الدكتورة «فاطمة رومات» تتحدث للاتحاد الاشتراكي عن مؤلفها الذي تم اختياره من بين أفضل 20 كتابا في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي

 

الفرحة فرحتان واحدة بالإنجاز المعرفي والثانية بأنني تمكنت من «إقحام»

طلبتي معي في هذه المغامرة العلمية

 

أدلت الدكتورة “فاطمة رومات” (أستاذة العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس) لجريدة “الاتحاد الاشتراكي” بتصريحات تخص مؤلفها الجديد وموضوعه : “الذكاء الاصطناعي والتعليم العالي والبحث العلمي: التطورات المستقبلية”. ويتعلق الأمر، ب”كتاب جماعي” أشرفت على إنجازه ويشارك فيه 2 من طلبتها في “سلك الدكتوراه” إضافة إلى أساتذة باحثين أجانب من مختلف البلدان، على أن تقديم الكتاب أنجزته “رئيسة المعلومة” لكل البرامج ل”اليونسكو”، وصرحت بمناسبة خروج هذا المؤلف إلى الوجود قائلة: “الفرحة فرحتان، واحدة بالإنجاز المعرفي والثانية بأنني تمكنت من “إقحام” طلبتي معي في هذه المغامرة العلمية”.
ويتحدث الكتاب، الذي وكما ذكرنا موضوعه أعلاه: “الذكاء الاصطناعي والتعليم العالي والبحث العلمي: التطورات المستقبلية”، وعن “مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في المغرب اليوم… وما هو المطلوب لتقوية حضوره في القطاعات الأساسية في بلادنا”، مذكرة أن المطلوب “وضع استراتيجية وطنية للتعليم ترتكز على الذكاء الاصطناعي” و”ضرورة أن يستخدم في كل المجالات ويدرس لكل المستويات التعليمية وفي مختلف التخصصات”.
للتذكير، لا تعد هذه المحاولة العلمية الأولى على شكل مؤلف للدكتورة “فاطمة رومات”، بل سبقتها واحدة عبر إنجاز مؤلف تمت مراجعته من طرف “جامعة أوكسفورد” و “جامعة هولندية” أخرى، بالتعاون مع دار النشر “سبرينغر” (Springer)، على أنها توقعت أن الكتاب الجديد تمت مراجعته من طرف “أوكسفورد” كذلك.
جاءت فكرة المؤلف (كما ذكرت للجريدة) من “فترة مشاركتها في صياغة “التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” التي شاركت في صياغتها أثناء تمثيلها للمغرب ضمن مجموعة مكونة من 24 خبيرا قسمت إلى 3 مجموعات مصغرة، اشتغلت كل واحدة على صياغة جزء من “مشروع التوصية”. كلفت بصياغة الجزء الأول (الديباجة) مع بعض الزملاء، وكان ذلك ضمن المجموعة المصغرة الأولى، وأيضا شاركت ضمن المجموعة المصغرة الثالثة التي أسند إليها “صياغة التدابير والإجراءات السياسية”. ضمن هذه المجموعة المصغرة، كلفت ب”صياغة التدابير والإجراءات” المتعلقة بعدد من المواضيع أهمها “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي”. بعد ذلك، ونظرا للتحديات الكبيرة التي يطرحها “الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي” و”التأخر الكبير” الذي لاحظته في هذا القطاع ببلدنا من منطلق كونها أستاذة جامعية، قررت إنجاز هذا الكتاب طبعا في إطار “المعهد الدولي للبحث العلمي” الذي تترأسه.
على ذكر مجال اهتمامها، ترى الدكتورة “فاطمة رومات” أن : “الذكاء الاصطناعي له أن يكون الجسر لخلق فرص جديدة في مجالات الصحة والتعليم والنقل والثروة، ما سيرفع بكل تأكيد من مستوى النمو الاقتصادي. يمكن استخدامه أيضا، لحل القضايا الاجتماعية الملحة مثل “الحد من التلوث البيئي” و”ضمان الأمن الغذائي” وغيرها… لكن، بقدر أهمية “الآثار الإيجابية للذكاء الاصطناعي في كل المجالات التي تصب في النهاية في إطار “ضمان الحقوق الأساسية والاجتماعية والاقتصادية للأفراد”، بقدر ما نلاحظ أنها تعمل على “تعزيز دور الشركات متعددة الجنسيات مقابل تراجع دور الحكومات”، لاسيما في مجال مثل التعليم الذي فتح باب الخوصصة فيه على مصراعيه، حيث يعلم الجميع أن هدف الشركات ربحي محض، في حين أن ضمان الحقوق بما في ذلك “الحق قي التعليم” هو مسؤولية الدول.
هنا، يطرح تحد أساسي هو ضرورة “ضمان الحق في الأنترنيت للجميع”، والذي يعتبره “ميثاق الحقوق والمبادئ على شبكة الانترنيت” من “الحقوق الأساسية” التي أصبحت ترهن الحق في التعليم. لكن الأمر أصبح أكثر صعوبة وتعقيدا في عصر الذكاء الاصطناعي، لأن الأفراد (المعلمين والمتعلمين) أمام خيارات تحددها الشركات لا الدول الملتزمة تجاه الأفراد بمقتضى “العقد الاجتماعي”. في هذا السياق، تندرج “أهمية” “التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” الصادرة عن المؤتمر العام لليونسكو في دورته 41 المنعقدة في شهر نونبر 2021، والتي تعتبر “أول آلية معيارية دولية” من شأنها أن تعزز العمل على “وضع التشريعات والسياسات والاستراتيجيات الوطنية الكفيلة بضمان التعليم للجميع في عصر الذكاء الاصطناعي”.
ومنه، فإن “أهم ما جاءت به التوصية في ما يتعلق بالتعليم، ضرورة ضمان استفادة هذا “القطاع” بكل مستوياته من تكنولوجيا “الذكاء الاصطناعي” ومواجهة المخاطر التي يطرحها، والدراية ب”ماهية التدابير والإجراءات التي يتعين على الدول اتخاذها للتقليص من هذه المخاطر، وضمان التعليم للجميع”. لهذا، فإن تناول هذا الموضوع، ينبغي أن يستند إلى نقطتين أساسيتين: 1-ما يتعلق بالمخاطر التي حذرت منها التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، 2- ما يرتبط بالتدابير والإجراءات ضمن هذه التوصية التي يتعين على الدول اتخاذها لجعله في خدمة التعليم مع التقليص من مخاطره.

