الحق المغربي فوق الطاولة الدولية: هل تنهي الأمم المتحدة خمسين عاماً من الانتظار والتردد؟

في رسالة مفتوحة بتاريخ 5 يونيو 2025، وجه الأستاذ «أوبير سيان» (رئيس مؤسسة فرنسا-المغرب للسلام والتنمية المستدامة، والمحامي بهيئة باريس) نداء مباشرا إلى منظمة الأمم المتحدة، مطالبا فيها بحسم نهائي لملف الصحراء المغربية، في ضوء التحولات الجيوسياسية الراهنة والدعم المتزايد الذي تحظى به مبادرة الحكم الذاتي. الرسالة، التي تخاطب المنظمة الأممية من موقع القانون والوقائع التاريخية والميدانية، تدعو إلى تجاوز منطقة الظلال والانتقال نحو اعتراف قانوني كامل بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.

تحول دبلوماسي عالمي يكرس مشروعية المقترح المغربي

لم تعد قضية الصحراء مجرد ‹نزاع إقليمي محدود›، بل أصبحت مرآة تعكس تحولات السياسة الدولية ونظرة العالم لقيم الاستقرار والتنمية في شمال إفريقيا.
من هنا، يؤكد سيان في رسالته، أن أكثر من 130 دولة حول العالم أعلنت دعمها للمقترح المغربي القائم على الحكم الذاتي، فيما أقدمت ثلاثون دولة على فتح قنصلياتها في مدينتي «العيون» و»الداخلة»، في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة.
في دجنبر 2024، تبنت كل من «الولايات المتحدة» و»فرنسا» موقفاً واضحاً مفاده أن: «مبادرة الحكم الذاتي المغربية «هي الحل السياسي الوحيد، والأكثر مصداقية وواقعية»». ثم جاء إعلان «المملكة المتحدة» في يونيو 2025 ليضيف زخماً إضافياً، حيث وصفت المخطط بأنه «القاعدة الأكثر براغماتية وجدوى لتسوية النزاع».

الاستثمارات الدولية تؤكد الطابع السيادي للمنطقة

لا تكتفي الرسالة بالإشارات السياسية، بل تدعم حججها بالأرقام. فخلال زيارة الدولة الأخيرة للرئيس الفرنسي إلى الرباط، تم توقيع اتفاقيات استثمارية بمبلغ 10 مليارات يورو، إضافة إلى إعلان «الوكالة الفرنسية للتنمية» عن ضخ 150 مليون يورو جديدة في مشاريع تنموية بالصحراء.
من جهتها، التزمت لندن باستثمارات تبلغ 5 مليارات جنيه إسترليني. هذه الأرقام ليست مجرد وعود، بل تمثل تصويتا دولياً بالثقة في مغربية الصحراء، ورفضاً عملياً للأطروحات الانفصالية التي أصبحت تعيش عزلة متزايدة في المنتديات الدولية.

قرار مجلس الأمن 2756: الدينامية الدولية
في خدمة السلام !

يرى الأستاذ «أوبير سيان» أن قرار مجلس الأمن «رقم 2756» الصادر في أكتوبر 2024 مثّل «نقطة تحول» استراتيجية في الملف. القرار لم يكتف بدعم مبادرة الحكم الذاتي، بل اعتمد مصطلح «الدينامية» لوصف الزخم الدولي المتنامي حول الطرح المغربي، مطالبا ببناء عملية سياسية متكاملة على هذا الأساس.
في المقابل، تحذر الرسالة من «الجمود البيروقراطي» داخل بعض هياكل الأمم المتحدة – لا سيما اللجنة الرابعة – التي باتت تُدار بعقلية إدارية أكثر منها سياسية. فبينما يُنتظر من المنظمة الأممية أن تكون محفزا للسلام، تتحول بعض آلياتها إلى عنصر للتعطيل.

