الدار البيضاء تحتفي بذاكرة المسرح البدوي

تخلد مدينة الدار البيضاء هذا الأسبوع الذكرى الأولى لرحيل أحد أبرز مؤسسي الفعل المسرحي بالمغرب عموما والبيضاوي خصوصا الراحل عبد القادر البدوي من خلال ما عاشه رواق قاعة العروض التابعة للمركب الثقافي سيدي بليوط بنفس المدينة، من تنظيم لمعرض توثيقي بعنوان «الكلمة لا تموت» يحتفي بمجموعة من المقولات الصحفية وصور لمشاهد مسرحية تعود إلى فنانا المسرحي الراحل، والذي تم افتتاحه السبت 28 يناير الماضي إبان تنظيم نشاط خاص بتخليد ذكرى رحيل الفنان البدوي. صحيح أن هذا الحدث يساهم حاليا في صناعة المشهد الثقافي بالعاصمة الاقتصادية للمملكة ، إلا أن أهميته تكمن أساسا في إنجاح ترجمة الاحتفاء بجزء من الذاكرة المسرحية على أرض الواقع خاصة إذا تعلق الأمر بأحد رواد العمل المسرحي المغربي الراحل عبد القادر البدوي، رغم البعد الرمزي الذي غالبا ما يوحي به هذا النوع من الاحتفاء بمسار شخصية معينة بعد رحيلها. يبدو من خلال رواق المعرض أن رهان الفنان الراحل كان قويا على وسائل الإعلام بمختلف وسائطها من أجل أن تشكل داعما للعمل المسرحي الاحترافي بالمغرب، الأمر الذي تعبر عنه بعض الرسائل والصيحات المعروضةوالتي سبق أن صرح بها الراحل لبعض المنابر الإعلامية، دعت في مجملها السلطات الوصية على القطاع الثقافي و باقي الفاعلين المسرحيين في هذا البلد إلى ضرورة الانتصار للفعل المسرحي المغربي الاحترافي والتي منحته العقود بعدا وطنيا على حد تعبيره، ليس فقط بحثا عن الاعتراف والتوثيق ولكن أيضا ضمانا لاستمرارية ممارسة مسرحية أسسها رواد أوائل سعوا جاهدين إلى بناء مسارات مسرحية مغربية صمدت مع مرور الزمن رغم ما اعتبره الراحل البدوي في إحدى تلك التصريحات الصحفية الموثقة إرادة واضحة لدى البعض من أجل تغييب إن لم نقل إقصاء رموز المسرح المغربي و مؤسسي تجاربه الأولى منذ ما قبل الاستقلال من المساهمة في صناعة المبادرة المسرحية الراهنة على مستويات متعددة. يبقى من الجميل أيضا وجود صور داخل هذا المعرض لمشاهد مسرحية من خزانة مسرح البدوي تم عرضها إبان سنوات التألق الجماهيري للفرق المسرحية المغربية مثل تلك التي توثق لعرض مسرحية في سبيل التاج سنة 1957 و مسرحية العاطلون سنة 1960، في تعبير واضح عن العمق التاريخي للتجربة المسرحية البدوية التي عملت على مسرحة مجموعة من النصوص الأدبية العربية والعالمية، بالإضافة إلى ما تم إنجازه من مسرحيات اعتمادا على مسار طويل من التأليف والكتابة للراحل عبد القادر البدوي وأغلبها أعمال حاولت من خلالها فرقة البدوي أن تؤسس لمدرسة مسرحية قائمة الذات تعمل على التفاعل فوق خشبة أبي الفنون مع قضايا المجتمع المغربي والإنساني بشكل عام مع تسليط الضوء الفني على انشغالات مجتمعية عرفتها الساحة المغربية في محطات معينة . هذا إلى جانب المساهمة طبعا في تأهيل وتكوين أعداد مهمة من المشتغلين في الميدان المسرحي المغربي على اعتبار أن مسرح البدوي شكل مركزا لتكوين أسماء مهمة خصوصا على مستوى التمثيل و التشخيص أصبح لها هي حضور في المشهد الفني بالمغرب. يضم رواق المعرض أيضا على بساطته فضاء خاصا بتوقيع آخر إنتاجات الراحل وهو كتاب «سيرة نضال» الذي يعتبر إضافة نوعية في ساحة التأليف المسرحي التوثيقي بالمغرب ليس فقط لمسار مسرح البدوي، وإنما أيضا لمحطات من تاريخ المغرب الراهن الاجتماعي والثقافي و السياسي نظرا لحجم الشهادات والوثائق والصور التي ضمها الراحل داخل هذا المقروء، مستعينا بها على استعراض أبرز ملامح المسار التاريخي و الشخصي لتجربة مسرح البدوي في علاقتها بمحطات تاريخية رئيسية عرفها المشهد المغربي على امتداد عقود من الزمن. و يمكن أن يساعد هذا الإصدار عددا من الباحثين في التاريخ المغربي في الحصول على مجموعة من المعطيات الموثقة. لا يمكن حقيقة إلا الإشادة بتنظيم هكذا حدث ثقافي في قلب مدينة الدار البيضاء، من أجل فسح المجال لأكبر عدد من الزوار للسفر عبر أرشيف مسرحي بنفحة إعلامية يكتشف من خلاله المتلقي العادي جانبا مهما من تاريخ مسرحنا المغربي، و يسمح أيضا بفتح النقاش من طرف المتتبعين و الفاعلين في الشأن الثقافي حول أهمية التوثيق للتجارب المسرحية في هذا البلد خاصة منها تلك التي أسست لممارسة المسرح في مغربنا الحبيب، ليس فقط حفاظا على الذاكرة الثقافية الوطنية وإنما لوضعها رهن الأجيال المسرحية الصاعدة قصد الاستفادة منها والنهل من معينها الفني لصناعة فعل مسرحي مغربي حقيقي يجمع بين قوة النص و جودة الأداء و بهاء الرسالة الفنية في بعدها الكوني المرتبط برصيدنا الثقافي والحضاري. و إلى ذالك الحين كل عام و المشهد الثقافي بالمغرب بألف خير.


الكاتب : سمير السباعي

  

بتاريخ : 07/02/2023