الذكاء الاصطناعي.. هل من مخاطر على التعليم؟

بخصوص اندماج التعليم بمستوياته ككل مع الذكاء الاصطناعي، بغية التعزيز من جودته والارتقاء بالمنظومة التعليمية المغربية (خاصة) لمستويات أكثر تطلعا وريادة، ينبغي الإشارة في المقام الأول إلى نقطة مهمة تخص دمج هذين المجالين، وتتعلق بحصول مخاطر قد تمس ب”النظام التعليمي” (لا قدر الله) حيث حذرت “التوصية” من “احتمال استخدامه للتلاعب بأوجه التحيز المعرفي الموجودة لدى البشر واستغلالها”. ولهذا، ركزت الدكتورة على “ضرورة تعزيز أمان أنظمة الذكاء الاصطناعي وتيسير استخدامها في مختلف الظروف”، كما نصت على “ضرورة ضمان حماية البيانات” بما فيها تلك التي ينتجها الأطفال أثناء التعلم عن بعد وأثناء الاستمتاع بالألعاب الإلكترونية.. لكون “الأنظمة الذكية” المضمنة في “المنصات التعليمية” وفي “الألعاب الإلكترونية” قادرة على خلق “بروفايلات عديدة” للطفل و”التنبؤ بتوجهاته الفكرية والعقائدية” في المستقبل، انطلاقا من تحليل البيانات التي ينتجها الطفل أثناء التعلم أو اللعب أمام الشاشات، بما في ذلك القدرة على “قراءة وتحليل تعابير الوجه”.
إن “التعليم عن بعد”، الذي سرعت به الجائحة والمستمر في المستقبل، يجعل “المتعلم” في مواجهة مباشرة مع “مخاطر الذكاء الاصطناعي” لأن معظم “الوسائل التكنولوجية” و”المنصات التعليمية” مزودة بأنظمة تحتويه. وبالتالي، تتجلى أبرز المخاطر في “آثار التفاعل بين هذه الأنظمة من جهة والمتعلمين من جهة أخرى”. يزداد الأمر خطورة، بالنسبة للأطفال الذين يمضون ساعات طوال أمام ما تقدمه هذه الأنظمة من مزايا التعلم واللعب سهلة الوصول، مع ما لذلك من آثار على “الصحتين النفسية والجسدية” للطفل، وما يعقبها (معظم الحالات) من “إدمان” و “عزلة اجتماعية” وغيرها من الآثار متفاوتة التوقع لهذه التفاعلات بين المتعلمين (الصغار خاصة) وهذه الأنظمة. هنا، يأتي دور التوصية، التي تتضمن العديد من “التدابير والإجراءات” التي يتعين على الدول تطبيقها على مستوى “التشريعات” و”السياسات العمومية” وكلها تصب في إطار “جعل الذكاء الاصطناعي في خدمة التعليم” ومع “ضمان” وصول جميع الأفراد لهذا الحق ب”اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين وعدم التمييز بين الأفراد تكون تشاركية بين كافة الفاعلين على المستوى الوطني والدولي”.

