الدبلوماسية المغربية عبر التاريخ -4-

اتفاقية بين المغرب والإمبراطورية النمساوية سنة 1805م

 

يجمع المؤرخون المغاربة والأجانب على أن المغرب بلد يضرب في عمق التاريخ بجذور تمتد إلى ما قبل العهود الرومانية والفينيقية والبيزنطية، وفي هذا دليل على أن الرافد الأمازيغي في المغرب شكل منطلق هذا التاريخ وأسس حضارة الشعب المغربي. وعلى العموم استطاع المغرب أن يرسخ مكونات الدولة المغربية من العهد الإدريسي إلى العهد العلوي مرورا عبر مختلف الأسر التي حكمت المغرب. ومن مميزات الدولة المغربية على امتداد العصور أنها حرصت على ربط الجسور مع دول البحر المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء والمشرق العربي والإسلامي ودول عبر المحيط الأطلسي. وهذا ما تسنى لها أن تقيم علاقات دبلوماسية وطيدة مكنتها أن تتبوأ مكانة دولية عززتها بما راكمته من إنجازات تمثلت في تنظيم سفارات وبعثات إلى كثير من الدول، وكذلك من تمكين هذه الأخيرة من فتح قنصليات لها على التراب الوطني.
وهي إنجازات تعود أكثر إلى القرن الثامن عشر، حيث استطاع من خلالها المغرب أن يكسب مقومات النهضة وبناء جسور الحداثة.
إن هذه المحطات البارزة في تاريخ المغرب المجيد جديرة بالاهتمام بها والعودة إليها من منظور جديد حتى يستطيع القارئ المهتم اليوم أن يقيس مدى حضارة بلاده وعمق تجذرها في الفضاء الجهوي الذي تنتمي إليه. وفي هذا الإطار ارتأينا أن نقدم جانبا من إصداراتنا التي انكبت على هذا الموضوع، تضيء بالخصوص العلاقات التي نسجها المغرب مع دول أوروبا وأمريكا اللاتينية. يتعلق الأمر في هذا المقال بتقديم كتاب (العلاقات المغربية النمساوية – الهنغارية: تاريخ وذاكرة المشتركة)، والذي نشره مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2020، والذي نتمنى أن يجد فيه القارئ المهتم مادة دسمة حول عراقة هذه الدبلوماسية وما اتسمت علاقات المغرب الخارجية من زخم على أكثر من مستوى.

