الرفع من إنتاج وجودة الحليب رهين بالاهتمام بصحة الأبقار الحلوب وسنّ قانون للصحة الحيوانية
تعتبر حماية الرصيد الحيواني الوطني بشكل عام من بين الأولويات الأساسية التي توليها الجهات المختصة أهمية كبرى، من خلال سياسات وبرامج يتم تسطيرها في علاقة بمختلف الشركاء والمتدخلين، كما هو الحال بالنسبة للأبقار نموذجا، التي تشكل العمود الفقري لهذا الملف، إذ يتم الحرص على سلامتها الصحية باعتماد إجراءات مشتركة بين الوزارة الوصية على القطاع والمكتب الوطني للسلامة الصحية والأطباء البياطرة، في علاقة بالفلاحين والمربين، وذلك من أجل ترقيمها وتلقيحها ضد الأمراض ومن أجل الولادة، وتتبع وضعيتها الصحية بشكل عام عن كثب، لكي تتطور سلالاتها ويرتفع إنتاجها من الحليب ومشتقاته ومن اللحوم الحمراء، وللحفاظ على هذا المكوّن الأساسي من مكونات الأمن الغذائي للمغاربة.
لتسليط الضوء على المجهود الصحي الذي يتم بذله للحفاظ على الأبقار الحلوب تحديدا، التقينا ونحن نعدّ هذا الملف بالدكتور بدر طنشري الوزاني، وهو طبيب بيطري في القطاع الخاص، ورئيس المجلس الوطني للهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، وطرحنا عليه مجموعة من الأسئلة قصد الوقوف بشكل دقيق على الأمراض التي تتهدد صحتها، وكيف يتم تتبعها، والتدابير التي يتم القيام بها لتجويد هذا القطاع.
p تكون الأبقار عرضة للعديد من الأمراض، فما هي أبرزها وكيف تتم حمايتها منها؟
n هناك العديد من الأمراض التي تتهدد صحة وسلامة القطعان بمختلف أنواعها وضمنها الأبقار، سواء تعلّق الأمر بالأمراض المعدية أو غيرها التي يحرص الطبيب البيطري على تشخيصها وعلى تقديم العلاج المناسب لها عند حدوثها، إلى جانب مهامه الأخرى المرتبطة بالتدابير الاستباقية التي تقوم على الوقاية من خلال التلقيح، وكذا ما يرتبط بالتخصيب وتتبع الحمل وصولا إلى مرحلة الولادة
ويقوم الطبيب البيطري بمهمته، لاسيما في ارتباط بالأمراض المعدية، بناء على نيل انتداب صحي بناء على قرار الوزير الوصي على قطاع الفلاحة، طبقا للفصل 2 من القانون 21.80 المتعلق بممارسة الطب البيطري والجراحة والصيدلة البيطرية بصفة حرة، حيث يكون ملزما بالإشعار عن كل الحالات المشكوك في إمكانية أن تشكل تهديدا صحيا، كما هو الحال بالنسبة بالتبليغ عن وجود كلب مصاب بداء السعار في محيط ضيعة من الضيعات نموذجا، لأنه في حال عدم القيام بذلك يكون عرضة لعقوبات تختلف طبيعتها وفقا لما ينص عليها القانون والتي قد تصل إلى حد السجن.
وتكون الأبقار مهددة بمرض خطير والمتمثل في الحمى القلاعية، وهو ما يدفع المكتب الوطني للسلامة الصحية بشكل استباقي للقيام ببرمجة حملتين في السنة لتلقيحها وذلك لحماية سلامة هذه الثروة الحيوانية ومن خلالها المستهلكين، حيث انطلقت المرحلة الأولى التي تتم في مطلع شهر مارس قبل أيام، والمرحلة الثانية يتكون في شهر يونيو، ولهذه الغاية يوفر المكتب الأمصال التي يتم بها تلقيح الأبقار.
