الدخول الثقافي المغربي .. بين الخروج من عنق «زجاجة الدعم» وحلم الصناعة الثقافية

هل مازال الوقت مبكرا للحديث عن دخول ثقافي مغربي بالمعنى المتعارف عليه والذي سوقت له الوزارة الوصية منذ أكثر من سنتين،عند توقيع الوزير السابق الوصي على القطاع محمد الأعرج على اتفاقية ثنائية في يوليوز 2019 مع رئيسة فيدرالية الصناعات الثقافية نائلة التازي، وتوقيع الوزير الحالي محمد بنسعيد ،أيضا، مع رئيسة الفيدرالية في يناير الماضي على اتفاقية إطار من أجل تطوير مجال الصناعات الثقافية والإبداعية؟
كيف يمكن الحديث عن انخراط فعلي في دينامية نشر الكتاب وتوزيعه ونحن على مشارف انتهاء السنة، ولم تتضح بعد ملامح هذا «المغرب الثقافي»، سواء بإعلان دور النشر عن كتالوغات إصداراتها الجديدة، أو الأنشطة الثقافية الرسمية التي تعتزم الوزارة إقامتها في إطار حركية ثقافية تمتد على طول السنة، بعيدا عن مهرجانات الصيف؟ متى ستظل دور النشر مرتهنة لمنطق الدعم الوزاري الذي أصبح هبة تتحكم في منحها الوزارة كما تتحكم في توقيت منحها وحصصها؟ هل يمكن والحالة هاته أن نتحدث عن دخول أدبي كما يحدث بفرنسا التي يعد هذا التقليد بداية كل شتنبر طقسا سنويا مألوفا ينتظره القارئ والناشر والكاتب: الأول لاشباع نهمه الأدبي، والثاني لعائداته المادية والثالث للمنافسة على الجوائز، والذي يشكل أيضا فرصة لوسائل الاعلام للترويج له عبر البرامج الثقافية والمجلات (هذه السنة تطرح دور النشر الفرنسية 490 عنوانا جديدا من فاتح شتنبر إلى غاية أكتوبر).
إن الحديث عن دخول ثقافي مغربي يقتضي أن تكون الثقافة انشغالا مؤسساتيا وشعبيا لا يرى في الثقافة مجرد ترف فكري بل رافعة للتنمية، تلك الرافعة التي أكدت عليها توصيات المناظرة الأولى حول الصناعات الثقافية التي نظمت بالرباط في 2019، والتي لا تزال مخرجاتها حبرا على ورق.
إن الارتهان الدائم لدعم الوزارة «على علاته» بالنظر الى الميزانية الهزيلة التي تخصص للوزارة الثقافة، يفرض على الناشرين الانتظار، وهو الانتظار الذي طال خاصة أن لجنة دعم الكتاب التي ترأستها الناقدة حورية الخمليشي لم تنه أشغالها، كما أكد لنا ذلك المستشار المسؤول عن التواصل بالوزارة، بالإضافة الى عدم الحسم حتى الآن في لجنة اختيار الأعمال المقدمة لجائزة المغرب للكتاب والتي يعلن عن نتائجها شهري نونبر أو دجنبر من كل سنة.
وبخصوص الدخول الثقافي لهذه السنة ، لخص ذات المسؤول الأمر في كون أن المغرب عرف إقامة مهرجانات سينمائية وموسيقية وعروضا مسرحية خلال الصيف، وسيعرف إقامة احتفاليات بعدد من المدن بمناسبة اختيار الرباط عاصمة الثقافة الافريقية، كل هذا دون أجندة محددة ومضبوطة بالفعاليات التي ستقام ومكانها وتوقيتها.
وفي اتصال لنا بلجنة دعم الكتاب، صرح لنا مصدر من داخل اللجنة أن هذه الاخيرة أنهت أشغالها في بداية غشت وسلمت النتائج للوزارة، وهو ما يتناقض مع تصريحات المسؤول عن التواصل. وأضاف المصدر أنه من بين 700 مشروع دعم المقدمة، تمت الموافقة على عدد من المشاريع ما بين الكتب والمجلات الثقافية الورقية والإلكترونية وإقامات المؤلفين والمشاركة في المعارض الدولية للكتاب، ودعم المكتبات سواء بإحداثها أو تحديثها، وأحجم المصدر عن ذكر أية تفاصيل إضافية لأسباب قانونية يفرضها دفتر التحملات، لافتا الى أن هناك جهات رسمية إدارية هي المخول لها أمر التصريح بالنتائج.
