«بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله المنفرد بالدوام والبقاء والصلاة والسلام على من أرشدنا إلى ما ينبغي أن نكون عليه عند نزول القضاء وعلى آله وصحبه الصابرين في البأساء والضراء.
يقول الله عز وجل في محكم كتابه المبين: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا، إنا لله وإنا إليه راجعون»
ويقول عز من قائل: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» صدق الله العظيم .
الله أكبر ،الله أكبر، الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تشاء إرادة الله سبحانه وتعالى أن يغادرنا إلى دار الخلد ونعيم البقاء علم من أعلام المقاومة والجهاد سي الهاشمي ناضل بن عثمان الذي نودعه اليوم في هذا المحفل المهيب وقلوبنا مكلومة من هول المصاب الجلل الذي لا راد له ولا عزاء لنا في الفقيد العزيز سوى قول الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم «انك ميت وإنهم ميتون «.
فقيدنا العزيز سي الهاشمي ناضل في هذه اللحظة المؤثرة التي نودعك فيها الوداع الأخير مع هذه الصفوة من المؤمنين والمؤبنين والمناضلين في مسيرة الجهادين الأصغر والأكبر ورفاقك في المقاومة والتحرير، بعيون دامعة وقلوب خاشعة ونفوس مكلومة وأفئدة مولعة نتذكر ونستحضر جهادك وأدوارك في حركة المقاومة وجيش التحرير وأنت من الأبناء البررة لمنطقة امانوز بتافراوت التي رأيت فيها النور في أحد الأيام من العام 1932، انخرطت في العمل السياسي الوطني، وكنت دائم الحضور في الاجتماعات التي كانت تعقد يوم الجمعة في بيت علي المانوزي ببوركون للاستماع لنشرة حزب الاستقلال التي كان يقرؤها عليكم محمد الزرقطوني. ثم التحقت بالمقاومة السرية بالدارالبيضاء وعملت إلى جانب محمد الزرقطوني وأحمد شنطر والحسن صافي الدين وابراهيم السكتاني وغيرهم. وكنت من الرواد في الحركة الوطنية التحريرية ومن المناضلين الأوائل الذين يمتلكون سيارة في ذلك الوقت (سيارة شفرولي)، هذه السيارة التي استعملتها في عديد المرات لنقل السلاح وتزويد خلايا المقاومة به.
كما كنت مكلفا بشراء الأسلحة والعمل على تخزينها، ومد خلايا المقاومة بالتبرعات المالية. وكانت عائلتك تملك بعض المحلات التجارية بمدينة الدار البيضاء (محلان تجاريان بطريق أولاد زيان ومحل تجاري بشارع ابن تاشفين) كما كنت تملك بيتا بدرب الكبير، جعلته ملاذا وملجأ ومخبأ للمقاومين القادمين من الشمال.
وبعد اكتشاف أمرك من طرف السلطات الفرنسية، وشروع الشرطة الاستعمارية في البحث عنك، اضطررت إلى إغلاق محلاتك التجارية. فاستقدمت السلطات الفرنسية والديك من تافراوت إلى مدينة الدار البيضاء واستنطقتهما وعذبتهما، إلا أنك استطعت اللجوء إلى مدينة سيدي إفني ولحق بك الحاج بلقاسم مايوحل وسويلم ولد بوعيدة، وهناك فكرتم في تشكيل جيش التحرير بالجنوب فأرسلتم السلاح من مدينة سيدي إفني إلى تامنارت قصبة ايت حربيل، لكن قائد مدينة سيدي إفني بعد تلقيه الخبر، استدعاك وأخبرك بأن أمرك قد انكشف وأنه إما سيرسلك إلى السجن وإما سيسلمك للسلطات الفرنسية. فتوجهت رفقة 12 شخصا في باخرة إلى سجن بجزر الكناري الذي كان أغلبية السجناء به من قبائل ايت باعمران، وكنتم تتوصلون سرا بالسلاح وسط الكسكس. وبعد تسلح كل السجناء طلبتم مقابلة المقيم العام، فتم اللقاء مع الجنرال امزيان. بعدها تم إرسالكم إلى الشمال في باخرة. وحينما وصلتم إلى مدينة تطوان خضعتم للتدريب مع بعض اللاجئين في تطوان. ثم خرجت من تطوان متوجها إلى جيش التحرير في جبهة الريف حيث مكثت في العرائش مدة شهرين وبعدها انتقلت رفقة 30 شخصا وكان معك محمد بنعلي المكناسي حيث كان استقراركم بناحية وزان والتحق بكم إبراهيم المنوزي وغيرهم من اللاجئين فقمتم بالهجوم على إحدى الثكنات هناك واستحوذتم على مجموعة من الأسلحة. بعد ذلك انتقلت إلى غفساي مع محمد بن علي المكناسي وأحمد الخصاصي ومحمد داحوس وغيرهم، قبل أن تتوجهوا إلى ورغة ومنها إلى ناحية فاس بايموزار كندر. ومكثت بها مسؤولا على قبائل زايان من صفرو وآيت يوسي وآيت كندر وآيت صالح وآيت مولاي وآيتشغروشن وآيت كروشن وامحزان. كما أسندت إليك مسؤولية قائد في أجدير بالأطلس المتوسط ناحية خنيفرة حيث كان تحت قيادتك مئات المجاهدين من قبائل زيان والقبائل المجاورة.
