الدكتور ابراهيم رشيدي، عضو الكتابة الجهوية للحزب بجهة الدارالبيضاء سطات لـ «الاتحاد الاشتراكي»

مجلس المدينة و«ليدك» وسلطات الوصاية يتحملون المسؤولية فيضانات الدار البيضاء

 

أصبح سيناريو غرق أزقة وشوارع مدينة  الدارالبيضاء مألوفا، وبات مشهد المواطنين وهم يواجهون المياه التي تلج منازلهم عنوة وتتلف ممتلكاتهم طقسا سنويا تتكرر تفاصيله كل موسم شتاء، فتتعطل حركة السير وتُشلّ الطرقات وتتضرر المرافق العمومية والخاصة، وتتداعى الدور الآيلة للسقوط، متسببة في وفيات وفي إصابات مختلفة، لتتحول العاصمة الاقتصادية والقطب المالي للمغرب إلى مدينة قاتمة يلفّها الحزن واليأس، ويصطدم الجميع بصور تؤكد بدونتها وتكشف عن حجم الفساد الذي ينخر بنياتها التحتية والإهمال الذي تتعرض له في غياب أية محاسبة لمن ساهموا في تردّي وضعها على مرّ كل السنوات الفارطة وأوهموا ساكنتها بأنها يمكن أن تكون في مصاف المدن الذكية؟
الأمطار الأخيرة التي شهدتها الدارالبيضاء ونواحيها كشفت مرة أخرى عن الوجه البشع الذي تخفيه بعض المساحيق التجميلية، وأعادت طرح الأسئلة المرتبطة بالمسؤولية، وشكّلت فرصة لاستحضار مضامين الخطاب التاريخي للملك محمد السادس في افتتاح إحدى الدورات البرلمانية في أكتوبر 2013. فما الذي تغير بعد هذا الخطاب، وكيف عاشت الدارالبيضاء هذا التردي المتواصل، ومن يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بكبرى حواضر المغرب؟
بعض من هذه الأسئلة، وأخرى تعود بالذاكرة إلى الوراء، بخصوص الكيفية التي تم بها توقيع العقد مع شركة ليدك، ومسؤوليتها اليوم، إلى جانب مسؤولية كل من مجلس الجماعة الحضرية للدارالبيضاء وسلطات الوصاية، طرحتها «الاتحاد الاشتراكي» على الدكتور ابراهيم رشيدي، عضو الكتابة الجهوية للحزب بجهة الدارالبيضاء سطات، محام وأستاذ جامعي، والخبير في الشأن المحلي، الذي تتبع تفاصيل هذا الموضوع منذ بدايته إلى اليوم، وكان لنا معه الحوار التالي:

 

 عاشت الدارالبيضاء ونواحيها خلال الأيام الأخيرة فيضانات تسببت في خسائر مادية وبشرية وأعقبتها ردود فعل كثيرة منتقدة لأداء مكتب ومجلس جماعة المدينة والسلطات المحلية وشركة ليدك وشركات التنمية المحلية، ما هو تعليقكم على ذلك؟

لقد تابعنا في الكتابة الجهوية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعاناة التي تكبدها البيضاويون والبيضاويات خلال الأسبوع  الفارط والجاري، والخسائر الفادحة التي تسببت لهم فيها «الفيضانات»، التي غمرت الممتلكات الشخصية من منازل وسيارات ومحلات تجارية وترتّب عنها تداعي مجموعة من الدور المتهالكة التي كانت مهددة بالسقوط مما أدى إلى تسجيل خسائر بشرية مؤلمة، توزعت ما بين الوفيات والإصابات، مما يجعلنا نتوجّه أمام هذا المصاب بخالص التعازي إلى أسر الضحايا مع متمنياتنا بالشفاء العاجل للمصابين والدعوة لإيجاد حلول لمن يعيشون في قلق كل يوم خوفا من سقوط مساكنهم .
هذا الوضع الذي عشناه جميعا خلال هذه الأيام الأخيرة لا يعتبر بالأمر المفاجئ ولا بالجديد، لأن مشاهده تتكرر باستمرار. وقد لفتنا الانتباه إليه مرارا كما عبرنا في حينه عن تضامننا المطلق مع الضحايا سواء بمدينة الدارالبيضاء أو المحمدية  والضواحي، الذين تكبدوا خسائر كبيرة مادية والمعنوية، بسبب العيوب التي كشفتها الأمطار التي تهاطلت على المدينة.

