الحصاد الصحي 2023

عرفت سنة 2023 مجموعة من الأحداث البارزة ذات الصلة بقطاع الصحة، التي يعتبر بعضها استمرارا لانطلاقة شهدتها سنة 2022، خاصة ما يرتبط بقرار تعميم التغطية الصحية، وما رافقها من خطوات تشريعية بهدف القيام بإصلاح جذري وهيكلي للمنظومة الصحية، بالشكل
الذي يضمن اعتماد حكامة فعلية ويحقق سيادة كاملة في هذا القطاع الحيوي، ويجيب عن الانتظارات والاحتياجات العديدة للمواطنين، ويعبّد الطرق أمام الولوج إلى الصحة بشكل سلس عادل.
حكامة، اعتبرت في مراحل سابقة الحلقة المفقودة في عدد كبير من السياسات والبرامج الصحية التي تم تسطيرها، التي عانت من عدم الاستمرارية وغياب «الاستقرار»، بسبب التصورات الانتخابية والحزبية والرؤى اللحظية، وسيادة تبينت أولويتها بشكل ملموس خلال الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، مما دفع إلى إخراج الهيئة العليا للصحة، ويتم مواصلة هذا الورش لتنزيل الوكالة الوطنية للأدوية والمنتجات الصحية، ووكالة للدم ومشتقاته، لتكون بذلك 2023 سنة تم خلالها قطع أشواط صحية في انتظار التغلب على باقي العلل الأخرى المستشرية، التي تحول دون تحقيق عافية تامة للقطاع.

 

ورش التغطية الصحية المستمر

عرفت سنة 2023 مواصلة ورش تنزيل تعميم التغطية الصحية، الذي يعتبر خطوة ريادية وجد مهمة في مسيرة تمكين المواطنين من الحماية الاجتماعية في مختلف مستوياتها، وعلى رأسها ما يهم الصحة، التي هي عنوان على قوة المجتمع ومناعته، ومن خلاله كل ما يرتبط بالحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما. خطوة، تظل الحدث الأبرز، بالنظر إلى أن مطلب تفعيل الحق الدستوري الكامل في الصحة ظلت تعترضه العديد من الإكراهات والتحديات، المالية منها على الخصوص، وهو ما كان يكرّس للتمييز ويعمّق الفوارق الاجتماعية ويحول دون تحقيق عدالة صحية مجالية.
هذا الوضع بات من الممكن اليوم، وبعد دخول قرار تعميم التغطية الصحية حيّز التنفيذ في فاتح دجنبر 2022 تجاوزه، مع بعض التباين بكل تأكيد، لأن المواطن أصبحت له كامل الحرية في اختيار الطبيب المعالج والمؤسسة التي يمكنه أن يلجها طلبا للخدمات الصحية، سواء في القطاعين العام أو الخاص.

الولوج للصحة

إن هذا المعطى الإيجابي، الذي سمح خلال هذه السنة بتسهيل ولوج عدد مهم من المواطنين للخدمات الصحية بشكل مختلف عن السنوات السابقة، وأتاح القيام بتدخلات جراحية مهمة ومعقدة بشكل سلس، تعترضه بالتأكيد عدد من التحديات والإكراهات، التي تحتاج لمزيد من العمل الجاد والمسؤول لتجاوزها. صعوبات، جعلت فئة مهمة من المواطنات والمواطنين الذي يعانون كل أشكال الهشاشة، مقصية من الاستفادة المجانية من «أمو تضامن»، لمجرد أن المعنيين يعيشون لوحدهم أو يستمرون في الحياة بفضل التكافل الاجتماعي، ويتعلق الأمر بمسنين ومطلقات وأرامل وغيرهم…
وضعية اجتماعية هشة لم تتمكن الخوارزميات الرقمية المعتمدة في تصنيف الفئات المستفيدة من «أمو تضامن» بشكل مجاني من أن تستوعب خصوصياتها، وفرضت عليها ضرورة الاشتراك الشهري عن هي أرادت الولوج للصحة، وهو الأمر الذي سيكون مستعصيا على الكثيرين، الذين وجدوا أنفسهم يترددون أكثر من مرة على الملحقات الإدارية طلبا لـ «العدالة الصحية» التي يترقب الكثير من المقصيين أن تتحقق في 2024، بعد تصحيح الوضعيات المتعلقة بهم.

