كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
في الفصل الثاني من كتابه المخصص لأجندة السلطان وتنظيمه، يبرز ابن زيدان أهمية المراسلات في إدارة قضايا الدولة، بحيث أنها تشكل الدواليب التي يتم من خلالها حكم كل الإمبراطورية (بخصوص المكتوب والقواعد المكتوبة راجع بول باسكون كذلك)..
وبين تحليل المتون المتبادلة بين السلطان ومختلف المتلقين لرسائله من عمال وشخصيات مرموقة أو مواطنين عاديين والدور المركزي للفن الرسائليépistolaire فالسلطان هنا «أمير رسائلي» يحكم بشكل واسع «عبر التراسل»(عبارة مستعملة من طرف بوتين، ولاندي بروشون في الحالة الإيطالية للقرنين 14 ـ 18)..
ويمكن لنفس الرسالة أن تتناول، في نفس الوقت، معالجة قضايا الدولة، كما القضايا العادية الخاصة، وتوضع هذه القضايا، وقت المراسلة على قدم المساواة مع بعضها البعض. ونجد هذا النوع من المراسلات بالآلاف في مغرب محمد بن عبد الرحمان والحسن الأول، ويمكن للمعنيين أن يكونوا زعماء زوايا أو عمالا أو قادة صغارا لقبائل مهمشة وعلماء كبارا وصغارا من البادية ومن المدينة، وقضاة… وكل أسرة وجماعة تملك اليوم «أرشيفا» خاصا يشهد على قوة العلاقة هاته، والمؤرخون الذين استعملوها لم يصل بهم الأمر أبدا إلى إخبارنا بحجم هاته المراسلات، ولا شك أن السبب في ذلك هو أن أقلية قليلة منها وجدت في الأرشيف الوطني..
والمراسلات السلطانية تحيل على «الفعالية الاجتماعية للممارسة الرسائلية». وهذه الفعالية اجتماعيةٌ. بيد أنها سياسية كذلك. وهذه المراسلات، كما رأينا من قبل، تتيح، في نفس الآن، الإدارة، والتقييم والأخذ بعين الاعتبار موازين القوة المحلية، وتبادل المعلومات وفهم المجتمع، والتعبئة والتفاوض وإصدار الأمر والعقاب والجزاء والتعبير عن تصور معين للحكم والسيادة، (وهذا ليس حكرا على الإمبراطورية الشريفة بل نجده في الكثير من الأوضاع الأخرى متعددة المركز المحكومة عن بعد، كما في الحالة الإيطالية بين القرن 14 و18)..
تساهم المراسلات في بناء أوضاع اعتبارية، ذلك أنها وهي تعيِّن المرسل إليهم، تمنحهم فرصة شغل مكانة سياسية مفيدة وسط مجموعتهم. وعليه فإن المراسلات السلطانية تساهم في مسلسل إعطاء الشرعية. ولكونها تمثل في نفس الوقت أداة لممارسة السلطة ووسيلة لمعرفة المجتمع عبر فهم جد رفيع لكل مناطق الإمبراطورية، فهي تشكل طريقة مركزية في الحكم عن بعد…
إن فن وهندسة الرسائلية معرفة مشفرة: حيث أن شروط استعمال كل رسالة، وكل عبارة من العبارات اللائقة، وكل مضمون، وكل نوع من أنواع الكلام أو الخواتم..يتم تحديدها تحديدا دقيقا…