يشهد إقليم الخميسات، أحد أهم أقاليم جهة الرباط–سلا–القنيطرة، دينامية تنموية متباينة الإيقاع، تجمع بين أوراش واعدة في البنيات التحتية والخدمات، وتحديات اجتماعية واقتصادية ما تزال تبحث عن حلول مستدامة. وبين مؤهلات طبيعية غنية وواقع سوسيواقتصادي معقد، يتحرك الإقليم بخطى محسوبة نحو إعادة تشكيل صورته التنموية.
بنية تحتية تتطور… ولكن
شهدت السنوات الأخيرة إطلاق عدد من المشاريع الهيكلية التي استهدفت تحسين الشبكات الطرقية، وتطوير مراكز حضرية كمدينة الخميسات وتيفلت والرماني. الطرق الإقليمية تم تعزيزها، ما ساهم في تقليص عزلة بعض الجماعات القروية وفتح مسالك جديدة للأنشطة التجارية والفلاحية.
غير أن عدداً من الدواوير ما زال يعاني ضعف الربط بالماء الصالح للشرب والصرف الصحي، إضافة إلى هشاشة البنية الطاقية. ويؤكد فاعلون محليون أن “التقدم موجود لكنه لا يواكب حاجيات الساكنة المتزايدة، خاصة في القرى الأكثر تهميشاً”.
فلاحة قوية تحتاج إلى تثمين
بوصفه إقليماً ذا هوية فلاحية واضحة، يستفيد الخميسات من مؤهلات طبيعية واسعة، أبرزها غابات المعمورة وخصوبة أراضيه في عدد من المناطق. وتُعد زراعة الحبوب وتربية الماشية من أهم الأنشطة التي تؤطر حياة آلاف الأسر.
لكن هذا القطاع، ورغم أهميته، يعاني محدودية كبيرة في القيمة المضافة، بسبب ضعف سلاسل الإنتاج، وغياب وحدات للتثمين والتحويل الصناعي، واعتماد الفلاحين الصغار على تقنيات تقليدية. ويؤدي هذا التحدي إلى استمرار الهشاشة الاقتصادية وتذبذب الدخل، خاصة في سنوات الجفاف.
الخدمات الاجتماعية… بين التحسن والخصاص
استفاد الإقليم من عدة مشاريع اجتماعية، سواء في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو البرامج الجهوية، حيث تم بناء مدارس جديدة، مراكز صحية، وملاعب للقرب. غير أن الخصاص لا يزال واضحاً، خصوصاً في:
البنيات الصحية القروية
النقل المدرسي
التجهيزات الرياضية والثقافية
الموارد البشرية في قطاعي الصحة والتعليم
ويؤكد عدد من المتابعين أن “الانتقال من البنية إلى الفعالية” هو التحدي الأكبر، إذ إن إنشاء المرافق لا يكفي في غياب الأطر المختصة والتجهيزات الضرورية.
حركية اقتصادية تبحث عن بوصلة
رغم توفر الإقليم على موقع استراتيجي قريب من العاصمة الرباط، إلا أن الاستثمار الخاص يظل متواضعاً. فغياب مناطق صناعية مجهزة بشكل جاذب، وضعف الربط اللوجستي، وغياب رؤية اقتصادية مندمجة، كلها عوامل تحدّ من خلق فرص الشغل واستقطاب المشاريع.
مع ذلك، ظهرت خلال السنوات الأخيرة بوادر تغيير من خلال:
مشاريع سياحية بيئية في الرماني وعين السبع
استثمارات في قطاع المقالع والخشب
مشاريع صغيرة لشباب الإقليم بدعم من برامج ريادة الأعمال
أفق تنموي ينتظر التسريع
يرى عدد من الخبراء أن الإقليم يقف اليوم عند مفترق طرق، وأن نجاحه يتطلب رؤية شاملة تراعي خصوصياته الفلاحية والغابوية والسكانية. وتشمل الأولويات:
تثمين القطاع الفلاحي وإحداث وحدات تحويلية محلية.
تسريع تعميم البنيات التحتية الأساسية في القرى.
إطلاق منطقة صناعية ولوجستية تستثمر قرب الإقليم من الرباط.
تشجيع السياحة الجبلية والإيكولوجية في الرماني وسيدي الغندور.
تعزيز العرض الصحي والتعليمي ورفع جودة الخدمات
إقليم الخميسات اليوم أمام فرصة تاريخية لتحويل مؤهلاته إلى محركات فعلية للتنمية. ورغم التحديات المستمرة، فإن الدينامية الحالية توحي بأن الإقليم يمكن أن يتحول إلى قطب اقتصادي واجتماعي صاعد إذا ما تضافرت جهود الفاعلين المحليين والمؤسسات الجهوية.

