برنامج «أوراش» لم يكن كافيا لسد احتياجات الشباب العاطل،
وأغلب هذه الوظائف قصيرة الأجل و تفتقر إلى الاستدامة
يشهد المغرب في الوقت الراهن مجموعة من التحديات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت بشكل كبير على حياة المواطنين وأداء الحكومة. التي عجزت في معالجة قضايا مثل البطالة، التضخم، والهجرة الجماعية نحو سبتة المحتلة، تعكس عمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. رغم وعود الحكومة بتعزيز الدولة الاجتماعية، إلا أن الفجوات في السياسات الموجهة للفئات الهشة لا تزال قائمة. بالإضافة إلى ذلك، يأتي مشروع قانون المالية لسنة 2025 كاختبار حقيقي لمعالجة هذه التحديات في ظل التحضيرات الضخمة لاستضافة كأس العالم 2030. في ظل هذه المعطيات، يؤكد الدكتور محمد السوعلي في حوار مع جريدة الإتحاد الاشتراكي على ضرورة إعادة النظر في الإستراتيجيات المتبعة في العديد من القطاعات ،كما يستعرض في ذات الحوار الوضع السياسي والاقتصادي الراهن، و الدولة الاجتماعية، ومشروع القانون المالي لسنة 2025، ودور اليسار وعلى رأسه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في إنجاح الاستحقاقات المقبلة..
pp ما هي قراءتك لأحداث 15 شتنبر الأخيرة التي شهدت محاولة تنظيم هجرة جماعية نحو سبتة المحتلة عبر مدينة الفنيدق، وهل هذه الظاهرة تعبير واضح لفشل السياسات الاجتماعية بالمغرب؟
n يجب قراءة محاولة الهجرة الجماعية نحو سبتة المحتلة في إطارها العام وليس كمجرد نزوة صادرة عن مجموعة من اليافعين والشباب،، ذلك أن تداعيات السياسات الاقتصادية التي أدت إلى تفاقم الفقر والبطالة، هي التي ساهمت بالعديد من الشباب إلى الهجرة بحثًا عن فرص أفضل. في ظل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخيرة في البلاد، تعكس هذه الأحداث عمق الأزمات التي تعاني منها الفئات الهشة، لاسيما الشباب وتكشف هذه الاحتجاجات بوضوح عن التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة في تحقيق مفهوم الدولة الاجتماعية وتطبيق العدالة الاقتصادية والمجالية في مختلف مناطق البلاد.
ومما يزيد من تعقيد الوضع تفاقم البطالة بين الشباب وضعف قطاعي التعليم والصحة، وهو ما جعل هذه القضايا محور الاهتمام في الحوار الوطني حول مستقبل البلاد وآفاق التغيير السياسي. الأزمة الاجتماعية المتمثلة في الفقر والبطالة وغياب الفرص الاقتصادية أدت إلى تصاعد التوترات في المناطق الحدودية حيث يعاني المواطنون من التهميش وغياب التدخل الحكومي الاستباقي.
يتعين على الفاعلين الحكوميين الإقرار بأن أحداث الفنيدق ترتبط أولا وقبل كل شيء بالارتفاع المهول في البطالة. ويجدر بالحكومة وبنا جميعا أن نستحضر إجابة السيد مدير بنك المغرب على سؤال صحفي بخصوص أحداث الفنيدق، حيث قال بأن «أمر هؤلاء الشباب يكمن للأسف في كون نسبة بطالتهم ماضية في الارتفاع إذ وصلنا إلى 48.8 أي بزيادة 3 نقط». لا داعي إذن للتعامل بحساسية مفرطة مع الموضوع كما فعل بعض أعضاء الحكومة محاولين إرجاع رغبة المشاركين في محاولة التسلل إلى سبتة فقط إلى الحملة التي قادها البعض على صفحات الفيسبوك، وإلى احتمال وجود جهات أجنبية وراء ذلك. قد يكون الأمر دفع الحكومة صحيحا، لكنه لا يفسر لوحده التجاوب الكبير الذي لاقته هذه الدعوة، كما أنه لا ينفي وجود إحباط وإحساس بفقدان الثقة وشعور بانعدام أفق ليس فقط لدى الشباب واليافعين، ولكن أيضا وسط العديد من فئات المجتمع.
