الدكتور عمر فلاحي.. «فلكيٌّ» يقرأ نجوم العيون ، يومياته لا تعرف وقتا مستقطعا

 

عند زيارة عيادته يحس المرء بقيمة المثابرة والاجتهاد من أجل أداء الواجب المهني بنكران ذات.. يتعلق الأمر بالدكتور عمر فلاحي، جرّاح العيون. لحيته الخفيفة وخصلات الشيب القليلة التي علت «فوديه» لا تنبئك بعمره الحقيقي. لكنّ عمر الطبيب لا يقاس بالسنوات والشهور والأيّام. حياة الطبيب معادلة صعبة من الكفاح. طريق طويلة لا نهاية لها. لذا العديد من الأطبّاء يصابون بفقدان ذاكرة الزّمن، تعتقلهم «زنازن» الجامعات والمستشفيات الجامعية والمصحّات الخاصة. حين تقف أمام الدكتور عمر تقرأ في وجهه هذا «التّعب» وانفراط حبّات الزمن كرمّانة شققتها إلى نصفين فتداعت حبّاتها على الأرض. هذه هي حياة الطبيب لا يمتلكها بين يديه، يسرقها منه الزّمن، حتى عندما يجلس الطبيب في قاعة الفحص ليلتقط أنفاسه، يبدأ مخاضا آخر من التحدّي، ويدخل «متاهة» جديدة ربّما قد لا يخرج منها.
في عينيه يقرأ المرء كتابا مفتوحا.. شابّ «شائب» عاشق لمهنة الطب حتى الموت، يعرف ما تخفيه العيون. يبتدئ يومه صباحا ولا ينتهي إلا مع حلول الظلام. لا يطلب وقتا «مستقطعا» لتناول وجبة الغداء أو اختلاس إغفاءة عين أو غمضة جفن. «إسعاف» العيون المريضة لا يعرف ما معنى الانتظار. مرضى ينصرفون ومرضى يطرقون باب العيادة. يدخلون بتكشيرة وينصرفون بأطياف ابتسامات. تغمر المرء سكينة وإحساس بدفء المكان. يشعر وكأنه في طقس عائلي. يكسر المرضى كل الحواجز.. يتبادلون القهقهات بعد الامتلاء بشحنات من الطاقة الإيجابية. عيادة الطبيب لا ينبغي أن تكون مخزنا للألم والأنين، بل فضاء لبث الأمل… .
إنها عيادة لا تشبه العديد من العيادات، لن تبحث عن جرس الباب لترن أولا، وتنتظر قليلا حتى يفتح لك الباب.. لن تنتظر.. ولن ترن الجرس.. ولن تنتظر إذنا بالدخول . الباب المفتوح في وجهك كأنه يرحب بك ويدعوك إلى الدخول. المرضى لا يطرقون الباب، ويدخلون بلا استئذان ومن دون موعد، و لا يجد المرضى أنفسهم غرباء، أحاسيس غريبة تنتابهم وهم داخل بهو العيادة.. من وجد مكانا يجلس ويغرق في التأمّل وهو مندهش: أيّ عطر في هذا المكان؟!
رحلة الانتظار هي لحظة سفر واكتشاف وترقب لرؤية الدكتور ، الجالس في غرفة الفحص، وراء المنظار الذي يراقب «مجرّة» العيون، مثل «فلكي» يقرأ النّجوم. قارئ نجوم العيون شابّ أول ما يراك تنفجر ضحكته.. يستقبلك بثغر باسم.. يدعوك للجلوس خلف المنظار، وهو يسألك: ماذا حصل؟
قبل أن تجيب يتسرب الطبيب عبر ضوء المنظار، يعبر إلى عينيك، يلبس قناع «كشّاف» في رحلة افتراضية داخل قارّة العيون التي يعرف مختلف فجاجها وشعابها المظلمة.. رحلة غطس قصيرة في بحيرة عيون غزتها الحيتان المفترسة.. وهو غطّاس في بحيرات العيون المريضة يعرف كيف يصطاد الحيتان الغازية.


الكاتب : ياسين الزكراوي

  

بتاريخ : 17/03/2021