الدكتور حمزة اكديرة لـ «الاتحاد الاشتراكي»: تكامل السياسات الاجتماعية وتوفير الموارد المالية آليتان أساسيتان لإنجاح تعميم التغطية الصحية

أكد على ضرورة دعم الصناعة الوطنية وتقوية صلاحيات ومهام الصيدليات وتحقيق السيادة الدوائية

لقد أبانت الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 عن أهمية التوفر على منظومة صحية قوية متكاملة، يحضر فيها العنصر البشري بقوة على مستوى الكمّ والكيف، وكذا البنيات التحتية من مختلف المستويات، إضافة إلى الصناعة الدوائية، لمواجهة كل التحديات الوبائية عموما ولضمان تلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين.
منظومة قادرة على ضمان السيادة من أجل تصنيع وتوزيع الدواء بشكل سلس ومرن يسمح للجميع بالولوج إليه، وصون كرامة العاملين في المجال، من خلال دعم وتحفيز كل الأطراف المعنية من مصنّعين وموزعين وصيادلة، فضلا عن توفير الدواء بكلفة مقبولة، بعيدا عن كل الملاحظات المسجلة في هذا الصدد.
تعميم التغطية الصحية، وولوج عدد إضافي إلى خانة المستفيدين، يطرح بالضرورة تحديات وإكراهات، نناقش عددا منها مع الدكتور حمزة اكديرة، رئيس المجلس الوطني لهيئة صيادلة المغرب، من خلال الحوار التالي:

n مع الدخول الاجتماعي الجديد، عدد كبير من المواطنين والفاعلين في المجال الصحي تحديدا، ينتظرون إتمام مسارات تعميم التغطية الصحية على 22 مليون مغربي ومغربية. ما هي قراءتكم للأشواط التي تم قطعها والخطوات التي يتم القيام بها في هذا الصدد؟

pp يجب التأكيد أولا على أننا أمام حدث تاريخي متميز، لأن قرارا قويا ومهما من قبيل تعميم التغطية الصحية والذي جاء بتعليمات من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، هو تأكيد على استمرارية التوجه الملكي نحو الدولة الاجتماعية التي ظل جلالته يدعو إليها منذ اعتلائه العرش، وقطاع الصحة هو مكون أساسي في هذا الإطار، ويجب التأكيد على أن بلادنا قد حققت تراكمات عديدة ومهمة في هذا الإطار منذ حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي رحمة الله عليه، واليوم نعيش فصولا جديدة ممتدة على المستوى الاجتماعي.
إضافة إلى ما سبق يجب أن نقف عند الكيفية التي تعاملت بها بلادنا مع الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 التي عرفها العالم والتي كان وقعها ثقيلا على الكثير من المنظومات الصحية بما فيها تلك التي تخص دولا متقدمة مما جعل عدد الضحايا بها يكون كبيرا، لكن في المغرب وبفضل تبصر وحكمة جلالة الملك تم تدبير هذه الفترة الحرجة بكيفية عقلانية رغم محدودية منظومتنا الصحية التي تطرح مشاكل كثيرة يعرفها الجميع. وعليه فقد جاء الورش الملكي وقبله توجيهات ملكية في مناسبات متعددة لإصلاح هذه المنظومة وتقويتها وتطويرها وهو ما انكبت عليه الحكومة مع باقي المكونات الصحية، وضمنها المكون الصيدلاني، حيث تم الاشتغال على القانون الإطار، وخاصة وأن الإشكال الكبير كان يتمثل في غياب رؤية مستقبلية واضحة للمنظومة، وبعد مرحلة المجلس الوزاري سيجد طريقه إلى المصادقة في البرلمان خلال دورة أكتوبر التشريعية بدون شك، علما بأنه أولى أهمية كبرى للموارد البشرية والتكوين وإشكالية الحكامة والرقمنة، وهي كلها عناصر ستساعدنا في ما هو آت، لأنه بدونها سيظل أي عمل يتم القيام به ناقصا.

