الخطر الجهادي يواصل تمدده في غرب إفريقيا من الساحل إلى خليج غينيا.. كيف يمكن تفادي تكرار الأخطاء ذاتها التي ارتكبت سابقا؟

باشر الجهاديون نشاطهم في بادئ الأمر في مالي. ثم تمددوا إلى النيجر وبوركينا فاسو. ويخشى الآن أن يصلوا إلى الدول الساحلية على خليج غينيا، مع تقدم الخطر الجهادي في غرب إفريقيا جنوبا من منطقة الساحل صوب الشريط الممتد من بنين إلى ساحل العاج.
إزاء تزايد عمليات التوغل وأحيانا الهجمات الدامية في أطرافها الشمالية، تعمل بنين وتوغو وغانا وساحل العاج المطلة على خليج غينيا على تطوير ردها الأمني والسياسي.
لكن كيف يمكنها تفادي تكرار الأخطاء ذاتها التي ارتكبتها دول الساحل المجاورة؟ ذلك هو السؤال المطروح في وقت استكملت فرنسا الإثنين، بدفع من المجلس العسكري الحاكم في باماكو، سحب قواتها من مالي حيث يتواصل تدهور الوضع الأمني كما في النيجر وفي بوركينا فاسو.
ومن بين الدول الساحلية هذه، دفع شمال بنين الثمن الأغلى إذ شهد عشرين هجوما على قوات الأمن منذ نشر الجيش فيه أواخر 2021.
وقال ضابط من بنين متمركز على الحدود مع بوركينا فاسو لوكالة فرانس برس «ما نعيشه مروع. نستيقظ كل صباح من غير أن ندري إن كنا سنبصر اليوم التالي».
وأكد ماكرون في هذه المناسبة استمرار فرنسا في التزامها بـ»مكافحة الإرهاب» في غرب إفريقيا، مبديا في الوقت نفسه «استعداده» للمشاركة في اجتماع «مبادرة أكرا»، وهي الآلية المشتركة التي أطلقتها ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين مع بوركينا فاسو عام 2017 لتعزيز تعاونها الأمني.
وأورد معهد «كونراد أديناور» الألماني أن «تدهور الوضع الأمني في بوركينا فاسو ومالي يجعل من شمال الدول الساحلية خط الجبهة الجديد ضد المجموعات المسلحة الناشطة في الساحل».
في توغو التي شهدت في مايو 2021 أول هجوم دموي على أراضيها، وفي غانا التي بقيت حتى الآن بمنأى من العنف رغم عمليات توغل وتجنيد المئات من السكان المحليين وفق تقرير للمعهد الألماني، ينتشر الجيشان في شمال البلدين منذ عدة سنوات.
وفي ساحل العاج، لم تسجل أي عملية منذ عام، بعدما تعرض البلد لهجمات بين 2020 و2021.
غير أن «مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد» المغربي حذر في تقرير صدر في غشت بأن نشر قوات على الحدود «لن يكون مجديا، مثلما حصل في الساحل».
جديد المليشيات الجهادية

