الدكتور ” أوغور شاهين” و لقاحه، الوافد الجديد على طاولة اللقاحات المنتظرة لمجابهة فيروس كورونا المستجد

 

لقاح “بيونتيك” الألمانية، هل هو درع “أيغيس” المنشود ضد كوفيد-19؟

 

استفاق العالم بداية الأسبوع، على خبر مفرح فيما يخص اللقاح المرتقب لفيروس كورونا المستجد، حيث أعلنت كل من شركة “بيونتك” الألمانية، و شركة “فايزر” الأمريكية، في إطار شراكتهما البحثية، عن وصول الشركة الألمانية، إلى لقاح فعال بنسبة تقارب 90%، يحمل اللقاح إسم “بي-إن-تي 162 بي 2 “، الذي بدأت المرحلة الثالثة و الأخيرة من التجارب السريرية عليه، في نهاية يوليوز الماضي، على ما يفوق 43 ألف متطوع، كما من المقرر أن توفر كلتا الشركتين، جميع معطيات التجارب السريرية في المرحلة الثالثة، لكي يتمكن العلماء و المختصون من الاطلاع عليها.

وللتذكير، فإن شركة “بيونتك” الألمانية، و المتخصصة في الأساس  في مجال التكنولوجيا الحيوية، مملوكة لكل من الزوجين من أصول تركية “أوغور شاهين” ذي 55 عاما، الطبيب و رئيس مجلس إدارة شركة “بيونتك”، وواحد من أغنى 100 رجل في ألمانيا، وأيضا لزوجته و زميلته في العمل “اوزليم توريتشي” ذات 53 عاما، تشغل منصب باحثة في الشركة و عضو في مجلس إدارتها كذلك، أي أنهما الآن على رأس شركة مهمة، توجهت إلى لعب دور أساسي في ابتكار لقاحات محصنة ضد كوفيد-19، يبلغ رأس مالها قرابة 21 مليار دولار، مقارنة ب4.6 مليار دولار السنة الفائتة.

 

 

 

يعتمد اللقاح الجديد، في طريقة عمله على مقاربة علمية، تدعى ب”إم-آر-إن-إيه” او “mRNA”، وهي مقاربة جديدة للحماية من الفيروس و الإصابة به. فخلافا لجل اللقاحات التقليدية المتداولة، التي تسعى إلى تأقلم الجسم و تعرفه على البروتينات المسؤولة عن إنتاج العامل أو العوامل المرضية، و من ثم قتلها والتخلص منها، فإن مقاربة “إم-آر-إن-إيه” او “mRNA”، تقوم بخداع النظام المناعي لدى المريض، وإجباره على إنتاج بروتينات الفيروس بنفسه، غير أن هذه البروتينات و للتذكير ليست مؤذية، كما أنها تؤدي دورها في تطوير استجابة مناعية قوية للفيروس.

بالنسبة لمدى أمان اللقاح الألماني – الأمريكي، فقد ذكرت الشركتان في بيان لهما، بأن اللقاح ليست له أية آثار جانبية خطيرة مرتبطة بسلامة المريض، وأضافتا في نفس البيان، أن الدراسة المخبرية على اللقاح، قد أكدت فعاليته بنسبة قرب من 90%، في ظرف سبعة أيام من الجرعة الثانية، أي بعد ما يدنو من 28 يوما عن الجرعة الأولى. وقد ذكرت شركة فايزر أيضا، أنه و بناءً على التوقعات الحالية، المتوقع أن ينتج ما يصل إلى 50 مليون جرعة لقاح على المستوى الدولي في 2020، على أن يصل الرقم في سنة 2021 إلى 1.3 مليار جرعة.

يذكر أن السيد شاهين، و بالرغم من ثروته الهائلة، إلا أنه يتصف من قبل زملائه في العمل، بالرجل “المتواضع والأنيق”، كيف لا وهو ابن رجل متواضع كذلك. سعى شاهين إلى تحقق حلم طفولته، المتمثل في دراسة الطب و الاشتغال كطبيب، ليحصل على فرصة تحقيق هذا الحلم، بعد انتقاله في سن 4 سنوات، من بلدة “إسكندرون” التركية إلى مدينة “كولونيا” الألمانية، حيث عمل والده في مصنع شركة “فورد” في المدينة، غير أن ابنه درس في جامعتها تخصص الطب، و عمل في المستشفيات التعليمية بها، علاوة على مستشفيات مدينة “هومبورغ”، هناك حيث التقى رفيقة دربه و زوجته الحالية، و يتحول البحث الطبي و دراسة الأورام إلى شغف مشترك بينهما.