 

قطاع عمومي ريادي
 لا ثانوي

تعميم التغطية الصحية وتخصيص ميزانية مهمة لتحقيق هذه الغاية، إذا كان قرارا تاريخيا في تاريخ الصحة في المغرب، فإنه لا يجب أن يتسبب في وأد المستشفى العمومي، بالشكل الذي يجعل من القطاع الخاص بديلا تاما فيكون قبلة مفضلة للجميع، بحكم توفر الخدمات الصحية المختلفة بشكل سلس وبدون طول مواعيد وغيرها من الإجراءات الإدارية التي تتصف بالبيروقراطية في القطاع العام.
ولتفادي توفير كل آليات الهجرة من المستشفى العمومي، وجب الارتقاء به على مستوى الموارد والبنيات والتقنيات، والرفع من مستوى التحفيزات، وتحقيق نوع من التكامل بين القطاعين العام والخاص من خلال شراكة يجب أن تكون بناءة ومنتجة وواضحة لا لبس فيها أو غموض، تساهم في استعادة المؤسسات الصحية العمومية لعافيتها، حتى تقوم بدورها الريادي وتكون قاطرة للمنظومة، لا أن يظل حضورها ثانويا إن لم يكن هامشيا.

 

فقر الموارد البشرية

يعتبر الخصاص في الموارد البشرية الصحية إشكالا كبيرا، تقر به الوزارة الوصية والحكومة رسميا، دون أن يتم لحد الساعة اعتماد تدابير فعلية، تجعل الاشتغال في قطاع الصحة العام، بشكل أساسي، مغريا ومستقطبا، بالنظر إلى استمرار نزيف هجرة العاملين في القطاع صوب دول أخرى، مما يزيد الوضع الصحي داخليا تأزيما، خاصة مع قرار تعميم التغطية الذي من الطبيعي أن يرفع من أعداد الراغبين في الولوج إلى مختلف الخدمات الصحية.
فقر بشري، وإن تم تقليص سنوات التكوين في الطب نموذجا، إلى جانب فتح الباب أمام عدد أكبر من الطلبة لولوج كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة، فإن كل المؤشرات المرتبطة بهذه الخطوة تبين على أنها تفتقر إلى عدد من التدابير الفعالة من جهة والتي تبعث على الطمأنة من جهة أخرى، مما جعل أطباء  الغد، وبسبب «غموض» الدفاتر البيداغوجية، ووضعيات أراضي التداريب، وتقلص ساعات التكوين التطبيقي، يقررون الاحتجاج ليس فقط من خلال تنظيم الوقفات وإنما بمقاطعة الامتحانات كذلك وغيرها من الأشكال الاحتجاجية الأخرى.
احتجاج تتواصل فصوله وأشكاله، من طرف أطباء الغد ومن قبل مهنيي الصحة بمختلف فئاتهم، خاصة الممرضين وتقنيي الصحة الذين يطالبون بالعدالة الأجرية، وبالمساواة وعدم تكريس التمييز مقارنة مع فئات أخرى، كما هو الشأن بالنسبة للتعويض عن المخاطر، التي لا تختلف صورها ولا تميز بين طبيب وممرض وغيرهما إن هي طالت أحدا، لكن على مستوى الأثر المالي يتضح البون الشاسع بين هذه الفئات، التي لايزال بعضها وإلى اليوم يطالب بتحديد مهامه القانونية، وبتوفير الحماية له أثناء مزاولة مهامه، وبالإنصاف، كما هو الحال بالنسبة لممرضي التخدير والإنعاش في ارتباط بالنقل الصحي وبغيره.

تعريفة مرجعية متقادمة وكلفة مالية ثقيلة

إن توفير التغطية الصحية للمواطنين، الذي يعتبر مطلبا بالغ الأهمية، لن يساهم لوحده في تمكين الجميع من الولوج إلى الصحة، وفي التنزيل الكامل لهذا الحق الدستوري، لأن المؤمّنين الذين يساهمون في تمويل النظام الصحي من خلال اشتراكاتهم، يجدون أنفسهم عند كل انتكاسة صحية، يتحملون حوالي 60 في المئة من نسبة المصاريف العلاجية عن كل ملف مرضي.
ثقل مالي كبير، سببه الأساسي هو الاستمرار في العمل بالتعريفة المرجعية الوطنية التي تم التوقيع على اتفاقيتها سنة 2006، التي وإن تم الإعلان عن تدابير لإعادة النظر فيها كل ثلاث سنوات، إلا أنها لا تزال سارية المفعول، مكرّسة لفرق كبير بين واقع الأمس وحاضر اليوم، الذي يعرف موجة غلاء عارمة يعيشها المغرب خلال السنوات الأخيرة تحديدا، والتي يرتفع مدّها في كل سنة.
تعريفة في صيغتها الحالية، لا يمكن أن تتيح ولوجا متواصلا للصحة، ولن تساهم في الارتقاء بالوقاية الصحية، في ظل تسعيرات تختلف في الواقع اختلافا كبيرا مع ما تم تحريره في الاتفاقية، وهو ما يحول دون طرق العديد من الأسر لأبواب الأطباء والمؤسسات الصحية، طلبا للفحص والتشخيص والعلاج، ويجعلها تعتمد في المقابل على التداوي الذاتي.

 


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 30/12/2023