فأوضح واضعو الدراسة أن المجموعات الجهادية في منطقة الساحل «ليست جيوشا تقليدية» وهي تنتشر «من خلال بث أفكارها واستغلال استياء السكان» في هذه المناطق المهملة في غالب الأحيان.
ولفتت جانين إيلا أباتان الباحثة في معهد الدراسات الأمنية إلى أن الهجمات ليست سوى «رأس جبل الجليد».
وقالت «أظهرت دراسات جرت في الساحل منذ 2019 أن المجموعات المتطرفة العنيفة كانت تتزود منذ ذلك الحين من الدول الساحلية، ليس بالوسائل اللوجستية والعملانية فحسب، بل كذلك بهدف التمويل».
وتابعت أن هذه المجموعات لا تحتل أراضي في دول خليج غانا بل تشن فيها «عمليات توغل» و»هجمات متطورة» لا يمكن تنفيذها إلا بناء على معلومات استخباراتية جيدة و»تواطؤ» عناصر محليين.
فالتهديد الحقيقي يكمن في الواقع في عمليات تجنيد سكان محليين.
وقال ضابط في الشرطة في شمال بنين لفرانس برس «ظروف الحياة الصعبة يمكن بسهولة أن تدفع الأشخاص اليائسين إلى معسكر الإرهابيين».
وتأكيدا على ذلك، انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي مقطع فيديو لجهاديين يتكلمان الباريبا، وهي لغة من شمال بنين، يحضان فيه السكان على الانضمام إلى صفوف جماعتهما ويتوعدان أي متعاونين مع الدولة.
وشددت أباتان على أنه «يجب على الدولة أن تلبي حاجات هؤلاء السكان، أن تجعلهم يشعرون أن قوات الأمن تحميهم، وإلا فسوف يتجهون إلى هذه المجموعات لضمان حمايتهم».
ومن المهم برأي الباحثة «معالجة الأسباب العميقة للتطرف العنيف».
وباشرت دول خليج غانا التحرك، فطبقت منذ 2019 تدابير لمنع ظهور التطرف. وفي بنين، أطلقت الحكومة مشاريع إنمائية تضمنت إقامة مراكز شرطة ومدارس ومستشفيات في المناطق المهملة من الدولة التي توجه اهتمامها تاريخيا ومنذ حقبة الاستعمار الفرنسي إلى الشريط الساحلي.
والأمر نفسه حصل في ساحل العاج حيث تم استثمار ملايين اليورو.
لكن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يشدد على وجوب التخلي عن نشر قوات عسكرية على الحدود، معتبرا أن ذلك يزيد من معاناة السكان الذي يعيشون في فقر مدقع ويعتمدون على التجارة عبر الحدود لتأمين معيشتهم.
واعتبر المركز أنه «بدون تغيير جذري في النهج، فإن بنين والدول الأخرى سترى مواطنيها يتخذون القرارات ذاتها مثل جيرانهم في الساحل: سيتعاونون مع المتطرفين حتى يظلوا على قيد الحياة».
رواية عسكرية مالية

وقال وزير الدفاع والمحاربين القدماء المالي ساديو كامارا إن الإرهاب صار وسيلة لزعزعة الاستقرار وتحقيق أهداف جيواستراتيجية وجيواقتصادية .
وصرح كامارا، يوم الاثنين في مقابلة مع »سبوتنيك« الروسية ، أن »دول منطقة الساحل لا تصنع أو تبيع أسلحة، ولا تلعب أدوارا أساسية في النظام العالمي، فالإرهاب صار وسيلة لزعزعة الاستقرار بشكل يتم التخطيط له بغية تحقيق أغراض جيواستراتيجية وجيواقتصادية (استخدام الأدوات الاقتصادية لتعزيز الدفاع عن المصالح الوطنية)«، في اتهام مبطن لدول الغرب وعلى رأسها فرنسا.
وتابع أن »التمويل وتوفير الأسلحة والخدمات اللوجستية، والطمع في موارد القارة، وكذلك المنافسات الجيواستراتيجية ( دراسة الموقع الإستراتيجي للدولة أو المنطقة الإقليمية، ومدى تأثير هذا الموقع في العلاقات السلمية والحربية) هي عوامل تساهم في تغذية الإرهاب«.
وأشار الوزير إلى أنه «يتم تصوير منطقة الساحل عموما على أنها منطقة فقيرة ونامية ذات سكان أغلبيتهم من الشباب ولا يحدوهم أمل في المستقبل»، مضيفا أنه على «مدار السنوات العشر الماضية، شهدت المنطقة ارتفاع معدل العمليات الإرهابية بشكل سريع جدا والتي لا تقتصر على العمليات العشوائية ضد السكان لأسباب دينية».
واستدرك كامارا قائلا »لتبرير الإرهاب، تم تسليط الضوء على العوامل التي ساهمت في هذا الارتفاع، وهي الإحباطات الناجمة عن سوء الإدارة (من قبل الحكومة) والفقر والعوامل الديموغرافية (وجود عرقيات وشعوب على عداء متبادل)«.
وفي التاسع من غشت الجاري، أعلن الجيش المالي، مقتل 17 جنديا على الأقل و4 مدنيين، فضلا عن تحييد 7 إرهابيين في هجوم بمنطقة حدودية مع بوركينا فاسو والنيجر.


بتاريخ : 18/08/2022