يظهر أن الإمبراطورية النمساوية بدأت تستثقل أداء ما كان متفقا عليه بينها وبين المغرب من إتاوة، مما جعل السلطان مولاي سليمان يصدر أمرا للسفن النمساوية بالابتعاد عن الشواطئ المغربية . وفي هذه الظروف أوفدت الإمبراطورية المذكورة سفارة إلى المغرب برئاسة المدعو Von Pouilly نزلت في طنجة واتجهت منها إلى مكناس حيث تم إبرام هاته الاتفاقية.
إن النص العربي محفوظ في أرشيف الدولة النمساوية بفيينا، ترجمه إلى اللغة الفرنسية لوي برونو Louis Brunot ونشره في مقاله:
Jacques Caillé, Une ambassade autrichienne au Maroc en 1805.p.119.
وقد كانت العلاقات آخذة سيرها الطبيعي من تبادل الرسائل أولا على الصعيد الدولي من عودة الحرب بين العثمانيين والنمسا في أوائل عام 1788، فهنا وقف العاهل المغربي إلى جانب الباب العالي…حيث وجدناه يصدر بخطه الشريف بتاريخ 23 جمادى الأولى 1202 / 1 مارس 1788 منشورا إلى كافة القناصل الأجانب الموجودين بالمغرب يقول من جملة ما يقول:
” كل من هو صلح مع السلطان العثماني فهو في صلح معنا وكل من هو في حرب معه فهو في الحرب…”.
ولم تعد الحياة السياسية بين البلدين إلى مجراها الطبيعي إلا في بداية القرن التاسع عشر أيام السلطان الملى سليمان حيث وردت رسالة من الإمبراطور فانسيسكو الثاني تحمل تعزية بلاده في وفاة محمد الثالث وتهنئة مولاي سليمان. قد أجاب السلطان المولى سليمان على هذه الرسالة من مكناس بتاريخ 4 شعبان 1221 / 19 نونبر 1803.
وهنا بدأ التفكير من النمسا في استعادة الاتصال الوثيق بالمغرب حيث وصل فون بويي Von Pouilly رئيس البعثة الدبلوماسية النمساوية إلى طنجة واتجه إلى مكناس حيث كان يقيم السلطان المولى سليمان، وقد تمت المصادقة على اتفاقية جديدة يوم 6 ربيع الثاني 1220 / 4 يونيو 1805، وهنا كتب السلطان المولى سليمان في التاريخ نفسه رسالة إلى القيصر فرانجسقوس يخبره بوصول سفيره المذكور حاملا الخطاب وكناش الصلح الذي وقع بين سينا الوالد وبين السلطان قيصر في مدة حياتهما مع إضافة شرطين آخرين يوافق عليهما العاهل المغربي.
وفيما يخص حيثيات الاتفاقية، يظهر أن الإمبراطورية النمساوية بدأت تستثقل أداء ما كان متفقا عليه بينها وبين المغرب من إتاوة، مما جعل السلطان مولاي سليمان يصدر أمرا للسفن النمساوية بالابتعاد عن الشواطئ المغربية. وفي هذه الظروف، أوفدت الإمبراطورية المذكورة سفارة إلى المغرب برئاسة المدعو Von Pouilly نزلت في طنجة، واتجهت منها إلى مكناس حيث تم إبرام هاته الاتفاقية.
ففي عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1757 و1790) وبالتحديد منذ سنة 1780 تم بعث باشا طنجة محمد بن عبد الملك إلى عاصمة النمسا فيينا، ليمثله لدى الملك جوزيف الثاني، نتج عن هذا اللقاء عقد اتفاقية سلم وتجارة (حرة وداخلية) بين كلا الدولتين سنة 1783، وكانت هذه الاتفاقية اللبنة الأول لبناء علاقات تجارية، ولم يتم تطبيق بنود هذه المعاهدة إلا بعد قدوم سفير النمسا إلى المغرب في عهد المولى سليمان سنة 1805.
كما تم عقد اتفاقية أخرى في عهد السلطان السالف الذكر في يوم 14 يوليو 1805 التي تنص على ضرورة إعفاء السفن النمساوية من أداء الضرائب (ضريبة المرور بالمياه الإقليمية)، خصوصا منها السفن التي تتبادل السلع مع المغرب وتتخذ الموانئ المغربية كموسى لها.
وهكذا تميزت علاقة المغرب بالنمسا هنغاريا منذ البداية على أنها علاقة ودية ربطت بينهما رابطة تجارية محضة وكذا سفارية، إلا أنه مع مرور الزمن لم تبق هذه العلاقة على ما كانت عليه بل تغير منحاها إلى أن شنت الحرب بين الطرفين.
وفي 6 ربيع الثاني عام 1220/4 يوليوز 1805 تم اتفاقية جديدة بسبب رفض النمساويين لأداء الضرائب المفروضة عليهم أي ضريبة المرور بالمياه الإقليمية السالفة الذكر، هذا ما أدى بالسلطان مولاي سليمان إلى إصدار أمر السفن النمساوية على الابتعاد عن الشواطئ المغربية، وفي خضم هذه الظروف أوفدت الإمبراطورية النمساوية سفارة إلى المغرب برئاسة المدعو فون فوييي نزلت البعثة في طنجة، واتجهت منها إلى مكناس، حيث تم إبرام هذه الاتفاقية، ونصها العربي محفوظ في أرشيف الدولة النمساوية بفيينا وترجمه إلى اللغة الفرنسية لوييس برونو ونشره جاك كاييي().
تجدر الإشارة أنه قبل استقبال البعثة السفارية النمساوية والتي تحمل مشروع اتفاقية جديدة بينها وبين المملكة المغربية بادرت الدولة النمساوية يوم 8 مارس سنة 1804 إلى إنابة القنصلية الإسبانية في شخص السيد “أنطونيو غونزاليس سالمون”Antonio Gonzalez Salmon لتمثيل المصالح النمساوية ورعاياها بالمغرب. وفي سياق ذلك حلت السفارة النمساوية برئاسة الكونت دو بويي والتي حلت في 22 من مايو من سنة 1805، وفور وصول السفير النمساوي إلى المغرب، ربط الاتصال مع السلطات المحلية الممثلة في باشا طنجة وتطوان، القائد عبد الرحمان أشعاش.
جاءت البعثة السفارية النمساوية للتأكيد على العمل بشروط الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل اثنين وعشرين سنة، بين سيدي محمد بن عبد الله والإمبراطور جوزيف الثاني، مع إضافة بندين جديدين يتعلق الأول منهما بالإعفاء من الرسوم على البضائع النمساوية، والثاني أكثر أهمية تمثل في منح النمسا، رعاية أكثر وعدد من الامتيازات الجديدة.
نص الاتفاقية:
اتفاقية 6 ربيع الثاني 1220 هـ/4 يوليوز 1805.
باسم لله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير.