اللعب والتعلم.. لخوض غمار بحر الذكاء الاصطناعي

يؤكد الخبراء في “الذكاء الاصطناعي”، أن “اللعب” هو “وسيلة طبيعية للتعلم” بحيث يمكن أن تكون الألعاب مكملة ل”التعلم الأكاديمي” ومساهمة في بناء شخصية الطفل. كمثال على ذلك، لعبة “بوكيمون غو” (Pokemon Go) (استقطبت 50 مليون مستعمل في 19 يوما فقط.). تكمن أهمية إدراج هذه التكنولوجيا في التعليم، في كونها “تضمن إشراك الجميع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة”، وذلك بتوجيه المتعلمين إلى هذه الأهداف بالاعتماد على بياناتهم وما يسمى ب”الذكاء الاستباقي”، الذي يمكن الحكومات من الوصول إلى كل البيانات بما فيها “تفاعلات البشر العاطفية” عبر تقنية “قراءة تعابير الوجه والتعرف عليه”، والتي تمكن الدول من “ضمان الأمن والاستقرار الداخلي” على غرار التنبؤ بالاحتجاجات.
في هذا السياق، نصت “التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” على “ضرورة احترام سيادة الدول على بياناتها”، كما دعت الدول إلى ضرورة إخضاع أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في مجال التعلم لمتطلبات صارمة في ما يخص “الرصد” و”تقييم القدرات” و”التنبؤ بسلوك المتعلمين” و”الحرص على عدم انتزاع المعلومات الحساسة” وفقا للمعايير المتعلقة ب”حماية البيانات الشخصية”، وتفادي “إساءة استخدام البيانات التي تقدم من أجل اكتساب المعارف”، وتجمع خلال تفاعل المتعلمين مع نظم الذكاء الاصطناعي وعدم الاستحواذ عليها بالطرق غير المشروعة، و “عدم السماح باستغلالها لأغراض كانت “إجرامية” أو “إعلانية – تجارية”.
ترى “فاطمة رومات” بأن “الذكاء الاصطناعي قد ارتقى بقطاع التعليم من مجرد قطاع يسهر على ضمان الحق في التعليم لكل الأفراد إلى “مجال سيادي” يرهن سيادة الدول المستخدمة له، ويجب أن ينظر إليه على هذا الأساس، وأثناء “تشكيل الحكومات” وعلى مستوى “قوانين المالية والميزانية” المخصصة له”. وتذكر الباحثة أيضا ب”أهمية المبادرات الفردية” لبعض الأساتذة والأستاذات داخل الجامعات المغربية (خاصة في كليات العلوم)، الذين يعملون على توجيه طلبة البحث العلمي المهتمين بالذكاء الاصطناعي وتأطير بحوثهم الجامعية، حتى في “الغياب التام لأي دعم مادي” لهؤلاء الباحثين الشباب، الذين اختاروا خوض هذه “المغامرة الصعبة” ومن منطلق أساسي هو وطنيتهم وحبهم لهذا البلد، منتظرين (و معهم نحن) وضع “استراتيجية تعليم معتمدة على الذكاء الاصطناعي” و”خلق البنية التحتية التكنولوجية المعتمدة على خارطة طريق “واضحة” كفيلة بجعل قطاع التعليم “قطاعا سياديا”.


الكاتب : إعداد: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 28/01/2023