n هل سيكون القانون الإطار لوحده قادرا على إصلاح أعطاب المنظومة الصحية، خاصة وأن تعميم التغطية الصحية سيرافقه إقبال أكبر على التشخيص والعلاج والدواء، وهو ما يتطلب إمكانيات بشرية ومالية جد مهمة؟

pp لا بد أن يرافق المصادقة على مشروع القانون الإطار وصدروه في الجريدة الرسمية الاشتغال على قوانين تخص كل مكوّن من مكونات المنظومة الصحية، كما هو الشأن بالنسبة للممارسة الطبية، ولمدونة الدواء والصيدلة، وبالنسبة للممرضين وتقنيي الصحة وغيرها من المكونات الأخرى.
قوانين تتفرع عن القانون الإطار مع ضرورة الحرص على أن تكون متكاملة فيما بينها ومنسجمة من أجل بناء منظومة صحية فعالة قادرة على مواجهة التحديات المختلفة وتفادي الأعطاب التي عشناها سابقا، وكما أشرت، فإن في الجائحة الوبائية خير دليل على ما يجب أن تتحلى به من قوة ومناعة، فضلا عن الآفاق التي تنتظرها والتي أشرتم إليها في سؤالكم وعلى رأسها تعميم التغطية الصحية مع ما يرافقها من انتظارات.

n يعتبر الدواء مكوّنا أساسيا من أجل الصحة والعلاج، هل نحافظ على التراكم الإيجابي الذي طبع مسار الصناعة الدوائية المغربية، وما هي السبل الضرورية لتحقيق السيادة الدوائية؟

علينا أن نعتز بأننا في بلادنا نتوفر على صناعة دوائية وطنية مصنفة من حيث الجودة بتصنيف «جودة أوروبا»، وقد كنا إلى وقت قريب نصنّع محليا حوالي 80 في المئة من الاحتياجات الدوائية، لكننا تراجعنا إلى ما بين 57 و 58 في المئة، وهو الأمر الذي يجب تداركه، ولأجل ذلك لا بد من تشجيع هذه الصناعة ومعها المواد الأولية التي تدخل في تركيبة الدواء، وقد تبين لنا خلال جائحة كوفيد كيف أن 95 في المئة من هذه المواد الأولية تصنّع في الهند والصين، وهو ما جعل ضغطا كبيرا يقع عليها، فانقطعت عدد من الأدوية من السوق الدوائية المغربية في حين عرفت أخرى حضورا متباينا.
لقد تبين أن تحقيق السيادة الدوائية أمر لا رجعة عنه، وفي هذا الإطار جاء القرار الملكي بتشييد وحدة لتصنيع اللقاحات في بنسليمان، واليوم هناك نقاش متقدم بين ممثلي الصناعة الدوائية والوزارة الوصية وباقي الأطراف الحكومية المعنية للعمل بشكل مشترك لبلوغ هذا الهدف الوطني، وتجب الإشارة ارتباطا بالسؤال أن قطاع صناعة الأدوية يحتاج إلى دعم قوي فهو يشكل 6 في المئة من الناتج الداخلي الخام الذي مصدره القطاع الخاص و 1.5 من الناتج الخام الوطني، ومن المهم أن يحظى هذا المكوّن بمكانة استراتيجية وديناميكية في القانون الإطار للاستثمار.

n ماذا عن باقي مكونات القطاع الصيدلاني من صيادلة وموزعين؟

pp إن قطاع الصيدلة يضم 3 مكونات كما أشرتم لذلك، المصنعين، الموزعين والصيادلة، وهي تشتغل في تكامل فيما بينها لتحقيق الأمن الدوائي لكافة المواطنين والمواطنات على امتداد تراب المملكة، فإذا كانت شركات الصناعة الدوائية المغربية تعمل بكل جهد ورغم الإكراهات المتعددة للاستمرار، فإن التوفر على الدواء ليس كل شي لأنه يجب أن يصل إلى من هم في حاجة إليه، وهنا تجب الإشادة والتنويه بشبكة التوزيع التي تتوفر عليها بلادنا التي تعتبر مكتسبا مهما ومصدرا افتخار لوطننا، من خلالها يتم إيصال الأدوية إلى 12 ألف صيدلية مفتوحة لاستقبال المواطنين في سائر أنحاء المملكة، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، لمرات متعددة في اليوم الواحد.
هذه الصيدليات تقوم هي الأخرى بدور محوري من خلال الصيادلة وهو دور القرب، حيث توجه النصح والتأطير والتكفل والمصاحبة لحوالي مليون و 250 ألف مواطن يلجون الصيدليات في كل يوم، وهو ما جعلني دائما وفي كل مناسبة رسمية وغيرها، أدعو لكي تولي الحكومة ككل والوزارة الوصية أهمية كبرى لهذا المكون وأن يتم إيجاد الحلول لكل المشاكل المطروحة. إن الصيادلة جزء مهم من المنظومة الصحية في شموليتها من خلال الحضور والتواجد والاستمرارية والفعالية، لهذا يجب تقوية صلاحيات ومهام الصيدليات على غرار ما هو معمول به في عدد من الدول التي لها منظومات صحية قوية ككندا وإسبانيا وفرنسا والبرتغال نموذجا، وتخويل حق الاستبدال للصيدلاني للحفاظ كذلك على الجانب الاقتصادي للصناديق المدبرة للتأمين عن المرض، خاصة مع ولوج 11 مليون مغربي لخدمات التأمين الإجباري عن المرض من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

