الأخرى من العالم وخاصة شمال إفريقيا والمشرق العربي.
ولا يخفى على أحد الأهمية القصوى التي يتسم بها التين الشوكي حيث يستطيع أن ينمو في المناطق شبه القاحلة والقاحلة ويعمّر طويلا فيها وله قدرة عجيبة على مقاومة الجفاف نظرا لألواحه التي تخزن كثيرا من الماء، وبذلك يلعب دورا أساسيا في مقاومة التصحر والمحافظة على التنوع البيولوجي حوله. ويقوم سكان الأرياف في عديد المناطق بغراسة هذه النبتة كحواجز حماية حول ممتلكاتهم وفي ذات الوقت للاستفادة من ثمرها الشهي وإطعام ألواحها للحيوان. كما تستعمل الثمار كمصدر لصناعة الأدوية ومواد التلوين والتجميل.
تصيب الحشرة القرمزية، وهي من نصفيات الأجنحة، التين الشوكي على مستوى سطح الألواح، عادة في شكل مستوطنات متفرقة ومختلفة الأحجام، مستقرة حول المنطقة السفلى للشوك. وتتسبب في الأضرار دائما الأنثى واليرقات التي تبدو أجسامها بيضاوية أو مستديرة الشكل، ذات لون أرجواني داكن يتحول إلى أحمر فاتح حين يتم سحقها، وهذا اللون الأخير هو لون مادة القرمز(carmin) التي تتميز به الحشرة. أما الذّكر فلا يتسبب في أي أضرار. وتفرز الأنثى واليرقات خيوطا شمعية بيضاء تحميها كغطاء وتمكنها من التنقل من لوح إلى لوح. وعند الإصابة، تظهر على الألواح مناطق مصفرة تتسع شيئا فشيئا وتأدي في النهاية إلى سقوط اللوح المصاب وموت الجذع وإلى 100% من الخسائر في حالة الإصابة الشديدة. تتواجد هذه الآفة حاليا في قليل من مناطق العالم وهي 9 دول هي الولايات المتحدة والمكسيك وأستراليا وسيريلانكا والهند وإفريقيا الجنوبية وكذلك الأراضي الفلسطينية والمغرب الأقصى منذ 2014 ومؤخرا قبرص منذ 2016.
ومن هنا، نلاحظ أن تواجد الآفة في فلسطين وقبرص يهدد بقية دول المشرق العربي بينما وصول هذه الحشرة الضارة إلى المغرب الأقصى صار يشكل تهديدا خطيرا على بقية الدول المغاربية باعتبار التواصل الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي بين هذه الدول. ولقد تم اكتشاف وجود الحشرة القرمزية على التين الشوكي بالمغرب الأقصى في أواخر 2014 بمنطقة خميس زمامرة وأوائل 2015 بمنطقة سيدي بنور بجهة دكالة-عبدة وهي مناطق تقع جنوب مدينة الدار البيضاء حيث استطاعت هذه الآفة أن تنتشر على مساحة قطرها 100 كيلومتر خلال حوالي سنتيْن.

المقاومة عملية شاقة

تعد مكافحة الحشرة القرمزية للتين الشوكي عملية شاقة نظرا إلى صعوبة الولوج داخل مزارع التين الشوكي التي عادة ما تتواجد في أراضي هامشية غير منبسطة وتمتد على مساحات شاسعة.
وحسب تجربة المغرب الأقصى الحالية بإحاطة ودعم من منظمة الأغدية والزراعة (الفاو)، تعتمد هذه المكافحة مبدئيا على الطريقة الكيميائية في انتظار تطوير طرق أخرى بيولوجية وزراعية والبحث على أصناف مقاومة أو على الأقل متحملة للآفة. لذلك، يجب على المصالح المختصة بوزارة الفلاحة الاستعداد بشريا وماديا وماليا لهذا التهديد الخطير لأن انتشار مثل هذه الآفات والأمراض ينتقل بسهولة بين الدول المتجاورة ولنا في ذلك أمثلة كثيرة منها حافرة الطماطم وسوسة النخيل واللفحة النارية وغيرها. فالموضوع خطير جدا باعتبار الاهمية القصوى لزراعة التين الشوكي لدى جانب كبير من الفلاحين والمربين وارتباط موارد رزق الكثير من سكان الريف بهذه الزراعة التي توفر غذاء للإنسان والحيوان، فضلا عن إمكانية تحويلها وتصنيعها.
فتونس تعتبر من الأوائل بين دول العالم من حيث مساحات مزارع التين الشوكي التي تقدر بحوالي 600.000 هكتارا يوجد أغلبها في المناطق القاحلة بالوسط التونسي، ولا بد من بذل أقصى الجهود للمحافظة على هذه الزراعة وحمايتها من كل الأمراض والآفات.


الكاتب : n وكالات

  

بتاريخ : 22/07/2024