الحكومة تقترض 42.6 مليار درهم اقتراض داخلي لتموّيل نفقاتها

 

تواجه المالية العامة مع نهاية فبراير 2025 تحديات جسيمة تتجلى في تفاقم العجز وارتفاع الضغط الضريبي، مما يجعل استدامة الميزانية محل تساؤل.
فقد كشفت وثيقة نشرتها وزارة المالية قبل يومين أن العجز المسجل في متم الشهر الماضي بلغ 21.1 مليار درهم، مقارنة بـ3.8 مليار درهم خلال نفس الفترة من 2024، وهو ما دفع الدولة إلى زيادة الاعتماد على التمويل الداخلي ليصل إلى 46.3 مليار درهم، وهو ارتفاع مهول مقارنة بالسنة الماضية التي سجلت تمويلًا داخليًا في حدود 16.4 مليار درهم. هذا التوجه يعكس اختلالا في التوازن المالي، حيث تؤكد الوثيقة المعنونة « وضعية تحملات و موارد الخزينة برسم فبراير 2025» أن الإيرادات لم ترتفع سوى بنسبة 9.7%، مقابل قفزة في النفقات العادية بنسبة 50.5%، مما أدى إلى تسجيل عجز عادي قدره 18.2 مليار درهم بعد أن كان الفائض العادي عند 1.9 مليار درهم قبل عام فقط.
وفي الوقت الذي تعاني فيه الميزانية من نزيف مالي متزايد، تسعى الحكومة إلى تعويض هذا العجز عبر رفع المداخيل الضريبية التي نمت بنسبة 18.9% لتبلغ 54 مليار درهم. هذه الزيادة لم تأت من تحسين قاعدة الجباية بقدر ما نتجت عن تفاقم الضغط الضريبي على فئات بعينها، حيث ارتفع مجموع مداخيل الضريبة على الدخل إلى 16.5 مليار درهم، بزيادة قدرها 56.3%، وهو رقم لم يسبق تسجيله بهذا الحجم خلال السنوات الماضية. أكثر من 3.8 مليار درهم من هذه المداخيل جاءت من التسوية الطوعية للوضعية الجبائية، مما يطرح تساؤلات حول مدى إمكانية تحقيق مثل هذه العائدات في السنوات المقبلة في غياب إجراءات استثنائية مماثلة. أما الضريبة على الأجور، التي تشكل قسطا مهما من موارد الضريبة على الدخل، فقد ارتفعت بنسبة 11.4%، وهو ما يزيد من إرهاق الموظفين والأجراء الذين يجدون أنفسهم الحلقة الأضعف في هذه المعادلة الجبائية غير العادلة.
ولم تقتصر الزيادات الضريبية على المداخيل بل امتدت إلى الاستهلاك، إذ ارتفعت مداخيل الضريبة الداخلية على الاستهلاك بنسبة 5.3%، مدفوعة أساسًا بزيادة 14.1% في الضريبة المفروضة على التبغ، فيما انخفضت قليلاً تلك المفروضة على المنتجات الطاقية بنسبة 2.4%، غير أن هذا الانخفاض لم يكن له تأثير ملموس على القدرة الشرائية، خاصة مع ارتفاع الضريبة على القيمة المضافة على الاستيراد بنسبة 4.8%، مما ساهم في ارتفاع الأسعار بشكل غير مباشر. في المقابل، سجلت الضريبة على القيمة المضافة الداخلية تراجعًا بنسبة 16%، حيث انخفضت مداخيلها إلى 6.5 مليار درهم بعد أن كانت في حدود 7.8 مليار درهم السنة الماضية، بسبب ارتفاع مبالغ الإرجاعات الضريبية التي بلغت 3.8 مليار درهم، مقابل 681 مليون درهم فقط خلال نفس الفترة من 2024.
وفي الوقت الذي تعول فيه الميزانية على الرفع من المداخيل الجبائية، شهدت الموارد غير الجبائية تراجعًا بنسبة 58.5%، حيث لم تتجاوز 2.5 مليار درهم بعد أن كانت عند 6 مليارات درهم خلال السنة الفارطة. هذا التراجع الحاد ناتج أساسا عن انخفاض مداخيل المؤسسات العمومية التي لم تتجاوز مساهماتها 134 مليون درهم، مقابل 417 مليون درهم في 2024، إضافة إلى تراجع التحويلات من الحسابات الخصوصية للخزينة نحو الميزانية العامة، التي هبطت إلى 1 مليار درهم بعدما بلغت 3.8 مليار درهم قبل سنة.
وتواجه المالية العامة إذن مأزقًا مع تزايد الحاجة إلى الإنفاق في ظل ضعف الموارد الذاتية واستمرار ارتفاع خدمة الدين التي بلغت فوائدها 7.4 مليار درهم، بزيادة 37.2% عن السنة الماضية، مدفوعة بارتفاع فوائد الدين الداخلي بنسبة 45.5%، مما يجعل ميزانية الدولة رهينة لكلفة استدانة متزايدة قد تحدّ من هامش تحركها في السنوات المقبلة. كما أن تغطية النفقات العادية بالإيرادات العادية انخفضت إلى 75.7% بعدما كانت في حدود 103.8% السنة الماضية، ما يعني أن الدولة باتت تعتمد بشكل أكبر على الاقتراض لتمويل نفقاتها اليومية، وهو مؤشر على هشاشة الوضعية المالية.
وتكشف القراءة المتأنية لهذه الأرقام بوضوح عن أزمة هيكلية في تدبير المالية العامة، حيث تزداد المديونية بشكل مطرد مقابل تباطؤ واضح في تنويع الموارد. الاعتماد المفرط على الضرائب المفروضة على الأجراء والمستهلكين يعكس غياب إصلاح جبائي حقيقي يراعي العدالة الضريبية ويحقق توزيعًا منصفًا للعبء الضريبي. وإذا استمر هذا النهج دون تصحيح، فإن العجز المالي سيتفاقم وسيدخل الاقتصاد الوطني في دوامة استدانة متواصلة قد تؤدي إلى أزمة مالية أعمق في المستقبل القريب.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 25/03/2025