وإلى جانب هذا المرض الذي يحظى باهتمام الفاعلين في القطاع الحكوميين والمدنيين ومعهم المربين، فإنه ووفقا لاتفاقية بين المكتب الوطني للسلامة الصحية والأطباء البياطرة الخواص يمكن للكسّابين الانخراط في الجهود المبذولة لمحاربة الأمراض بشكل طوعي، كما هو الشأن بالنسبة لمحاربة داء السل وداء البروسيلات الذي هو عبارة عن عدوى بكتيرية تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان، وهي نفس خاصية مرض السل، حيث يمكن للمواطنين الإصابة بهما عن طريق تناول الحليب ومشتقاته غير المبسترة وغير المراقبة. وفي حال التأكد من الإصابة يتم ذبح الأبقار المصابة في مجازر معتمدة وتعويض أصحابها، وهذه الخطوة تندرج ضمن الجهود المبذولة من طرف الوزارة ومن خلالها الحكومة للتوفر على قطيع سليم خالٍ من الأمراض.
p هذا عن الأمراض المعدية، فماذا عن تلك الخاصة بالأبقار الحلوب تحديدا التي تؤثر على إنتاجها وجودتها؟
n إن الحفاظ على سلامة القطيع وتطوير وتجويد الثروة الحيوانية وإنتاج الحليب يفرض القيام بعدد من التدابير وبذل جهود متعددة لتحقيق هذه الأهداف، ولأجل ذلك تتوفر ضيعات مربي الأبقار التي تعمل بطريقة علمية على عقدة تأطيرية مع طبيب بيطري خاص إضافة إلى تقنيين مختصين، وذلك لمواكبة وتتبع صحة الأبقار وعلاجها من عدد من الأمراض كما أشرت، ومن بينها ما يطال الأبقار الحلوب، كما هو الحال بالنسبة للمرض الذي يسمى بمرض الضرع، الذي يعتبر العدو الأكبر للحليب وللأبقار الحلوب، وهو عبارة عن التهاب معدٍ يصيب ربع أو أكثر من ضرع البقرة، وينتقل ليصيب الأبقار الأخرى، مما يتطلب تدابير جد مهمة في عملية المراقبة وتوفير شروط النظافة في الفضاء الذي تعيش فيه الأبقار وكذا قبل وخلال وبعد عملية الحلب.
وينضاف إلى هذا المرض ما يرتبط بمرض القوائم، ثم ما يتعلق بتدبير عملية التوالد، التي تنطلق منذ الولادة في ظروف جيدة، والحرص على تتبع العجل بعد ولادته، ومراقبة البقرة الأم دوريا، وحين بلوغها 45 يوما تبدأ مرحلة تلقيحها، لأنها كلما تأخرت عن الولادة كلما تقلّص إنتاجها للحليب.
p ما هي الآليات التي يتم اعتمادها في مراقبة وتتبع الأبقار ومعرفة سلالاتها ووضعياتها الصحية؟
n يتوفر المغرب على نظام هو الوحيد من نوعه في القارة الإفريقية، مما يجعله متميزا في هذا الباب، مقارنة بدول أخرى، ويتعلق الأمر بنظام الترقيم، حيث أقدمت وزارة الفلاحة في 2015 فبراير بالقطب الفلاحي لبركان على إطلاق العمل بالنظام الوطني الجديد لترقيم وتحديد مسارات الحيوانات، بالاعتماد على حلقة إلكترونية تعمل بالموجات الإذاعية، بشكل جعل البقرة الواحدة نموذجا، تتوفر على حلقتين واحدة مرئية «عادية» والثانية إلكترونية، تحمل رقما وشريحة إلكترونية تقرأ بواسطة قارئ آلي، ومن خلال هذه الخطوة يتم تسجيل المعطيات الخاصة بالحيوان ومالكه وعنوان الضيعة ونسبه في قاعدة للمعطيات الوطنية للترقيم.
هذه العملية، مكنت وإلى اليوم، من تحسين فعالية تدبير برامج الصحة الحيوانية ومراقبة تطور مؤهلات القطيع وتتبع مسار الأبقار ومنتجاتها خلال كل مراحل الإنتاج والتحويل والتوزيع، وجميع العمليات التي قام بها الطبيب البيطري سواء تلك التي تتعلق بالتلقيح أو غيرها، وبالتالي التأكد من وضعها الصحي وسحب المنتجات المشكوك فيها التي يمكن أن تشكل تهديدا لصحة وسلامة المستهلكين.