يقول “ماتياس كروماير”، أحد زملاء السيد شاهين، وعضو مجلس إدارة شركة “ميغ آغ” الاستثمارية، التي دعمت صناديقها الاستثمارية شركة “بيونتيك” الألمانية، خلال لقاء معه في سنة 2008 : “على الرغم مما يمتلكه، أي كل إنجازاته الطبية التي حقق منها ثروة مهمة، إلا انه لا يزال كما عهدناه في الماضي، رجلا أنيقا بشكل جذاب و متواضعا إلى أبعد الحدود”. إن شغف الزوجين، بمجال البحث و بعملهما، أثر أيضا على مناحي حياتها الشخصية، فبحسب ما صرحت به زوجة السيد شاهين، فإنهما و حتى يوم زفافهما سنة 2002، ظلا يعملان في الشركة، و لم يخصصا سوى نصف ساعة لتوقيع أوراق الزواج و إتمام الإجراءات المتعلقة به.

يشكل الزوجان العالمان معا، ما يعرف ب”فريق الأحلام”، فعلاوة على تخصصهما الأكاديمي الطبي، فهما يعتبران أيضا مقاولين معروفين، إذ أسسا في سنة 2001 شركة “غانيميد فارماسوتيكل”، المتخصصة في تطوير الأجسام المضادة لمكافحة السرطان أو المرض الخبيث كما يسميانه، لتلفت مقاولتهما أنظار شركة “أستيلاس” اليابانية، وتستحوذ عليها الأخيرة في سنة 2016 مقابل 1.4 مليار دولار، غير أن الفريق الأصلي للشركة لم يتوقف في تلك الفترة، فقد كان بصدد إنشاء شركة “بيونتيك” التي أسس لها سنة 2008، هذا بغرض متابعة الأبحاث و التوسع سواء فيها أو في مجال عملهم.

بدأت قصة توجه شركة بيونتيك الألمانية، إلى الاهتمام بالفيروسات بشكلها أو قوامها الحالي، عندما اطلع الدكتور شاهين بالصدفة، على مقال نشره موقع “ذي لانسيت” بعنوان “الالتهاب الرئوي الغامض في الصين”، حول فيروس كورونا، الذي كان لا يزال مبهما و غامضا في الصين، في ورقة علمية نشرها الموقع في شهر يناير الماضي، و لتسترعي هذه الورقة انتباه السيد شاهين، إذ صرح بخصوصها في برنامج “في-آر-إم” : “لقد وصفت الورقة البحثية، هذه العدوى الفيروسية المسببة للالتهاب الرئوي الحاد الغامض، بدرجة من القلق لم أتمكن من غض الطرف عليها، حيث بت متأكدا من أن العدوى لن تبقى محلية لوقت طويل، و إنما ستنتقل في فترة وجيزة إلى حالة “الجائحة” “.

على إثر ما قرأه في الورقة البحثية، عمل الدكتور شاهين رفقة مجلس الإدارة، على توزيع موارد الشركة من العلماء، ما دعاه في شركة ثلث مناصبها حاليا تشغلها النساء، ليوفر 500 منصب إضافي في شركته، في خطة عمل أطلق عليها اسم “سرعة الضوء”، بغية العمل على عدة مركبات محتملة مضادة للفيروس، لتسفر التجارب المخبرية، التي أشرف عليها فريق من 40 موظفا بعد عدة محاولات،  على التوصل لما يقرب من 20 لقاحا واعدا، اختير من بينها لقاح “بي-إن-تي 162 بي 2 “، الذي حقق نسبة نجاح تقرب من 90% و ليتحول بين عشية وضحاها، إلى درع “أيغيس” المنشود لمواجهة كوفيد-19.

على إثر هذا الإعلان، قررت شركة “بيونتيك” الألمانية، الاستعانة بخدمات نظيرتها الأمريكية “فايزر”، بغية تسريع عملية البحث و التطوير للقاح الجديد، من اجل البدء في إنتاجه في فبراير 2021،  لتصبح الشركة الأمريكية التي يملكها الأمريكي من أصل يوناني “آلبر بوغلا”، شريكا في إنتاج اللقاح، علاوة على شركة “فوسن” الصينية، لينتقل على إثر هذا الإعلان كل من الزوجين الطبيبين، بحسب مجلة “فوربس” إلى قائمة “مليارديرات العالم”، غير أن ما ذكرته فوربس لم يغير شيئا من طباعهما، فلا يزالان ذلك الثنائي المتواضع، غير المكترث بالمظاهر والشغوف بالعلم.

 

(المصدر : نشرة قناة LCI المسائية / موقع قناة الجزيرة)

 


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي