الدارالبيضاء تحتاج إلى ” كوماندوس منتخب ” قوي ومحترف لتنزيل المشاريع و البرامج الملكية

في أكتوبر 2013 وخلال افتتاح الدورة التشريعية، خص الملك جانبا من خطابه بهذه المناسبة لمدينة الدارالبيضاء، حيث قدم تشخيصا حولها ووقف عند مشكلتها الحقيقية المتمثلة في الافتقاد إلى حكامة جيدة، وتضمن خطابه طموح الدولة بخصوص هذه المدينة والهدف الذي تريده منها ألا وهو أن تتحول إلى عاصمة للمال والأعمال تضاهي كبريات العواصم الدولية وتنافسها على جميع المستويات.
الملك لم يقف في حدود خطاب، بل نزل إلى الدارالبيضاء وأفرد لها برنامجا تنمويا تم توقيعه في سنة 2014 بحمولة مالية قاربت 4000 مليار سنتيم، ويتعلق الأمر بالبرنامج التنموي 2015/2020 ، في تلك الولاية كان الاتحاد الدستوري في شخص أمينه العام السابق محمد ساجد هو من يسير جماعة الدارالبيضاء، وفي التحالف كان إلى جانيه حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية ومساندة من حزب الحركة الشعبية .
البرنامج التنموي، كما هو ظاهر على أرض الواقع، غير ملامح البنية التحتية الرديئة السابقة، وأسس لبنية تليق بهذه المدينة، من ذلك تم إحداث “الطرامواي”، وهو مشروع كبير ومهم قرب المسافات بين الأحياء وجل مناطق المدينة ومرافقها، وخفف من الضغط المروري، كما تم تشييد القطب المالي بمنطقة الحي الحسني، وهو مشروع مهم اقتصاديا وساهم في تغيير ملامح المدينة من عشوائية في المظهر إلى مدينة حداثية منظمة المعمار، أيضا تم بناء مشروع “مارينا” في الواجهة البحرية على مستوى عمالة آنفا ببنايات عظيمة ومؤسسات اقتصادية وخدماتية، وتمت إعادة تأهيل كورنيش عين السبع وبناء مدينة زناتة والمسرح الكبير ، مع إعادة تأهيل بعض المشاريع القديمة، منها الحدائق الكبرى وحديقة الحيوانات عين السبع وغيرها، وازى ذلك إقامة مشاريع اجتماعية وسوسيو ثقافية في مختلف عمالات المدينة .
من حجم الأموال التي وفرتها الدولة للدارالبيضاء كان على مجلس مدينة الدارالبيضاء أن يسهم فقط ب 10 في المئة، ومعه مجلس الجهة والعمالة، في عهد ولاية ساجد لم تحقق الجماعة هذه النسبة، وهو ما دفع إلى الاقتراض من البنك الدولي، حيث اقترضت 100 مليار سنتيم، ومن إحدى المؤسسات المالية بإسبانيا تم اقتراض 150 مليار سنتيم، ولجأت إلى قروض أخرى من صندوق التجهيز الجماعي حتى بلغت الخطوط الحمراء.
في الولاية التي أعقبتها مسك حزب العدالة والتنمية بأغلبية كاسحة جماعة الدارالبيضاء، ومعها المقاطعات الستة عشر المؤثثة لتراب المدينة، إلى جانبه هذه المرة كان حزب التجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية ، كان من المنتظر أن يسطر هذا التحالف برامج مكملة تسير في روح ما رسمه البرنامج التنموي، لكن هذا الأمر لم يتحقق وغرق هذا المجلس بدوره في البحث عن مصادر تمويل ليفي بجانب من مساهمته في هذا البرنامج، فالتجأ بدوره، ومنذ أن وضع قدمه في مكتب المسؤولية، إلى البنك الدولي لاقتراض 200 مليار أخرى ، وفضل عدم وضع برنامج استثماري أو حيوي من شأنه أن يغذي ما رسم للمدينة، حيث ارتكن للتدبير الروتيني مع زيادة في منح المقاطعات، بغية التنشيط الثقافي والرياضي دون رؤية شاملة تهم المدينة ككل.
في الولاية الحالية، التي تضم تحالفا يجمع بين حزب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال والاتحاد الدستوري، نزلت الأمور إلى ما هو أسوأ، إذ لم يخرج التحالف عن سابقيه حيث صوب بدوره وجهه نحو البنك الدولي للاقتراض، ولجأ إلى وزارة الداخلية لفك بعض المعيقات المالية، ما يجمع بين التجارب الثلاثة هو أنها فشلت في خلق إدارة جبائية في المستوى من شأنها أن تجمع شتات الأموال الضائعة من جماعة الدارالبيضاء، نقول هذا لأن حجم الباقي استخلاصه من المرتفقين لدى الجماعة بلغ اليوم أكثر من 1800 مليار سنتيم، ومع ذلك فضلت هذه التجارب اللجوء إلى الاقتراض، قلت بأن هذه التجربة أسوأ، لأنها تفتقد لبوصلة تدبيرية والمسؤولون عن التجربة غارقون في حل المشاكل التي لا تنتهي في ما بينهم، وهو ما يعد هدرا للزمن التدبيري، خلافات على أشدها داخل المقاطعات، ويكفي أن نذكر أنه لحدود الآن لم تستطع ثلاث مقاطعات تمرير دوراتها، بفعل الخلافات بين أعضاء التحالف، ويتعلق الأمر بمقاطعات سيدي بليوط والحي الحسني وعين الشق، دون الحديث عن الخلافات الأزلية في مقاطعات أخرى على رأسها عين الشق ومولاي رشيد والمعاريف، وخلال جل دورات مجلس المدينة كان لزاما على المنسقين الجهويين لهذه الأحزاب أن تجتمع لرأب التصدعات في ما بين أعضاء تحالفها وجعل الدورة تمر بسلام .
99 في المئة من الأحزاب مرت على رأس جماعة الدارالبيضاء دون أن تجد خيطا ناظما لتدبيرها، يجعلها تتخطى معضلة سوء الحكامة التي تحدث عنها الخطاب الملكي، انعدم لديها الإبداع المطلوب لتساير الهدف الذي وضع للمدينة، وحتى نكون منصفين طيلة هذه التجارب ظلت أحزاب دائما في خانة الإقصاء من التدبير على رأسها الاتحاد الاشتراكي .
الدارالبيضاء اليوم، ومع التسارع الذي تشهده عواصم العالم، تحتاج إلى “كومندو” سياسي، يتوفر لديه الإبداع اللازم والمبادرة المطلوبة لتدارك التأخر الحاصل في مواكبة الطموح الذي نرجوه، اليوم كما يلاحظ كل المتتبعين، نلاحظ أن النخبة المدبرة ارتكنت إلى الكواليس فيما تقوم السلطات برئاسة الوالي امهيدية، الذي عين حديثا، بالتدابير اللازمة في حدود اختصاصاتها للحد من التسيبات التي عرفتها المدينة.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 24/01/2024