وفي بداية سنة 1956م، دعاك جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه إلى العودة إلى الشمال لترتيب الأوضاع داخل جيش التحرير، بعد هذه المهمة عدت إلى ممارسة تجارتك بمدينة الدار البيضاء. وبدعوة من الديوان الملكي، توجهت نحو الجنوب لتكوين جيش التحرير في الصحراء، ابتداء من سنة 1956م إلى سنة 1960م، وكنت مسؤولا عن المقاطعة الثامنة التي امتد نشاطها من الساقية الحمراء إلى وادي الذهب وإلى موريتانيا. وكان إلى جانبك مئات المجاهدين من جميع القبائل الصحراوية بدون استثناء، أشرفت على قيادة العديد من العمليات والمعارك البطولية التي سيخلدها التاريخ بمداد من الفخر والاعتزاز.
وبعد انتهاء عمليات جيش التحرير بالصحراء، عدت إلى ممارسة تجارتك من جديد، وأسست شركة للتصدير SOMICIA في نطاق الجهاد الأكبر والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني. اخترت بعد واجب النضال والمقاومة وجيش التحرير، ممارسة التجارة الوطنية منها والعربية والإفريقية والدولية وبادرت واجتهدت في خلق العديد من المراكز والمنصات التجارية في إفريقيا وفي بلدان عربية من الأردن إلى العراق واليمن وليبيا فضلا عن المغرب.
وفي سنة 1973م، عينت عضوا بالمجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وفي سنة 1975م، شاركت في المسيرة الخضراء المظفرة. كما حظيت بتقلد منصب قنصل شرفي للجمهورية الإسلامية الموريتانية بالدار البيضاء. وقد نلت حظوة عضوية الاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب.
ووفاء واعترافا بالخدمات التي أسديتها في سبيل الدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية. حظيت بشرف الإنعام المولوي السامي عليك بوسام العرش من درجة ضابط ،انعم به عليك جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة تخليد الذكرى 49 لعيد الاستقلال المجيد في 18 نونبر 2004.
وكعربون وفاء وبرور لخدماتك الجلى والمشرقة وأفضالك الإنسانية في سبيل استقلال وطنك والدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية وإخلاصك وتفانيك في خدمة الوطن، حظيت سنتي 2002 و2015، بتكريم من لدن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمدينتي الدار البيضاء وتافراوت. وقد حظيت بالتفاتة خاصة بإطلاق اسمك على مؤسسة تعليمية بالسمارة، ويكفيك فخرا واعتزازا انك كنت طيلة حياتك محط تقدير وإكبار واحترام ومحبة من فئات واسعة وعريضة من محبيك ومقدري أفضالك في سائر ربوع الوطن. ولك مكانة خاصة ومرموقة في الأوساط الشعبية والرسمية بالأقاليم الجنوبية، إذ كنت خير مدافع عن القضية الوطنية الأولى قضية الوحدة الترابية والتي كنت وفيا ومخلصا وخدوما لها طيلة حياتك وستظل تذكرك الأجيال المتعاقبة جيلا عن جيل أبد الآبدين والى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
أخانا الأعز،
سيشهد لك التاريخ أنك كنت من أطيب خلق الله ومن صفوة المؤمنين الأتقياء الأوفياء القائمين على الحق والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. كنت مثال الصدق والالتزام والوفاء والإخلاص للمبادئ والقيم الوطنية والمثل العليا ومكارم الأخلاق. وكنت المجاهد والمناضل يا أخانا ناضل، إذ اسمك اسم على مسمى.
فسلام عليه يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا وهنيئا لك وأنت تنعم بجوار ربك راضيا مرضيا وعزاؤنا ومواساتنا مجددا إلى رفيقة دربك وأنجالك والى أسرتك الكبيرة من رفاق المقاومة وجيش التحرير ولا يسعنا في هذا المحفل التأبيني الخاشع المهيب إلا أن نذكر قوله عز وجــــــل من قائل «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي « ونتبرك بقوله تعالى:» وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون».صدق الله العظيم.
والحمد لله رب العالمين».