الحماية الاجتماعية تلتحق بالصحة تسمية في انتظار التنزيل السليم لآثارها على المواطنين والمهنيين

 

لم يكن من المصادفة أن تنضاف إلى حقيبة الصحة في الحكومة التي يترأسها عزيز اخنوش الحماية الاجتماعية، هذا البعد والمجال الذي يجد سنده وأساسه في مضمون الورش الملكي بركائزه الأربعة، وضمنها تعميم التغطية الصحية والتعويض عن فقدان العمل والتقاعد، وكذا في ما جاء به مشروع النموذج التنموي الجديد، لتكون هذه الوزارة اليوم أمام تحول تاريخي ليس على مستوى التسمية وإنما على أساس المهام، فهي مدعوة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى التنزيل السليم للتعريف الذي تحدده منظمة الصحة العالمية لمفهوم الصحة، والعمل على الضمان الفعلي لـ «حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا»، والحرص في إطار رؤية حكومة موحدة على تدبير الإمكانيات الكفيلة بتوفير الحماية الاجتماعية لكافة الشرائح المستهدفة.
حماية ذات أوجه وملامح متعددة، تتمثل في تحقيق عدالة صحية، تكريسا للنص الدستوري، مجاليا وترابيا على امتداد جغرافية المملكة، من خلال شراكة فعلية بين المؤسسات الصحية والجماعات الترابية وبدعم مركزي، وكذا فئويا داخل الحاضرة الكبرى نفسها وليس فقط القرية النائية، وإن اختلفت صور المعاناة واختلفت المطالب، من خلال تطوير البنيات الصحية الصغيرة منها والكبيرة، وتنسيق جهودها وعملها، والرفع من مقدرتها التقنية واللوجستيكية، وضمان كل أشكال التنسيق فيما بينها للتكفل بالمريض في الوقت المناسب وبالشكل المطلوب، وتوجيهه توجيها سليما يسمح بإنقاذه لا بتعثر التدخلات لإسعافه. وتمتد هذه الرؤية لتشمل تحصين سوق الشغل بمختلف وحداته وآلياته كي يجيب عن الاحتياجات الاجتماعية للمواطنين والمواطنات والعمل على تأهيل الفضاءات المهنية على مستوى السلامة والوقاية، وتعميم التغطية الصحية وتبسيط المساطر الإدارية ورقمنتها، وإخراج المريض من دوامة العلاقة التي تربطه بمؤسسات العلاج والتأمين، وتحقيق الكرامة لمن يعانون من إعاقات متعددة الأشكال، وعموم الحالات الاجتماعية المختلفة، كما هو الشأن بالنسبة للأرامل واليتامى والأمهات العازبات والمشردين والمختلين عقليا، بعيدا عن الصور القاتمة التي تخدش وعينا الجماعي في كل لحظة وحين، والتي يكون الشارع العام مسرحا لها.
حماية، إلى جانب اهتمامها بالمواطن يجب أن تشمل مهنيي الصحة كذلك، في شقيها القانوني والمادي، من خلال تأهيل الموارد البشرية والرفع من أعدادها وتوفير كل السبل الكفيلة بتفادي احتراقها الداخلي، وتأمين الأمن الكامل لها أثناء القيام بمهامها، سواء تعلٌّق الأمر باعتداءات الغير أو حوادث الشغل، كما هو الشأن بالنسبة للنقل الصحي ولمهام وتدخلات ممرضي وممرضات التخدير والإنعاش، على سبيل المثال لا الحصر، وغيرهم ممن يزاولون مهامهم وسط ضغوط وإكراهات تتعدد صورها وتبعاتها. خطوات يجب أن تشمل كذلك توفير الأمن الدوائي، وأن يظل الدواء حاضرا في رفوف الصيدليات، بغض النظر عن ثمن صرفه، وبعيدا عن منطق الربح والخسارة، فليس من الحماية في شيء أن تكون آلاف الأدوية مفتقدة، وأن يتم الاحتكام في تصنيع دواء وتوفيره إلى منطق «البورصة»، وان يتم تشجيع الصناعة الدوائية المغربية، ونفس الأمر بالنسبة للمستلزمات الطبية، وللشق المتعلق بكل ما هو بيولوجي، الذي يعرف هو الآخر العديد من التعثرات.
إن الحماية الاجتماعية اليوم، لن تتأتى إلا باعتماد حكامة مسؤولة، وبتدبير جماعي تشاركي سليم، ينهل من قيم المواطنة الحقة، تحضر فيه المصلحة العامة وتسمو فوق كل الصور النمطية والكليشيهات، التي فرملت عجلة تطور العديد من القطاعات، وعلى رأسها قطاع الصحة، وقد بيّنت الجائحة الوبائية وبقوة أعطاب وجراح القطاع وجعلت الكل يحسّ بمنسوب الآلام الاجتماعية التي تسكن جسدنا، والتي تحتاج إلى علاج حقيقي وليس مجرد مسكنات يزول مفعولها بعد لحظات.


الكاتب : و. مبارك

  

بتاريخ : 11/10/2021