p الحديث عن صحة الأبقار يرتبط بطبيعة التغذية التي يتم توفيرها لها، ما هي الخطوات التي تم القيام بها في هذا الإطار؟
n هناك صنفان من منتجي الأبقار الحلوب، الأول يتعلق بالتعاونيات، والثاني يشمل المنتجين الذين يتعاملون بشكل فردي مباشر مع شركات إنتاج وتوزيع الحليب، وقد عملت الدولة من خلال وزارة الفلاحة على تسطير تدابير لدعم تغذية الأبقار الحلوب، ارتباطا بموضوع حوارنا، حيث تم اعتماد إجراءات مصاحبة بعد تعدد الأزمات التي تم تسجيلها داخليا وخارجيا، التي توزعت ما بين الجفاف، والنقص الكبير في المنتوجات الفلاحية والكلأ، والحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى غلاء المواد الأولية التي تدخل في صناعة العلف المركب، ثم جائحة كوفيد التي دفعت الدول للحفاظ على منتوجاتها، وكذا تراجع عدد رؤوس الأبقار، حيث يُطلق في هذا الإطار طلب عروض مفتوح في وجه كل الشركات التي تنتج العلف المركب، وبعدها يتم تحديد لائحة تلك التي حظيت بالصفقة وترسل لوائح خاصة بها حسب مناطق تواجدها، فيتم تسليم شقّ للتعاونيات وشقّ آخر للفلاحين الذين يتم التعامل معه بشكل مباشر.
بعد هذه الخطوة تقوم مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية بأخذ عينات من العلف المسلم للفلاحين للتأكد من توفره على المواصفات المطلوبة حيث يخضع للتحاليل التي تهم تركيبته وجودته تفاديا لكل حالة غش يمكن لها أن تسجل وبالتالي لا تساهم في تحقيق النتائج المسطرة المتمثلة في قطيع بالجودة المطلوبة ووفرة في الإنتاج. وإلى جانب الدعم المخصص للعلف المركب الذي تتحمل الوزارة قسطا ماليا من تكلفته بما يتيح توفيره للفلاح بثمن أقل لتشجيعه على الاستمرار في نشاطه في تربية الأبقار وإنتاج الحليب، فإن هناك دعما ماليا تم تخصيصه كذلك على استيراد الأبقار الحلوب، ونفس الأمر عند ولادة عجل أنثى، وهو ما يعني الاستمرارية والرفع من الإنتاجية، وهي التدابير التي ساهمت بشكل كبير في تجاوز الأزمات التي مرت بها بلادنا بشكل مرن وبأقل التداعيات.
p هل هذا يعني أن قطاع تربية الأبقار الحلوب خالّ من المشاكل ولا يحتاج لتدابير أخرى لتطويره؟
n إن كل ما تم ويتم القيام به، كان له أثره الإيجابي، لكن هناك بعض التدابير التي من شأن العمل بها تطوير هذا المجال بشكل أكبر، خاصة في ظل غياب قانون للصحة الحيوانية، فمثلا بالنسبة للدجاج هناك القانون 49.99 المتعلق بالوقاية الصحية لتربية الطيور الداجنة وبمراقبة إنتاج وتسويق منتجاتها، الذي يعرف ما المقصود بتربية هذه الطيور ويحدد أنواعها، والعدد الأدنى الذي يجب توفره في الضيعات، وطبيعة «الفضاءات» التي تتم تربيتها فيها، والمسافة التي تفصل بين واحدة وأخرى، والخطوات التي يجب اتباعها للتخلص من المخلّفات والمياه المستعملة والجثث وغيرها من الإجراءات الأخرى، خلافا لمجال تربية الأبقار وذلك رغم كل الجهود الكبيرة التي تبذلها الوزارة الوصية على القطاع ومعها باقي الشركاء والمتدخلين، بحيث أن كل شخص يمكنه أن يتدخل في هذا المجال وأن يقوم بتدخلات ذات بعد بيطري كالتلقيح نموذجا، الذي لا يوجد قانون يؤطره، بحيث أصبح الغرباء يقومون بمهام هي ليست من اختصاصهم والتي بكل أسف يمكنّها أن تقوّض المجهودات التي تبذل من خلال أرقام ومعطيات لا تعكس الواقع الفعلي للقطاع.
وانطلاقا مما سبق فإنه من المهم، اليوم أكثر من أي وقت مضى، التوفر على قانون للصحة الحيوانية والرفق بالحيوان، يقطع مع العشوائية ويضمن وضوحا كاملا في تتبع تفاصيل القطاع، سواء تعلق الأمر بالمربين والضيعات أو رؤوس الأبقار ووضعياتهم الصحية والتلقيحية، وغيرها من التفاصيل الأخرى، وهو ما من شأنه تقديم قيمة مضافة على أكثر من مستوى لهذا القطاع الحيوي المرتبط بالأمن الغذائي للمواطنين.