 من ترون أنه يتحمل المسؤولية المباشرة فيما آلت إليه الأوضاع بالعاصمة الاقتصادية؟

إن المسؤولية فيما وقع، خاصة خلال الأسبوع المنصرم، سواء بمقاطعات العاصمة الاقتصادية الـ 16 أو بضواحيها تتقاسمها ثلاثة أطراف:
أولا، شركة «ليدك» المفوض لها تدبير قطاع  الماء والكهرباء والتطهير السائل بمدينة الدار البيضاء والتي تتقاضى بموجب الخدمات التي تقدمها مبالغ مالية طائلة من جيوب البيضاويين ومن المستثمرين الخواص والمنعشين العقاريين.
ثم مجلس مدينة الدار البيضاء الذي يعتبر المسؤول الثاني، لأنه السلطة المفوضة لخدمات الماء والكهرباء والتطهير السائل منذ سنة 1997 أولا، كما أنه ينتخب لجنة خاصة تسمى لجنة تتبع صندوق الأشغال لتتبع ومراقبة مشاريع «ليدك». ونذكر هنا بأن المجلس قد سمح لشركة ليدك باقتراض مبالغ مهمة عن طريق بورصة الدار البيضاء وصلت إلى 96 مليار سنتيم ويجب معرفة أين تم صرفها، خاصة أن هذا القرض قد تم التأكيد لحظة تصويت المجلس على الترخيص لشركة ليدك به، على أنه سيخصص لإنجاز أحواض مائية لتجميع مياه الأمطار. إن مسؤولية مجلس المدينة قائمة أيضا، خاصة أنه قد اقترض كذلك أزيد من 220 مليار سنتيم من البنك الدولي من أجل تطوير البنيات التحتية في المدينة، لكن ما نلاحظه هو تعثر إنجاز مجموعة من المشاريع بالدارالبيضاء.
ثالثا، تقع المسؤولية أيضا على سلطات الوصاية لأن بنود الاتفاق المؤثثة لعقد التدبير الخاص بشركة ليدك مع المجلس الجماعي البيضاوي، قد حددت شرط مراجعة العقد الرابط بينهما لمدة 30 سنة، مرة في كل خمس سنوات، إلى حين انتهاء أجل المدة الانتدابية لهذه الشركة بهدف تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل. هذا الشرط لم يتم احترامه من لدن الجهة المفوضة أي مجلس المدينة، وهنا يجب على سلطات الوصاية التدخل لحمل الشركة على مراجعة العقد وكذا تدبير مدى التزامها بالعقد المبرم.
لقد نادى جلالة الملك في جميع خطاباته بربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يجب تفعيله، لأن ما وقع يعتبر فضيحة جعلت العالم يكتشف هشاشة البنيات التحتية بالعاصمة المالية والقطب المالي الأول في إفريقيا الذي غرق بعد ساعة من التساقطات المطرية.

  وقفتم ضد تفويت قطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل لشركة ليدك بعد فيضانات 1996، لنذكر القراء بهذا الموقف ودوافعه، وما هو تقييمكم اليوم بعد 24 سنة؟

لقد بدأت هذه القصة برسالة بعثتها وزارة الداخلية للمجموعة الحضرية التي كان يترأسها الأخ عبد المغيث السليماني صهر وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري والتي جاءت في نونبر 1995، ولم نتعرف عليها حتى شهر يوليوز 1996. هاته الرسالة تقول إن هذه الشركة التي كان يترأسها «جيرومونو» المدير العام لشركة «لا ليونيز دي زو»، والذي كان في نفس الوقت المستشار السياسي للرئيس جاك شيراك طيلة مدة رئاسته للجمهورية الفرنسية، بأنها مهتمة بالتسيير المفوض للماء والكهرباء بالدار البيضاء محل «لاراد».
لم نكن نعلم بهذه الرسالة وفحواها، إلى أن جاء موعد اجتماع لجنة الداخلية في البرلمان، وكان وزير الدولة في الداخلية المرحوم ادريس البصري يشغل آنذاك منصب وزير الدولة في الداخلية والإعلام، وإذا به يأخذ الكلمة ويقول بأن منتخبي اليسار بالدارالبيضاء يعطّلون عمل المجموعة الحضرية وخير دليل هو أن إحدى الشركات الدولية، تقدمت بطلب التسيير المفوض للماء والكهرباء والتطهير ولم تتوصل بالرد.
حينها أخذت الكلمة وقلت له: السيد وزير الدولة أعتقد أنك تقصدني بالحديث وتوجه لي الخطاب – وكنت أجلس عن اليمين إلى جانب الأخ عبد الواحد الراضي، ويجلس خلفي السي عبد المغيث السليماني الذي كان هو أيضا برلماني – وأضفت : «أنا لا علم لي بكل هذه الأمور، وها هو السي السليماني نطرح عليه السؤال» فقاطعني قائلا: « اترك السليماني ترانكيل…». فقلت له: « أنت وزير الداخلية المفروض أنك تعرف كل الأخبار، ومع الأسف تتهم المنتخبين من اليسار وهم لا علم لهم بالأمر «. خرجنا من اللقاء ونزلت للمرآب صحبة عبد الواحد الراضي، ووقع لي اصطدام ثان مع ادريس البصري.
لم تمر سوى أيام قليلة حتى توصلت باستدعاء كبرلماني من طرف النيابة العامة في إطار حملة التطهير وكنت آنذاك أشغل أيضا مهمة نائب رئيس مجلس جماعة المعاريف ورئيس لجنة التعمير والمحافظة على البيئة. ورغم هذه المناوشات والتهديدات من طرف وزير الداخلية الأسبق إلا أن صمود الفريق الاتحادي بالمجموعة الحضرية آنذاك، واعتراف إدريس البصري أنه كان ضحية مقربين منه، وبتدخل من المكتب السياسي كان يتابع عن كثب هذا الملف وكان يترأس الاجتماعات الخاصة به المرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بمعية إخوة آخرين، تم تكليفنا بدراسة المشروع الذي تقدمت به الشركة الفرنسية «ليونيز دي زو»، حيث ذهبنا إلى منزل البصري بابن سليمان، وأعطيناه جميع المعطيات والتعديلات التي جنّبنا من خلالها سكان الدار البيضاء كارثة كبرى، ووفرنا ما يزيد عن 300 مليار سنتيم في 30 عاما، أي أن 10 ملايير في السنة كانت ستذهب إلى خزينة «ليديك» .
لقد  تم قبول تعديلاتنا، وجاء الوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي مع وزير الداخلية، وأمام الحاضرين في ولاية الدار البيضاء شكر الفريق الاتحادي باسمه آنذاك، على الدراسات والاجتهادات التي قدمها في هذا الملف.