n هل الخطوات التشريعية ذات البعد القانوني والمالي تستحضر هذه الإكراهات والانتظارات من أجل تمكين المواطن من الولوج إلى العلاج بشكل سلس وبأقل كلفة ولضمان استمرار المرفق الصيدلاني؟

pp يجب التأكيد على أن المواطن وصحته هما محور كل سياسة صحية، والمنظومة الصحية بمختلف مكوناتها حاضرة لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي فالخطوات التشريعية يجب أن تحقق ما ينصّ عليه دستور المملكة من حقوق للأفراد، عامة وخاصة، وأن تستجيب لتطلعات المواطنين عموما وعلى مستوى كل فئة بعينها، باستحضار إكراهاتها والتحديات التي تعرفها.
وبخصوص الصيادلة فإن سن تحفيزات وتفعيلها يعتبر ضرورة ملحة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، كما هو الحال بالنسبة للمصنعين الذين يشتغلون بقوة واستثمروا في الداخل وفي القارة الإفريقية عموما تماشيا والتوجيهات الملكية لدعم الشراكات جنوب جنوب، فالعمل الجبار الذي يقوم به الصيادلة كبير جدا ولكن للأسف بعض الخطوات يكون لها وقع وتداعيات سلبية ومن بينها مرسوم 2014 المتعلق بتخفيض أسعار أثمنة الأدوية، الذي يمكن التأكيد على أنه جاء بشكل سريع وفي غياب دراسة حول مدى انعكاساته على القطاع، علما بأن الصيادلة انخرطوا ولم يكونوا يوما ضد مصلحة المواطن وكل ما يخفف من العب المادي عليه، لكن الوعود التي تم التعهد بها لم تجد طريقها إلى التفعيل وجاءت بذلك هذه السياسة تشملها عيوب، وترتب عنها العديد من التداعيات.

n لكن هناك دراسات أكدت أن عددا من الأدوية هي باهظة وثمنها مرتفع بما بين مرتين و ست مرات مقارنة بفرنسا، إضافة إلى استمرار الضريبة على القيمة المضافة لبعض الأدوية، وهو ما يضرب جوهر وفلسفة الحماية الاجتماعية؟

pp إن استمرار تأدية الضريبة على الدواء هو أمر غير منطقي وغير مقبول بتاتا، علما بأن الدولة قامت بمجهود في هذا الإطار بالنسبة لبعض الأدوية، لكن القرار يجب أن يكون عاما، وفي هذا أنا متفق معك.
وبخصوص أسعار الأدوية، يجب التوضيح بأن الأدوية هي مصنفة ضمن 4 أشطر، الشطر الأول والثاني يشكلان أكثر من 90 في المئة من معاملات الصيدليات وأثمنتها بخسة ولا علاقة لها بأسعار الأدوية في فرنسا. في حين أن الشطرين الثالث والرابع يضمّان بالفعل أدوية أثمنتها مرتفعة ويجب أن يتم بذل مجهود مهم في هذا الإطار، ومن بين الخطوات الممكنة تشجيع المصنعين الداخليين بالنسبة لفئة من الأدوية من أجل تصنيعها بدعم من الدولة.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 13/09/2022