الدار البيضاء والكان… حين يغيب العرس القاري عن معاقل الكرة الشعبية

رغم اقتراب موعد انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا، التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أيام قليلة جدا، لا تزال الدار البيضاء تعيش مفارقة لافتة تثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة داخل أحيائها الشعبية التي لطالما شكلت القلب النابض لكرة القدم الوطنية، ومشتلا تاريخيا للمواهب والنوادي البيضاوية العريقة.
في أحياء مثل درب السلطان، الحي المحمدي، سباتة، سيدي مومن، عين السبع، المدينة القديمة وغيرها، ليس من السهل أن يشعر المار بأنه على أبواب حدث قاري كبير. فلا أعلام، ولا جداريات، ولا لافتات ترحيبية، ولا رموز بصرية توحي بأن المدينة تستعد لاحتضان واحدة من أكبر التظاهرات الرياضية في القارة الإفريقية.
مشهد يطرح تساؤلا مشروعا: كيف لمدينة أنجبت الرجاء والوداد، واحتضنت تاريخا كرويا غنيا، أن تبدو وكأنها خارج أجواء “الكان”؟
الأحياء الشعبية، التي تعتبر المعقل الحقيقي لكرة القدم البيضاوية، تعيش اليوم نوعا من التهميش الرمزي في سياق الاستعدادات. فبينما تتركز الأشغال والتجهيزات في محيط الملاعب الكبرى أو بعض المحاور الرئيسية، تغيب أي مبادرات لإشراك الساكنة المحلية في صناعة أجواء العرس القاري، سواء عبر تزيين الفضاءات العامة، أو دعم مبادرات شبابية وفنية تعكس هوية المدينة الكروية.
هذا الغياب لا يمر دون رد فعل، فقد عبر عدد من البيضاويين، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، عن استيائهم مما وصفوه بـ”التحضير الصامت” للكان داخل مدينة يُفترض أن تكون في قلب الحدث. ويرى هؤلاء أن الاستعدادات لا يجب أن تقتصر على الجوانب التقنية واللوجستيكية فقط، بل ينبغي أن تشمل البعد الرمزي والثقافي، الذي يمنح للبطولة روحها ويجعل الساكنة تشعر بأنها جزء من هذا الموعد القاري.
الجدل الدائر اليوم في الدار البيضاء هو تعبير عن تعلق عميق بالكرة ورغبة حقيقية في أن ينعكس هذا الحدث على الفضاءات الشعبية، حيث تُعاش كرة القدم يوميا، في الأزقة وملاعب القرب، وفي نقاشات المقاهي والمنازل، فكيف يعقل، يتساءل البعض، أن تستقبل المدينة جماهير إفريقية من مختلف الدول، بينما لا تعكس أحياؤها الشعبية أي مظهر من مظاهر الاحتفاء؟
ويتساءل المتتبعون، لماذا لا يتم تدارك هذا النقص، رغم أن الوقت قصير، عبر إشراك الجماعات المحلية، وجمعيات الأحياء، والفنانين الشباب، في مبادرات بسيطة لكنها ذات أثر قوي، كالرسم الجداري، وتزيين الشوارع، وتنظيم أنشطة رياضية وثقافية موازية. فنجاح “الكان” لا يقاس فقط بجودة الملاعب، بل أيضاً بمدى انخراط المدينة وساكنتها في صناعة أجوائه.
تاريخ الدار البيضاء الكروي والعمق الشعبي الذي تتمتع به هذه اللعبة بين دروبها وأحيائها يفرضان أن تكون مدينة العربي بن مبارك والظلمي ولحسن ابرامي وعزمي وأحمد فرس والكثير من نجوم الكرة المستديرة في الموعد، لا فقط كمكان لاحتضان بعض مباريات الكان بل كمدينة تعيش وتتنفس كأس إفريقيا في كل أحيائها.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 17/12/2025