* الشرط الأول
إن رعية السلطانين يتعاشرون على وجه المواصلة والموافقة لا يكون بينهم اختلاف في البحر والبر و من احتاج إلى مواساة صاحبه يواسيه مثل الأصحاب.

* الشرط الثاني
مضمنه إذا تلاقى مركب البزركان مع القرصان وأحب القرصان تفتيش الكاغد من البزركان لا يرسل إلا اثنين في فلوكة ينظران الباسبرط.

* الشرط الثالث
مضمنه إذا اجتمع قرصاننا مع برزكان الأنبلادر يظهر له باسبرط في المركب والناس في الفلوكة ولا يطلع أحد للمركب ليلا لفسد له الكرنطينة

* الشرط الرابع
مضمنه أن لا يفتش باسبرط إلا القرصان حين يتلاقى مع البزركان ويقابلون القطع على ما هو معلوم.

* الشرط الخامس
مضمنه إذا ألقت الريح مركبا لنا إلى مراسهم أو ساحلهم يكون كل ما فيه محفوظا مأمونا ويقف معه أهل ذلك المحل و يعطونه كل ما يحتاج إليه وإذا اسلم ذلك المركب واحتاج إلى بعض الحوائج يقضونها له حتى يسافر مأمونا وكذلك إذا حرث مركبهم بساحلنا وكانت لهم به سلعة لم يرد بيعها في بلدنا وأراد ردها لبلده لا يلزمه شيء من الأعشار.

* الشرط السادس
مضمنه أن لا يأسر أحد الجانبين من رعية الآخر أحد وإن وجد أسير في مركب العدو لا يأخذه هو ولا سلعته بعد ما يثبت أنه من رعية أحد الجانبين ولا يطلب أحد منهما صاحبه بقليل ولا كثير.

* الشرط السابع
مضمنه أن تجار الأنبلادر يدخلون لأي مرسى أرادوا من مراسينا وتجارنا يدخلون لمراسيهم كذلك وقائد المرسى يراعي التجار كما يراعي غيرهم ويبيعون ويشترون ولا يطالبون بزيادة على العادة في الكمرك.

* الشرط الثامن
مضمنه إن سلعة النابريال الواردة في مراكبهم أو مركب غيرهم لمراسي سيدنا يدفع عليها العشر كاملا مثل ما يدفع أجناس النصارى وإن لم يرد إنزال سلعته فلا يعطي شيئا.

* الشرط التاسع
مضمنه أن قونصو الأنبلادر يكون مكرما وداره محترمة ويعلق سنجقه كما يعلقه القنصوات وإذا وقع خصام بين أناس من جنسه مع بعضهم بعضا فالقونص الذي يكون في البلاد هو يفصل بينهم.

* الشرط العاشر
إذا كانت كيرة مع المسلمين كلهم ولو كان أجناس النصارى كلهم كيرة مع المسلمين فالنابريال يبقى في الصلح المذكور وإن كانت لسيدنا كيرة مع مع جنس آخر وللنبريال كيرة مع جنس آخر يمنع أحد الجانبين الآخر من المسير والتجارة في بلاد عدوه.

* الشرط الحادي عشر
مضمنه إذا انحرف هذا الصلح وكان بيننا وبينه حرب فلا يترامى أحد الجانبين على الآخر إلا بعد ستة أشهر وإذا كان أحدهم في بلد الآخر يكون مامونا في نفسه وماله حتى يرجع لبلده بعدما يموت ستة أشهر ولا يضيع له شيء من ماله في بلد الآخر بموجب شرعي.

* الشرط الثاني عشر
مضمنه الصلح الدائم على هذه الشروط لا يفسده أمر يحدث بعده بل فيه زيادة ولا نقصان.

(*) عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس – فاس (جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس)

 

 


الكاتب : n ذ. سمير بوزويتة (*)

  

بتاريخ : 04/08/2022