القراءة التاريخية تؤكد استمرارية الحق المغربي

في عرض تاريخي دقيق، تذكر الرسالة بأن: «المغرب، فور استعادة استقلاله سنة 1956، لم يسترجع كامل ترابه الوطني، إذ بقيت الصحراء تحت الاحتلال الإسباني. وفي سنة 1963، بادر الملك الحسن الثاني إلى تسجيل الإقليم كـ»منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي لدى الأمم المتحدة»، تمهيدا لتثبيت الحق السيادي المغربي».
تزامنا مع هذا، اندلعت «حرب الرمال» مع «الجزائر»، التي سعت إلى التمدد نحو المحيط الأطلسي. لكن المغرب، الذي خرج منتصراً عسكرياً، اختار التهدئة وعدم مراجعة الحدود، إيماناً منه بأولوية السلم على المكاسب الترابية.

الصحراء المغربية.. نموذج للتنمية لا منطقة للصراع

تبرز رسالة الأستاذ «أوبير سيان»، أن «الصحراء المغربية، وتحديداً جهتي «العيون-الساقية الحمراء» و»الداخلة-وادي الذهب»، أصبحتا اليوم فضاءً للتنمية والاستثمار والتعايش السلمي، حيث تحققت مشروعات البنية التحتية، الطاقات المتجددة، والمبادرات الاجتماعية، كلها في كنف استقرار شامل، بعيدا عن منطق الصراعات. وهو استقرار لا تفرضه القوة، بل يكرسه التفاعل الحر بين السكان والمؤسسات».
في المقابل، تكشف الرسالة عن «الوضع المأساوي في مخيمات تندوف، حيث يحتجز آلاف الصحراويين في ظروف إنسانية مزرية، دون أي وضع قانوني واضح كحالة «أحمد الخليلي»، أحد قيادات البوليساريو الذي اختفى قسراً منذ 2009 بعد أن انتقد الفساد داخل المخيمات، دون محاكمة أو زيارة عائلية، رغم مطالبة لجنة حقوق الإنسان الأممية بالإفراج عنه».

المطلوب الآن: موقف حاسم

يحذر الأستاذ «أوبير سيان» من أن «الإبقاء على الوضع القائم، هو أكبر خطر يتهدد السلام، في ظل إصرار جبهة البوليساريو، وراعيها الإقليمي (الجزائر)، على رفض كل حل سياسي».
ويُعبر الأستاذ «أوبير سيان» عن خشيته من التصعيد على مستويات متعددة كانت عسكرية أو حتى سيبرانية، خاصة مع تفاقم حملات التضليل الإعلامي.
ومع ذلك، يرى الأستاذ «أوبير سيان» إن المغرب «يظل متحكماً في زمام الأمور، بفضل مؤسساته الديمقراطية واستقلال قضائه ونضج شعبه وهذا ما يجعل هامش المناورة لدى خصومه محدوداً». وفي خاتمة رسالته، يوجه الأستاذ «أوبير سيان» نداءً إنسانياً صادقاً مفاده: «لقد آن الأوان لإغلاق «ملف تندوف».. إن لسكان هذه المخيمات وطن ينتظرهم، وفرص حياة حقيقية في الصحراء المغربية حيث المساكن والمدارس والمراكز الصحية وفرص الشغل، لأبناء الوطن العائدين. إن العودة ستكون عيداً وطنياً وإنسانياً، يشبه عودة الابن الضال إلى أحضان والده…
ويخلص الأستاذ «أوبير سيان» إلى 3 حقائق يجب أن تترسخ في الضمير الدولي:
1 – الحكم الذاتي يحقق فعلاً مبدأ تقرير المصير
2 – لا حل سياسياً ممكنا سوى عبر هذا المخطط الواقعي.
3 – من هنا، فإن سيادة المغرب على صحرائه هي استحقاق قانوني أو تاريخي وإنساني. إذا اعترفت الأمم المتحدة بهذه المبادئ، فإنها لا تحل نزاعا فقط بل تفتح أفقا لبناء نموذج للسلام والاستقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم توتراً. فالصحراء المغربية، كما يختتم الأستاذ «أوبير سيان»، قادرة على أن تصبح «مهدًا لنموذج دولي جديد للسلام الشامل والمستدام».


الكاتب : تـ: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 12/06/2025