القصر ومهارة التقاط فنون الحكم وهندسته من المجتمع وتوزيعها في البلاد..

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

ابن زيدان، من خلال إثارة الحياة في القصر، لا يعيد فقط بناء التقاليد الخاصة في حرمه بل يبرهن بأن دار المخزن هي مكان إنتاج هندسات الدولة…
إن هذه المراسلات والكتاباتا تقدم لنا الحكومة الشريفة ما قبل الاستعمار في كل أنماطها وطرائقها المتميزة، وتكشف لنا عن هندسات خاصة تحمل تصورات الدولة، وبالأساس تحمل العلاقات بين هذه الدولة وبين المجتمع، والتي من شأنها أن تفسر رسوخ الممارسات والتمثلات ومختلف طرق الفهم، أي بتلخيص كل ما نسميه السجل الإمبراطوري في المخيال السياسي.
لقد اخترنا استعمال كلمة”‘هندسة” بفعل المألوف، علما أنها يمكن أن تؤدي إلى الخطأ لفرط ما هي موسومة بطابع وضعي positiviste ، إرادوي volontariste وتقنوي techniciste ، في حين أن اللغة العربية تفصل البعد الهندسي عن البعد الفني¡ وعلى ضوء هذه الثانية****** نفهم هندسة ممارسة السلطة [ أي فنون ممارسة السلطة) وانطلاقا من قاعدة من الصلاحيات محددة بأهداف، نجد أن اللغة العربية تدمج في معنى هذا المصطلح أبعادا
تقريبية ـ غير دقيقة وارتجالية¡ وعليه فإن فهمنا للمصطلح يتضمن ثلاثة أبعاد: كفاءات خاصة مرتبطة بأنماط حكم معينة، مضمون تقني يعني نوعا من المهارة العملية¡ وكل ما يشكل الثقافة المادية للسلطة عبر استعمالات مشفرة ومقننة مندمجة بالمعنى الأول للكلمة، حتى أنها تصبح”طبيعة ثانية”.. هذه الهندسات ـ الفنون مشتركة ولا تميز المخزن وحده، فالقبائل والعائلات الكبرى، والعلماء صغارا وكبارا، وكذا الناس “العاديين”، أي الجميع يتوفر، في حدود مستواه، على جزء من هذه المهارات.. والقصر ليس هو المكان الوحيد لإنتاج هندسات ـ فنون الحكم، بل إنه يملك فنَّ التقاطها حيث توجد، ويضمن لها الانتشار في مجموع الإمبراطورية الشريفة…