كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
طوال الحماية، كانت الخطوط قد تغيرت لا محالة ووقعت انزياحا، بيد أنها لم تكن خَطِّيَّة linéaire يمكن إرجاعها إلى أسباب قابلة للرصد. وهذه التحولات، أساسا، لا يمكن تلخيصها في بروز، ومن تَمَّة نمو وتطور ثنائية بين القطاع العصرى والقطاع التقليدي. ثنائية يتم الحفاظ عليها بفعل المُواضعات أو بفعل الاقتناع أو بفعل الاختيار وتُحْسب لليوطي الرائي .visionnaire
ولا يمكن اختزال تعقد الدولة في المغرب في تلك الصورة البلاغية عن تَجاُور دولة وطنية في طور التشكل مع بقايا دولة المخزن العتيقة، حتى لو كانت هذه الصورة تمتاز بأنها تركنُ إلى الظل، وما يفكَّر فيه كمفارقات تاريخية: أي وجود سلطان يملك فقط السلطة الروحية والدينية وسادة كبار يملكون صلاحيات» suzerain السيد المولى» على نصف التراب الوطني ووزير أكبر (صدر أعظم) ملْزَم بـالبقاء في «بْنيقته»، وقبائل ارتقت إلى وضع اعتباري لشخصية معنوية في القانون العام، عبر خلق قسم قانوني هو «الاراضي الجماعيةـ أراضي الجموع»..
إن تحديد ميزة تحولات الدولة في المغرب طوال خمسين سنة من الحماية يمكن أن يكون أي شيء سوى أن يكون سهلا، طالما أنه يتعلق بامبراطورية عتيقة ، استعمرتها (فرضت عليها حماية) دولة وطنية يعقوبية شهدت ثورة، ثم امبراطورية، ثم استعادة النظام القديم، ثم امبراطورية ثانية و»كومونة» (كومونة باريس أو الثورة الفرنسية الرابعة، وهي حكومة بلدية ثورية أدارت باريس، فرنسا لفترة قصيرة ابتداءً من منتصف مارس 1871. قامت الثورة في باريس وبعدها الكومونة كنتيجة لخسارة نابليون الثالث الحرب مع بروسيا ودخول الجيش البروسي المذل إلى باريس بعد حصارها) ثم الجمهوريتان الثانية والثالثة… وهي ما زالت امبراطورية استعمارية تتنافس مع امبراطوريات استعمارية اخرى . فهل من الصحيح أن نعتبر بأن هذه الثنائية نتيجة استراتيجية «الحفاط على البنيات التقليدية للدولة» أو انها إعادة احياء بنيات يتم تقدميها باعتبارها «تقليدية»؟ وهذه التصُّورات، هل تستجيب فقط لشروط اتفاقية الحماية؟ وهل هذا النمط العملي، كما تميل العلوم التاريخية إلى ذلك تكرار ذلك، يعود فقط لعبقرية «ليوطي»؟