إن أحداث الفندق تعكس إلى حد بعيد صورة واضحة لانعدام العدالة المجالية والتفاوت الاجتماعي بين المناطق الحضرية والقروية وجاءت نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية لم تستطع معالجة مشكلات الفقر والبطالة. يجب أن ينصب مجهود الحكومة في تعاملها مع الأزمة على معالجة جذور المشكلة، وعلى السعي إلى إعادة الثقة التي وصلت إلى أدناها بين الحكومة والمواطنين، وذلك عبر التصدي لغياب العدالة المجالية والتفاوتات الاقتصادية ومواجهة التحديات الرئيسية الذي يواجهها المجتمع المغربي.
pp هناك إشكاليات كبيرة تخص الشباب والتشغيل في المغرب في ظل غياب الحلول المستدامة، هل يفرض ذلك إعادة تقييم الإستراتجيات المتخذة في هذا المجال؟
n للإجابة على هذا السؤال، ينبغي التذكير بأن الشباب يمثلون حوالي 40% من السكان النشطين في المغرب، إلا أن نسبة البطالة في صفوفهم تتجاوز 20%، وهو ما يعكس فشل السياسات الحكومية في تقديم حلول مستدامة لمعالجة هذه الأزمة. على الرغم من إطلاق الحكومة لبرامج مثل «برنامج أوراش»، الذي يهدف إلى توفير فرص عمل مؤقتة، إلا أن تأثير هذا البرنامج كان محدودًا ولم ينجح في توفير فرص عمل دائمة للشباب. وفقًا للإحصائيات الرسمية، ساهم «برنامج أوراش» في خلق حوالي 100,000 فرصة عمل مؤقتة في عام 2023، لكن هذه الفرص لم تكن كافية لتلبية احتياجات الشباب العاطلين عن العمل، إذ أن أغلب هذه الوظائف كانت قصيرة الأجل وتفتقر إلى الاستدامة.
في المقابل، كانت أهداف الحكومة المعلنة تشمل توظيف المزيد من الشباب والنساء عبر برامج دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، مع التركيز على القطاعات الواعدة مثل السياحة، الطاقة المتجددة، والفلاحة. إلا أن الفجوة بين الأهداف والإنجازات لا تزال واضحة، حيث إن معدل البطالة بين الشباب لا يزال مرتفعًا، ووصلت بعض التقديرات في المناطق الحضرية إلى حوالي 30%. كما أن نسبة مساهمة الشباب في ريادة الأعمال لا تزال منخفضة بسبب نقص البرامج الفعالة لدعم المشاريع الناشئة، وتوفير التمويل اللازم للمبتكرين ورواد الأعمال الشباب.
إضافة إلى ذلك، تعاني برامج التمويل والدعم الحكومي من بطء في التنفيذ، مما يجعل العديد من الشباب يتوجهون إلى الهجرة بحثًا عن فرص عمل أفضل في الخارج. تشير التقارير إلى أن حوالي 30% من الشباب المغربي يفكرون في الهجرة بسبب غياب الفرص المحلية، وهو ما يهدد بفقدان المغرب للكفاءات الشابة، مما يؤثر سلبًا على رؤية التنمية الوطنية في المستقبل.
بالرغم من الجهود الحكومية لتعزيز فرص الشغل وتحفيز الاستثمار في القطاعات الواعدة، إلا أن غياب الحلول المستدامة وزيادة نسبة البطالة بين الشباب يعكسان الحاجة إلى إعادة تقييم الاستراتيجيات الحالية وضمان تنفيذ برامج فعالة تلبي تطلعات هذه الفئة المهمة من المجتمع
pp كيف تقيمون الوضع السياسي الراهن في ظل حكومة اليمين بالنظر للإخفاقات والتحديات في العديد من القطاعات الحيوية؟
n سنناقش في هذا المحور التحديات والإخفاقات التي واجهتها الحكومة الحالية، مع التركيز على القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أثرت بشكل كبير على أداء الحكومة وتجاوبها مع تطلعات المواطنين.
