كلفت الحكومة اللبنانية الثلاثاء الجيش وضع خطة تطبيقية لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام الحالي، في خطوة غير مسبوقة منذ نزع سلاح المجموعات المسلحة التي شاركت في الحرب الأهلية في البلاد (1075-1990).
وتأتي هذه الخطوة على وقع ضغوط أميركية ومخاوف من أن تنفذ إسرائيل حملة عسكرية واسعة في لبنان الذي خرج منذ أشهر من حرب مدمرة بين الحزب والدولة العبرية استمرت قرابة العام.
وقالت الحكومة إن القرار يندرج في إطار تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية وأنهى الحرب في 27 نونبر الماضي، ونص على حصر حمل السلاح بالأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية الشرعية.
وفي ختام جلسة وزارية استمرت قرابة ست ساعات برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، أعلن رئيس الحكومة نواف سلام «تكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي بيد الجهات المحددة في إعلان الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية وحدها»، على أن يتم «عرضها على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الجاري لنقاشها وإقرارها».
وانسحب وزيرا الصحة راكان ناصر الدين المحسوب على حزب الله، وتمارا الزين المحسوبة على حركة أمل، حليفة الحزب، من الجلسة «لعدم موافقتهما على قرار مجلس الوزراء»، وفق ما قال وزير الإعلام بول مرقص للصحافيين.
وسلمت الميليشيات التي شاركت في الحرب الأهلية اللبنانية أسلحتها إلى الدولة بموجب اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب، باستثناء حزب الله الذي احتفظ بسلاحه بغرض «مواجهة إسرائيل».
وتشكل مسألة نزع سلاحه قضية شائكة في لبنان منذ عقود، وتسببت بأزمات سياسية متتالية وعمقت الانقسامات الطائفية والسياسية.
وكان حزب الله صاحب النفوذ الأوسع على الساحة اللبنانية قبل الحرب، وقادرا على فرض القرارات الحكومية الكبرى أو تعطيل العمل الحكومي. ويتهمه خصومه باستخدام سلاحه في الداخل لفرض إرادته و»ترهيب» خصومه.
إلا أن الحزب المدعوم من طهران خرج منهكا من مواجهة مفتوحة خاضها العام الماضي مع إسرائيل، وقتل خلالها عدد كبير من قادته ودمر جزء كبير من ترسانته. وانعكس ذلك أيضا تراجعا لنفوذه في لبنان حيث كان يحتكر القرار السياسي إلى حد بعيد منذ سنوات.
وقرر مجلس الوزراء كذلك «استكمال النقاش في الورقة التي تقدم بها الجانب الأميركي الخميس»، في إشارة إلى مذكرة حملها المبعوث الأميركي توم باراك إلى لبنان وتتضمن جدولا زمنيا لنزع سلاح حزب الله.
وكان الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم استبق مقررات الحكومة بتأكيده أن «أي جدول زمني يعرض لينفذ تحت سقف العدوان الإسرائيلي، لا يمكن أن نوافق عليه»، داعيا الدولة إلى وضع «خطط لمواجهة الضغط والتهديد وتأمين الحماية»، لا أن «تجرد مقاومتها (أي الحزب) من قدرتها وقوتها».
وأضاف «من يطلع على الاتفاق الذي جاء به باراك لا يجده اتفاقا، بل يجده إملاءات، يجده نزع قوة وقدرة حزب الله ولبنان بالكامل».
ويتهم حزب الله إسرائيل بخرق وقف إطلاق النار. ويطالبها بأن تنسحب من خمس نقاط تقدمت إليها خلال الحرب، وأن توقف الضربات التي تواصل تنفيذها في مناطق عدة من لبنان بشكل شبه يومي. وتقول إسرائيل إنها تستهدف بنى تحتية للحزب ومستودعات أسلحة وقياديين ناشطين ضدها.
وحذر قاسم اليوم أنه في حال ذهاب إسرائيل إلى «عدوان واسع» على لبنان، فإن «المقاومة ستدافع.. وهذا الدفاع سيؤدي إلى سقوط صواريخ داخل الكيان الإسرائيلي».
ويبقى السؤال الأساسي: هل يتجاوب حزب الله مع قرار الحكومة؟
على الأرض، جاب العشرات من مناصري حزب الله على دراجاتهم النارية أحياء في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الثلاثاء، رافعين رايات الحزب الصفراء وصور قادته، وفق ما أفاد مصور لفرانس برس، احتجاجا على انعقاد الجلسة الحكومية.
لكن محللين يرون أن ليس لدى الحزب خيارات كثيرة مع تغير موازين القوى في الداخل والحد من قدرته على التعطيل، وتداعيات الحرب مع إسرائيل.
ويقول الباحث في الشأن اللبناني لدى مجموعة الأزمات الدولية دايفيد وود لفرانس برس «قد يقرر حزب الله الضغط على الحكومة»، بمعنى «الاحتجاج على أن القرار لا يمثل المصلحة الوطنية اللبنانية»، أو أن يحرك «مناصريه للاحتجاج» في الشارع من «أجل إشاعة جو من الترهيب».
لكن «سيناريو التصعيد العنيف… غير مرجح إلى حد كبير في الوقت الراهن»، وفق وود.
ويضيف «حتى لو افترضنا أن الحزب يحتفظ بقدرة عسكرية كافية» لافتعال مواجهة في الداخل، لكن «القيام بذلك لا يصب في صالحه».
ومع اشتراط حزب الله تنفيذ إسرائيل خطوات عدة قبل موافقته على بحث مصير سلاحه، فيما يؤكد الرئيس اللبناني أن «المرحلة مصيرية، ولا تحتمل استفزازا من أي جهة كانت»، فإن لبنان قد يجد نفسه في «مأزق دبلوماسي».
ويقول وود «ما لم يتمكنوا من حل هذه المسألة في اجتماع مجلس الوزراء اليوم أو في الأسابيع القليلة المقبلة، فإن المسار الدبلوماسي سيصل إلى طريق مسدود».