نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة.
وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).
لقد أتاح معتقل تازمامارت تبيان القمع اللاإنساني للمشاركين المفترضين في انقلابي الصخيرات 1971 والهجوم على الطائرة الملكية 1972، ضحايا لفعل لا قانوني ولا شرعي يستحيل تسجيله في كرونولوجيا قانونية للتمرد أو المعارضة، كما أن مركز تاغونيت أتاح وجود شهادات عن حملات الاعتقال في الدارالبيضاء إبان الإعداد لقمة منظمة التعاون الإسلامي في مارس 1972، كما أتاحت لنا مراكز آكدز وقلعة مكونة وتاغونيت إثارة القمع القاسي «لأحداث مارس 1973»، والذي لم يستهدف فقط المقاتلين بل كل القرى التي آوتهم (أحداث مارس 1973 ومولاي بوعزة تندرج في إطار ما كان يسمى «المعارضة المسلحة» التي أنشأها أفراد من فصيل من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنفيين في الجزائر أو ليبيا، وللمزيد من التوضيحات حول هاته الأحداث يمكن الرجوع إلى كتاب المهدي بنونة “أبطال بلا مجد”، أما مراكز غورام واكدز وقلعة مكونة فقد أظهرت للعلن العنف الممارس في إطار نزاع الصحراء في حين أن إحصاء المراكز في دار بريشة وغفساي والمقاطعة السابعة (الساتيام في الدار البيضاء) وبويزكاران وتنفضليت فقد ساعدتنا على معرفة أفضل بكل أنواع العنف للسنوات الأولى للاستقلال، بكل الفرقاء المعنيين به، حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال من جهة الأحزاب إضافة إلى جيش التحرير، المقاومة والأمن الوطني. الحديث النشأة إلى جانب القوات الأسلحة.. مركز دفن الموتى من جهته قد ساعد على استكمال اللائحة السوداء مع إتاحة الحديث عن مجموعة أخرى من الضحايا لأحداث يصعب تصنيفها، كما هو حال » سبعةـ7 سيدي المختار« وهم قدماء جيش التحرير، الذين حملوا السلاح وتم اغتيالهم في 1960، في إطار تصفية الحسابات بين مقاومين سابقين…
إن قراءة متأنية لتقارير هيئة الإنصاف والمصالحة تدعونا إلى توسيع معنى العنف السياسي الأقصى ليشمل العنف الذي يمكننا، تصنيفه ظلما، في خانة» المجاني» أو «الخالص»، ولكنها أشكال عنف، مهما يكن، تقدم لنا تصورا للسياسة التي لا تستهدف فقط المعارضين، بل تمس النظام العام في أبعاده الأكثر هامشية. كما هو حال المعاملة التي مورست ضد «مجموعة الدارالبيضاء».
ففي المرة ما بين دجنبر 1971 ومارس 1972، تم تجميع متسولين وأناس بدون مسكن واعتقالهم «لتطهير» المدينة بمناسبة قمة منظمة التعاون الإسلامي … يمكن أن نفترض بأن تواجد تلاميذ وأجراء إبان حملات الاعتقال الواسعة جاء ضمن الطلبات التي سلمت لهيئة الإنصاف والمصالحة بخصوص البحث عن أشخاص مختفين، الأكثر من ذلك أن وضع لائحة مراكز الاعتقالات، مثل تاكونيت مثلا أتاح التعرف عليهم.. بل يمكن، على وجه الخصوص، أن نفترض أن أحداثا مماثلة قد حدثت، ولم يتم رصدها أو تحليلها في غياب طلبات ذوي الحقوق، وفي غياب التحقيق. وهذا المثال يدل دلالة كاشفة على «الجو العام وقتها»، الذي جعل أن الناس كانت «تنسى»، بشكل يكاد يكون طبيعيا، الضحايا الموجودين في مراكز الاعتقال مهما كان «خطأهم» بما فيه خطأ الوجود على هامش المجتمع، وهو ما يترجم أفضل من غيره حقيقة الاستبداد..