التقى المشاركون في الدورة السابعة لبرنامج محاورات، والذي خصص محوره للقصيدة الزجلية في المغرب ضمن الصيغة الجديدة التي اقترحتها دار الشعر بمراكش للموسم الجديد، والخاصة بورشات الكتابة الشعرية للشباب والمهتمين، على ضرورة إيلاء المنجز الشعري الزجلي المغربي مزيدا من الاهتمام بالتأويل والتقصي والمقاربة، والانفتاح أكثر على تجارب الزجل المتعددة في المغرب مع إعطاء الفرصة للأجيال الجديدة، كما ركز المشاركون على ربط أسئلة الهوية بالكتابة الزجلية المغربية في قدرتها على بلورة خصوصية وسمات هذه الكتابة، مع ضرورة الانتباه لمختلف فنون أنماط القول، من مجالات الفنون المتعددة، في تواشجها مع أفق وأسئلة الكتابة الزجلية المغربية.
وشهدت الدورة السابعة لبرنامج محاورات، والتي نظمتها دار الشعر بمراكش، صبيحة السبت 15 فبراير الماضي، مشاركة الشعراء: حليمة المجاهد وعزيز بنسعد وسعاد لبنين، الى جانب المشاركة المتميزة لمجموعة جنان الغيوان من بوزنيقة، فيما أشرف على تأطير اللقاء وتنسيق محاوراته الشاعر والناقد عبداللطيف السخيري، ضمن سعي حثيث من الدار الى إيلاء المدونة الشعرية المغربية، في استحضار لخصوصيتها وتعدد أنماط الكتابة والرؤى، المزيد من الأهمية في ربط الشعر المغربي بجمالية التلقي وبجمالية التفكير والأسئلة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأجيال الجديدة والتي تسعى من خلال مشتل الدار الخاص بورشات الكتابة الشعرية (للأطفال واليافعين والشباب)، الى إعطاء البرنامج الجديد من محاورات، بعدا تفاعليا في التعامل مع النص الشعري وتحليله، إبداعا ونقدا.
كما ينفتح هذا البرنامج، مع مرتفقي ومرتفقات الورشات، على تمثل مختلف المكتسبات التي راكموها خلال المواسم السابقة، من خلال احتضان تجارب شعرية ونقدية، ضمن حوار خلاق يسعى الى تمثل سمات هذه التجارب، واحتضانها في فضاء “مختبر” تحليلي يسعى الى أن يكون أفقا للحوار والمساءلة والتأويل. واقترحت الدورة الحالية من خلال راهن القصيدة الزجلية في المغرب، ومن خلال أصواتها الجديدة والتي سعت أن ترسخ أفقها الجمالي والأدبي، تمثل الصوت الشعري النسائي، والذي أمسى حاضرا بقوة في المشهد الشعري، بل وأعطى ميسما خاصا للكتابة الشعرية الزجلية وأفقها التخييلي في المغرب.
واعتبرت الشاعرة سعاد لبنين، والقادمة من حاضرة المحيط أسفي، أنها خاضت تجربة مسرحية في مفتتح تجربتها الإبداعية، غير أنها مرت من مرحلة بياض امتدت لسنوات، لذلك اختارت العودة من نافذة الكتابة الشعرية الزجلية، على اعتبار أنها الأفق الممكن والذي من خلاله استطاعت التعبير عن شجونها، بل واعتبرت القصيدة الزجلية مرأتها الحقيقية تترجم انجراحاتها وقلقها. وقرأت الشاعرة من متن كتابتها، قصائد أقرب الى الشكل السيري حيث حميمية التفاصيل. لذلك تقول عن نصها الشعري: “كان عليا نخلي / النص مني / ليا / والنص الثاني/ للعثرات/ باش تكون / الطيحة نص/ والوگفة نص/ في الميزان / مساويات/ وماتهرسش الخاطر”.
