الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -21- عنف اللغة والخطاب عند الحسن الثاني: الأوباش .. والدراري!

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة.
وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).

لا شك أن اللغة تشكل أول تعبير معاصر عن هذا الشكل من العنف. لقد كان عنف العبارة، في الكلمات، وفي اللغة المختارة، قوياً بشكل خاص في عهد الحسن الثاني. ويشهد على ذلك الخطاب الذي ألقاه في اليوم التالي لأحداث الشغب التي شهدتها عدة مدن في أنحاء البلاد، بما في ذلك مراكش، سنة 1984. لقد سمح موقع يوتيوب بتوزيعه على نطاق واسع.
تقول تعليقات مستخدمي الإنترنت الكثير عن ظروف استقبال الفيلم اليوم، حيث كان عدد المعلقين الذين يحنون إلى الماضي كبيرا مثل عدد المعلقين الغاضبين رفضا!.
بالدارجة (اللهجة المغربية) البسيطة جدا، وبلكنة مراكشية خفيفة، زادت من البعد الشعبي، خاطب الحسن الثاني المتظاهرين مباشرةً الذين وصفهم بالأوباش، الذي يعني أقل من لا شيء، حثالة المجتمع. (خاطب الحسن الثاني المتظاهرين مباشرةً)، مُحدِّقًا في الكاميرا، رافعًا سبابته كالسيف. بدأ بقراءة بيان للخميني، ثم منشور من جماعة اليسار المتطرف المغربية «إلى الأمام»، ليجمع بين الشيعة والماركسيين في مؤامرة ضد الأمة المغربية. ثم وصم المتظاهرين بطريقة ازدرائية، بالكاد يميز بين «العاطلين عن العمل والأوباش»، و«المحامين المتدربين»، و«أطفال الشوارع (دراري)» و«تلاميذ المدارس غير المسؤولين الذين يدفعهم المعلمون» الذين هاجمهم مباشرة قائلاً لهم: «أنتم معروفون، سنطبق عليكم القانون، (القانون الشهير المعروف بـ««قانون كل ما من شأنه»»، والذي استعمله الحسن الثاني بعد الاستقلال لقمع مختلف التظاهرات والاحتجاجات، ولم يتم إلغاؤه إلا في 1994) هذا القانون الذي عرفناه في ظل الحماية، والذي تم تأكيده بعد الاستقلال، ينص على أن أي إخلال بالنظام العام سيعاقب عليه بشدة […] وينتهي الخطاب بتهديد مباشر، موجه بنبرة إمبراطورية في حق ساكنة محددة للغاية: «كان أهل الريف يعرفون ولي العهد، ومن الأفضل لهم ألا يعرفوا الملك؛ وأما أهل مراكش [فهذا ما أقوله لهم: كنت أنوي أن آتي إليهم في إجازة، ولكني لن آتي حتى يعودوا عن غيهم»، وبعد فترة من الوقت، توجه وفد من وجهاء مراكش إلى القصر الملكي في الرباط لطلب العفو منه رسميًا.


الكاتب : n عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 25/03/2025