 ما هي أبرز العيوب التي تضمنها دفتر التحملات مع الشركة؟

إن تقارير الافتحاص التي أنجزها قضاة المجلس الأعلى للحسابات كشفت عن العديد من الاختلالات في تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير من طرف شركة «ليدك»، كما وقفت عند قصور في مراقبة وتتبع الأشغال من طرف مجلس المدينة، ومن بين الاختلالات التي كشفها قضاة المجلس الأعلى للحسابات أن شركة «ليدك» لم تصرح بمبالغ استخلصتها من أزيد من 736 ألف زبون سنة  2009  و 550 ألف زبون سنة  2010، وهو ما يعني أن الشركة لا تعلن عن العدد الحقيقي والإجمالي لزبنائها.
هذه واحدة من عدة اختلالات التي كشفتها تقارير الافتحاص، لكن في غياب مراقبة وخبرة كافية للسلطة المفوضة فإن الحال سيظل على ما هو عليه.

  انتقدت شركة ليدك الجماعة الحضرية للدارالبيضاء، ونحت باللائمة على مسيريها لعدم تخصيصهم الحصة المالية التي ستمكّن من تفعيل مخطط تقوية شبكة التطهير لحماية العاصمة الاقتصادية خلافا للشركة التي وضعت حصتها رهن الإشارة. فهل هذا «الاتهام» صائب لتبرئة ذمة ليدك أم أنه مجرد محاولة للتملص من المسؤولية؟

هذا التبرير يعتبر واهيا لأنه ليس هناك ما يمنع شركة ليدك من القيام بمهامها الاعتيادية والتدخل الاستباقي قبل تهاطل الأمطار حتى تكون القنوات قادرة على استيعاب الكميات المتهاطلة وتسمح بتصريف المياه دون وقوع خسائر، وهو ما يؤكد غياب العمل الميداني لأنه لو كانت الصيانة والأشغال تتم على قدم وساق لما وقع ما عشناه من مآس.
إن شركة ليدك تتحمل المسؤولية في الشق المرتبط بها كما سبق وأن أشرت، وهذا الادعاء يبقى مجرد رد فعل، لأنه لو كانت الشركة بالفعل حريصة على تجويد «تعاقدها» مع المواطنين لأثارت هذا الموضوع قبل اليوم ونبّهت إليه وسعت إلى حلّ إشكاله.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 14/01/2021

أخبار مرتبطة

كشف مرصد العمل الحكومي عن فشل الحكومة في محاربة الفساد والاحتكار، وعدم العمل على الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية على

  تحت شعار «بالعلم والمعرفة نبني الوطن»، تم زوال يوم الاثنين 22 أبريل 2024 ، افتتاح أشغال المؤتمر 21  ل»اتحاد المعلمين

يعود ملف ممتلكات الدارالبيضاء ليطفو من جديد على سطح الأحداث، خاصة وأن المدينة تتهيأ لاستقبال حدثين مهمين على المستوى القاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *