الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -19- التمثيلية والسيادة الوطنية .. الانتخابات والتعيين ..

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة. وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث ، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).

 

غير أن الحكم، يحتاج مرآة، صورة لما تكون عليه موازين القوة بين المجموعات والجماعات التي تشكل المجتمع في لحظة من اللحظات. والسيطرة على المجتمع بدون استعمال القوة يستوجب القدرة على تمثيل هذا المجتمع في تنوعه. ليس ذلك من أجل تغييره أو تنميته أو خلق ما يمكن لقراءتنا النموذج مثالية أن تعني فهم الجوانب المتعددة المتشابكة للتمثيلية. وطالما أن التمثيلية هي بالتعريف تفاوت، يكون من المهم أن نفهم تفاوتات تهيمن في هذا السجل أو ذاك، ففي نموذجنا المثالي الإمبراطوري، تعفي التيولوجيا ( اللاهوت) الإسلامية السلطان من ممارسة أي تمثيلية، بالقدر الذي يكون هو ممثل الله في الأرض. فالإيديولوجيا الخليفية تلغي التجسيد والسلطان باعتباره »ظل الله في الأرض» لا يمكنه أن يمثل مرآة المجتمع. بيد أن التمثيلية، في براغماتية السلطة فوق الأرض وموازين القوة المرتبطة بها، تنبثق بشكل مناسباتي وفي لحظات المسرحة الكتابية ( ومنها أهمية الرسائل والخاتم ومضامين الخاتم) أو المسرحة الرمزية ( اللواء، الخيل، الحصانان بدون فارسين والمظل ) وخصوصا في الإخراج الدقيق كما في لهدية والبيعة، حيث يبدو السلطان هو التعبير عما يصنع المجتمع بالاعتراف بالمجموعات المتنوعة، والتي توجد في الغالب في حالة نزاع. والتحكم في المجتمع بدون الحاجة إلى استعمال القوة يستوجب القدرة على تمثيل هذا المجتمع في تنوعه. وليس من أجل تغييره أو تنميته أو خلق كل منسجم، أي بخلاصة خلقه كمجتمع واحد وموحد بل على العكس من ذلك من أجل السيطرة على المجتمع كما هو مشكلا من مجموعات متنوعة ذات قياسات متغيرة يمكن تحيينها دوريا. إن التمثيلية هي ترتيب لمختلف الهيئات المشكلة في إطار احترام التعددية. وهي ليست تخييلا مستمرا على غرار الشعب» أوالوطن« في النموذج المثالي للدولة الأمة.. فالتمثيلية بالضرورة محددة في الوقت متواترة تتطلب إعادة تنشيطها باستمرار.. ومعرفة هذا التعقد تمثل ميزة وورقة رابحة لدى السلطان، وذات نجاعة ثابتة كلما تعلق الأمر باختيار»الوسطاء« والناس الجيدين = اولاد الناس« ( يملكون النجاعة( والذين يمكن للسلطان عبرهم أن يحكم . والأخذ بعين الاعتبار. بهذه التمثيلية على مستوى البلاط + أو لنقل بأن التمثيلية في البلاط التي تضم في الوقت نفسه النخبة والمجموعات المتواضعة في المجتمع عبر العبيد أو الحرفيين ـ تتيح الحكم . ووسيلة هذه التمثيلية هي التعيين من فوق….
وفي المقابل، نجد، في نموذجنا المثالي الوطني، أن مخيال الوطن يخلق إجبارية التمثيلية الرمزية. وهكذا فليس تنوع الجماعات السكانية هو الذي يتم تمثيله بل الوطن برمته، أي ذلك التخييل الذي يتحدد في الخطاب عن اللغة والدين والتاريخ والأرض .. وهذه التمثيلية تفترض خلق نظام مرتب، أي أنها ترتيب يتجسد من خلال إعادة ابتكار الفئات.. ومن الساكنة تنتقل إلى الشعب الناخب والقبائل، كما الأوضاع الاعتبارية والتجمعات المهنية تترك مكانها للرجال والنساء والشباب والشيوخ والحضريين والقرويين، والجميع موحد في اعتماد واحد.. وهؤلاء هم الذين يصبح من الواجب تمثيلهم.. ويكون الممثل الأسمى هو الملك، الذي يجسد الوطن. وفي هذا الإطار نرى أن البيعة، في صيغتها الجديدة، حيث ينتفي القلق بشأن الخلافة، لا ينظر إليها (البيعة) كمسْرحَة.. بل باعتبارها تعبيرا عن تعاقد بين الممثل الأسمى والوطن. ومنذ البداية، لا يكون الملك، في المقابل، وحيدا، إذ أن المنتخبين هم أيضا ممثلون للأمة. والأمة بما هي تصور تخييلي تهيئ مجيء نوع من سلطوية الدولة الأمة، وتفتح الطريق لفكرة التمثيلية بما هي سيادة وطنية مجسدة. ووسيلة هذه التمثيلية هي الانتخابات..


الكاتب : عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 02/04/2024