حكومة اليمين برئاسة السيد عزيز اخنوش واجهت مجموعة من التحديات والأزمات التي ساهمت في تراكم الإخفاقات في مختلف الميادين الحيوية، مما أثر بشكل كبير على أدائها العام وتجاوبها مع تطلعات المواطنين. في الجانب الاقتصادي، على الرغم من الجهود الحكومية والوعود بخلق فرص عمل جديدة، فإن معدلات البطالة لا تزال مرتفعة، خاصة بين الشباب، حيث بلغت حوالي 30% للفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة. هذا الفشل في خلق مناصب الشغل المستدامة أدى إلى حالة من الإحباط واليأس بين فئة الشباب التي أصبحت تعاني بشكل متزايد من انعدام الفرص الاقتصادية. أضف إلى ذلك، تفاقم التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية، حيث بلغ معدل التضخم حوالي 6.1% خلال عام 2023، مما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، وخصوصًا الفئات الهشة التي تضررت بشكل أكبر من هذا الوضع الاقتصادي المتأزم.
في المجال السياسي، تعرضت الحكومة لانتقادات واسعة بشأن ضعف الشفافية في اتخاذ القرارات وغياب حوار حقيقي وشامل مع جميع الأطراف، بما في ذلك النقابات والمجتمع المدني. نتيجة لهذا، شهدت البلاد موجات من الاحتجاجات والإضرابات في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والعدل والجماعات المحلية. بطء تنفيذ الإصلاحات السياسية وتعزيز الديمقراطية زاد من حالة السخط الشعبي، حيث لم يتم تحقيق الوعود المتعلقة بتفعيل دور المؤسسات بشكل كامل. من الناحية الاجتماعية، لم تنجح الحكومة في تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية بشكل عادل وشامل، وذلك بالرغم من إطلاق عدة برامج تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة، حيث إن توزيع الدعم لم يصل إلى جميع الفئات الهشة بشكل منصف. الفوارق الاجتماعية ازدادت تعمقا بدلاً من أن تتقلص، مما أدى إلى تفاقم التفاوتات بين الفئات الفقيرة والأغنياء. في الوقت نفسه، يعاني قطاع السكن من أزمة حقيقية، حيث يواجه العديد من المواطنين صعوبات في الحصول على سكن ملائم، وسط ارتفاع مستمر في أسعار العقارات، خصوصًا في المدن الكبرى. والمتوسطة
من الناحية الصناعية، رغم بعض المبادرات الحكومية لتحفيز التصنيع، إلا أن التقدم في هذا المجال كان بطيئًا للغاية، ولم يحقق النتائج المرجوة، خاصة فيما يتعلق بتنويع الاقتصاد. التركيز على بعض القطاعات مثل السيارات والطيران أدى إلى إهمال قطاعات أخرى كان يمكن أن تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي بشكل أكثر تنوعًا. أما في القطاع السياحي، فإن الحكومة فشلت في تحقيق تعافٍ سريع بعد جائحة كوفيد-19. ورغم الجهود المبذولة لإنعاش السياحة، فإن القطاع لا يزال يعاني، حيث لم تعد أرقام السياحة إلى مستويات ما قبل الجائحة، بالإضافة إلى أن البنية التحتية السياحية لم تتحسن بالشكل المطلوب لجذب المزيد من السياح.