دور النشر التي تلعب الدور المحوري في عملية نشر الكتاب وتداوله، ترى أنه يصعب الحديث عن دخول ثقافي في المغرب لاعتبارات عديدة يتداخل فيها المادي بالبنيوي والخاص بالعام. فسوق النشر، كما ترى الناشرة صفاء والي عن «دار الفنك للنشر»، تواجه صعوبات مادية مع ارتفاع أسعار الورق والطبع، بالإضافة الى تراجع منسوب القراءة الذي يتقلص يوما بعد يوم وهي الأزمة التي تلقي بظلالها على سوق النشر والكتاب. وأضافت الناشرة أن التأخر الحاصل على مستوى النشر داخل الدار راجع الى تأخر دعم الوزارة الذي طال انتظاره بعد مرور جائحة كورونا، مشيرة إلى أن لدى «دار الفنك»، عدة عناوين جديدة باللغتين العربية والفرنسية وفي مختلف الأجناس (رواية، دراسات، شعر) كلها تبقى رهينة الدعم. ولفتت والي إلى أن الدار وجدت نفسها، على غرار العديد من دور النشر، مضطرة لتدبر هذه الأزمة مع الإعلان عن تنظيم الدورة 27 من امعرض الدولي للكتاب والنشر، حيث طبعت على نفقتها 8 أعمال لأهم الكتاب المغاربة كعبد القادر الشاوي و محمد قبلي وماحي بينبين وغيرهم…، كي لا تسجل حضورها فقط بعناوين قديمة مع الإصرار على إعادة طبع رواية «هوت ماروك» للكاتب ياسين عدنان بعد نفادها من المكتبات، معتبرة أن الدار بإعادتها إصدار أعمال سابقة، تعيد الحياة ثانية للعمل بغض النظرعن إقبال النقاد أو القراء أو وسائل الإعلام.
وختمت صفاء والي حديثها بأن دور النشر المغربية اليوم تصطدم بصعوبات التوازن المالي في انتظار دعم الوزارة أو المؤسسات الشريكة كالمعاهد الفرنسية، وهي الشراكات التي تبقى بدورها رهينة السياسات الفرنكفونية وتوجهاتها ، إلا أنها شددت على أن الحلقة الأضعف في عملية النشر برمتها تبقى هي الكاتب الذي يتقاضى أضعف نسبة من العائدات لأن الحصة الأكبر تبتلعها المطابع والموزعون.
عبد القادر الرتناني، رئيس الاتحاد المهني للناشرين بالمغرب ومدير دار نشر ، la croisée des chemins في اتصال هاتفي معه عبر بدوره عن أسفه الشديد على التأخر الحاصل في الاعلان عن نتائج الدعم الوزاري للكتاب، مشيرا الى أنه راسل شخصيا مديرة مديرية الكتاب حول الموضوع، لافتا الى أن منهجية الاشتغال السابقة كانت تتم بمرونة وبالتالي تمنح للناشرين فرصة الاشتغال وتحريك عجلة سوق النشر طيلة السنة. وأضاف الرتناني أن موقف الانتظارية هذا ولما يزيد عن السنتين، لا يساهم إلا في تأزيم وضعية الكتاب بالنشر ببلادنا.
وعن الإصدارات التي تعتزم دار النشر «ملتقى الطرق» طرحها على القراء المغاربة، أكد الرتناني أنه سيتم طرح 25 عنوانا على الاقل منها أربعة إصدارات بالعربية هي: « إشكالات قي الفلسفة  الإسلامية» للباحث إبراهيم بورشاشن،    رواية «هيتَ لك» للكاتب الجزائري أمين الزاوي،   «الآخر بيننا: حورات مع مترجمين ومستشرقين من العالم» لحسن الوزاني،     «ذكريات رحلة إلى المغرب: 1839-1840م.»  لم. راي. ترجمة بوشعيب الساوري، والباقي باللغة الفرنسية تتوزع على مجالات الفكر والرواية والتاريخ والتراث(les beaux livres) ، معلنا أن هذا الإعلان عن جديد الإصدارات سيتم في بداية نونبر بعد انتهاء حمى الدخول المدرسي وتوابعه.
فإلى متى ستبقى الدورة الثقافية برمتها مرتهنة لمنطق الدعم؟ ولماذا لا تؤسس الدولة لإطار قانوني وأخلاقي، وفق معايير وشروط محددة، يجمع بينها وبين الفاعلين في مجال نشر الكتاب، ناشرين وموزعين وكتاب؟


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 03/09/2022