الحيوي والسلطوي من الإيديولوجي والسياسي

هل الإبداع الأدبي بحاجة إلى تحرير؟
ومن ماذا يتحرر؟
من داخله أو خارجه؟
وإلى أي حد يستطيع الاستقلال والاكتفاء الذاتي؟
العمل الإبداعي والفعل الاجتماعي، بينهما علائق شتى وحتى عوائق، سيئة أو حسنة الجوار والحوار!
ومن كلمات الحق المراد بها الباطل: القول بالتحرر الأدبي مما هو إيديولوجي وسياسي!
التجارب الإنسانية كلها واحدة ومتعددة اللغات والأساليب، كالحاجات والرغبات المتنامية والمتطورة باستمرار الحياة، والجوعى والعطشى بلا انقطاع، وكاختلاف التنوع الضروري في جميع أنواع العمل الإبداعي والفعل الاجتماعي وكل أشكال المؤانسة والإمتاع والإشباع والإرواء الإلهي والطبيعي والإنساني.
كذلك الكتابة: تجربة حياة وسيرة قراءة وحرية اختيار من تيارات هواء كثيرة، منها التراثي الحداثي والحداثي التراثي، على حد النصح الشعبي :»الجديد لو جدة والبالي لا تفرط فيه»!
ومن داخل الأدب يبدو الفكر «الإيديولوجي» و «السياسي» _الحيوي_ كلا لا يتجزأ من لحمته وسداه، وأفكاره وتصوراته، ورؤيته ورؤياه، وجماع وحدته ونزاع تناقضاته، ويغدو بالتالي وجها واحدا ومتعددا حسب اختلاف زوايا النظرات إليه في المرايا وانعكاس قضايا الرزايا «الإيديولوجي» و «السياسي» على نهج الشيخ الجليل ابن عربي ووحدة الوجود والشهود والشعور العياني واللساني، والوجداني والعرفاني، والبشري والإنساني، والمادي الروحي والروحي المادي، والمعطى المتوارث والمكتسب، والمهذب والمربى، ولكنه ليس من قبيل التنزيل والوحي والإلهام والماوراء.
وهو بالتالي «سياسي» و «إيديولوجي» – حيوي – من إنتاج الواقعي السحري والأسطوري ونسيج الخيالي والزوج البهيج الزواج والزفاف المتنوع الاختلاف الولود للجديد من مزيج القديم والحديث، المتناكح اللغات والمتلاقح التجارب والأشكال والمنفتح على الممكن من المستحيل أو المحال الممكن الوجود «بالحاجة أم الاختراع»، و» في الإمكان أبدع مما كان» والمتفتح المزهر والمثمر الأحياء جميعا «بمني السماء»الوابل الصّيِّب والممطر المخصب لرحم الأرض اليباب والتراب والأعشاب والدواب.
ولكن من خارج الأدب يغدو الحِجْر «الإيديولوجي» و «السياسي» –السلطوي- داء عضالا وبلاء ووباء ووبالا عليه، إذ يلجمه ويكممه، ويحرمه من فنيّته وكونيّته وجماليته ومستقبليّته ويلزمه بتقنيّته وآنيّته ونضاليّته ومحليّته «والتزامه» القسري والقهري،كما يأخذ «السياسي» بخناق الثقافي و»الإيديولوجي» النضالي بناصية الجمالي ويلبسه أمله وتفاؤله و بطله الإيجابي ويجرده من عدمه وتشاؤمه العبثي والسوريالي، ويمنعه من حريته ويضعه تحت وصايته، ممددا جسدا نصيا وشخصيا على مشرحته ويمعن في جسمه بترا أو تمطيطا متى كان أطول أو أقصر من سريره البروكرستي*** الحديدي القاطع الطريق على كل عابر وغابر ظاهر ومغامر مخترق ومحترق كطائر النار التي يخرج منها أصغر سنا وأنضر لونا واجمل مما كان وأحلى فنا ولحنا . فكيف لا يقتل هذا الجسد النصي والشخصي الممدد والمسجى، ولا يبتل بالدم «السياسي» والماء «الإيديولوجي» تماما كذلك اللغز الذي قال عنه شهيد عصره وشعره الحلاج:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتلّ بالماء!
أو مثل « غمة الكمامة» التي «لم تُفَرَّج» لا قبل ولا بعد أن قال عنها رؤبة بن العجاج:
بل لو رأيت الناس إذ تُكُمِّمُوا،
بغُمّةٍ، لو لم تُفَرَّجْ غُمُّوا!
وكذلك الأمر في كتابة تجربة الألم والحلم على مرّ عصور «الجاهليات» السابقات واللاحقات والتاليات والحاليات، لم تخل كل تجربة وكتابة من «سياسة الأمة» و «إيديولوجية الغمة» بالكمامة، التي لا تزال حتى هنا والآن تخنق أنفاس أي «عمل إبداعي « و «فعل اجتماعي» وتواصل بتطبيق ناموس ومنهاج التباعد «الإيديولوجي» و «السياسي» بين الناس على حدّ قول هذا «الكولاج» الذي ليس «لي» منه سوى حرف واو العطف وهو في ديوان: «بعيداً عن كثب» ص 106 دار الثقافة 2007 «:
التزموا أقصى اليمين!
«و»
لا تسيروا الواحد جنب الآخر!
وللتذكير هذه إحدى علامات المرور في «عين الذياب» وعدم احترامها والتزامها، مخالفة معاقب عليها في مدونة السير.
وبالتالي «السياسي» والإيديولوجي» –الحيوي- غير -السلطوي- حقنة طبية وأدبية صحية، كاللقاحات والعقاقير، لإيصال الدواء إلى خلايا وأعضاء الجسم الشخصي والنصي، من أجل العلاج والشفاء، وتقوية العمل الإبداعي والفعل الاجتماعي، بالمضادات الحيوية، الصالحة والناجحة والصحيحة الاستعمال الفعّال، إذا ما احترمت الوصفة والتزمت التعليمات الطبية والأدبية المناسبة والمتجنبة للإفراط والجرعة الزائدة والآثار الجانبية الضارة بالجمال والذوق الفني الرفيع والبديع الخلق والتلقي.
هناك إذن من «الإيديولوجي» و «السياسي» الحيوي الضروري المفيد للجسم النصي والشخصي السليم، وثمة السلطوي، المضر والمخدر والقاتل للعمل الإبداعي والعمل الاجتماعي.
ومهما أوغلت النصوص الأدبية كلها في الإغماض والإبهام والإيهام، واشتطت في الأصباغ والمساحيق اللغوية والبلاغية، فإنها في ديموقراطية «المواطنية الشِّثْرية» proême الشعرية والنثرية والنقدية الودية والندية، غير خالية تماما من أي مسحة إيديولوجية وفسحة سياسية واضحة وفاضحة لأكاذيب وألاعيب لسان العرب الجميل والطويل.


الكاتب : إدريس الملياني

  

بتاريخ : 11/06/2024