نفس المسعى، اختارته الشاعرة حليمة المجاهد، والتي رسخت صوتها الشعري الزجلي من خلال إصدارها “قفطان وسيف”، والتي ترى، أننا الى اليوم، لازال الشعر الزجلي في المغرب لم يحظى بتداول أشمل وأوسع مادامت الإصدارات الشعرية الزجلية تظل محصورة في بعض اللقاءات، كما أن رغبة الشاعرة في البحث عن خصوصية لصوتها الشعري يجعلها تساءل الخطاب النقدي المواكب، والذي يظل محصورا على تتبع تجارب بعينها.
ومن نفس النسق والسياق، لم تخرج الشاعرة حليمة المجاهد عن قصائد قريبة من وجدانها وذاتها، بل هي تعتبر النص الشعري الزجلي صدى لكينونتها. هي أصوات شعرية نسائية تؤكد خصوصية النص الزجلي النسائي في المغرب، والذي بدأ يتبوأ مكانته الطبيعية داخل المشهد الثقافي المغربي، من خلال ما راكمته من منجز شعري أعطى ميسما خاصا للقصيدة الزجلية وأفقها التخييلي.. تقول الشاعرة: “شلا من رمادك نجْمَع/ كلْ شُويَّا نْلَمُّو/ يمكنْ نخَلِّي منُّو حْرُوفْ تَشْبَعْ/ تَنْقُشْ فِ الهَوا صْوتِي… يْسْمَعُوه/ و كُل مَا ضاعْت يامي…/ نْخَبي وْرَاقِي ف صدْرِي/ نْحْفَرْهَا ف الجَلْدْ نُقُوشْ مَا تْضِيعْ/ مَخَافك مَا تْرْهِبْنِي/ وَلا العَاصفْ يْهُدْنِي/ مَا دَامْ فِي صوْتِي نَفَسْ، نْنَادِيكْ/ وْفِ وْرَاقِي نْكَتْبْهَا بْدَمِّي…/ عْمْرِي مَا نْسِيتْ”.
وختم الشاعر عزيز بنسعد، القادم من سحر ومشتل الظاهرة الغيوانية وما راكمته من تجربة اشتغال دائم على القصيدة الزجلية، برنامج محاورات من خلال تقديم “عرض شعري فني”، قراءات شعرية على أنغام “آلة الهجهوج” الإيقاع الكناوي والذي يسري بين ثنايا النص الشعري الزجلي. بنسعد المسرحي وبنسعد الشاعر وبنسعد الفنان، هذا الثالوث الاستثنائي والذي حفر من خلال صوته الشعري تجربة شعرية رائدة في المغرب.
“رضخ الليل/ عليّ باب سكاتو/ وسد شراجم مسك الليل/ طفا في وجهي شمعاتو/ وخلا دمعاتو/ على الخد تسيل”، هكذا يرسخ صوت الشاعر عزيز بنسعد، “سارح الظلمة بنهار”، تجربته الشعرية والتي قدمها لمرتفقي ومرتفقات الورشات، من خلال عرض نظري وتطبيقي. من إبحار في سمات النص الزجلي ومدونات الملحون، الى تحديد طبيعة تحول الزجل وحضوره بالمشهد الثقافي المغرب ضمن اجتهادات قام بها الرائد عباس الجراري، تنظيريا، والشاعر الزجال أحمد لمسيح، إبداعيا.
حضرت التجربة الغيوانية في لقاء محاورات، من خلال مشاركة جنان الغيوان برئاسة الفنان محمد الصحراوي، والتي تأسست أواسط تسعينيات القرن الماضي، وتحرص على الاستمرار في الحفاظ على التراث الغنائي الغيواني، خصوصا من خلال مشاركاتها الفنية أو من خلال ورشاتها التي تشرف على تأطير الجيل الجديد من الشباب. وأدت لرواد الدار ومرتفقي ومرتفقات الورشات بعضا من المنجز الغنائي الغيواني، وهو يتغنى بالقصيدة الزجلية ليمتزج الشعر بالغناء، في فقرة جديدة من برنامج محاورات والذي اختار أن يكون مشتلا للإبداع والنقد.