في الجانب التواصلي، لم تتمكن الحكومة من التواصل بشكل فعال مع المواطنين حول سياساتها وإصلاحاتها. هذا النقص في التواصل زاد من حالة الارتباك والسخط الشعبي، خاصة في ظل غياب الشفافية الكافية حول القرارات المتخذة. كما أن ضعف تسويق الإصلاحات الحكومية أدى إلى فشل في إقناع الشعب بفوائدها أو بجدوى تنفيذها. وبدلا من أن تنخرط الحكومة في وضع استراتيجية ناجعة للتواصل، اختارت سياسة تنبني على التهجم والتشكيك في كل من يجرؤ على انتقاد أداء بعض أعضاءها، مستعينة في ذلك بوسائط التواصل الاجتماعي وبالمواقع الالكترونية المسخرة لذلك.
في ظل هذه الإخفاقات المتعددة، تواجه الحكومة تحديًا إضافيًا يتمثل في تنظيم كأس العالم 2030، وهو مشروع ضخم يتطلب استثمارات هائلة في مختلف القطاعات. تنظيم كأس العالم يحتاج إلى استثمارات ضخمة ليس فقط في البنية التحتية الرياضية، ولكن أيضًا في قطاعات متعددة تشمل النقل، السياحة، الأمن، والخدمات العامة. المغرب سيحتاج إلى بناء أو تحديث عدد من الملاعب الكبرى التي تستوفي معايير الفيفا، وتكلفة بناء وتجهيز هذه الملاعب تعتبر عالية جدًا، مما يتطلب استثمارات فورية وسريعة لضمان جاهزيتها قبل الموعد المحدد. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الحدث تحسين شبكات النقل العام وتوسيعها، بما في ذلك القطارات السريعة والحافلات وشبكات المترو، لضمان سلاسة التنقل بين المدن المستضيفة.
قطاع الفنادق والخدمات السياحية يحتاج بدوره إلى توسيع سعة الفنادق والمرافق السياحية لاستيعاب ملايين الزوار المتوقعين، مما يستدعي استثمارات ضخمة في بناء فنادق جديدة أو تجديد وتأهيل المؤسسات الفندقية القائمة لضمان تقديم خدمات عالية الجودة. كما أن البنية التحتية الرقمية والتواصلية يجب أن تكون قوية لدعم التواصل السلس بين الجماهير والفرق المشاركة، الأمر الذي يتطلب تعزيز شبكات الاتصالات والإنترنت. على صعيد الأمن والخدمات العامة، يتطلب تنظيم حدث بهذا الحجم تعزيز الأمن وتوفير خدمات عامة متقدمة، مما يستدعي استثمارات في تدريب الكوادر الأمنية وتطوير التكنولوجيا المستخدمة لضمان أمان المشاركين والجماهير.
تراكم الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة الحالية يجعل من الصعب ضمان تحقيق هذه الاستثمارات الكبرى بنجاح. القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وإدارة مشاريع البنية التحتية الكبيرة تتطلب مناخًا استثماريًا مشجعًا واستقرارًا اقتصاديا واجتماعيًا، وهو ما يواجه تحديات كبيرة في ظل استمرار البطالة، التضخم، وتفاقم الفجوات الاجتماعية. مع اقتراب موعد كأس العالم 2030، يطرح السؤال الكبير نفسه: هل الوقت المتبقي كافٍ للحكومة لتنفيذ هذه الاستثمارات الكبرى والنجاح في تنظيم البطولة؟ إذا لم تستطع الحكومة تحقيق هذه المتطلبات في الوقت المحدد، فإن هناك خطرًا بأن تصبح الأزمات الحالية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، أكثر تفاقمًا، مما قد يؤثر على قدرة المغرب في استضافة كأس العالم 2030 بشكل يليق بسمعة البلاد على الساحة الدولية. تنظيم كأس العالم 2030 يتطلب استثمارات ضخمة على جميع المستويات، وهو تحدٍ كبير للحكومة في ظل الإخفاقات المتراكمة. تحسين البنية التحتية، خلق مناصب شغل، وتطوير الخدمات العامة سيكون مفتاح النجاح، ولكن ذلك يتطلب استثمارات مدروسة وتنفيذًا سريعًا.