الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -22- عنف البلاط عند الحسن الثاني وقصة بوطالب

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة.
وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).

التعبير المعاصر الثاني عن هذا العنف الإمبراطوري هو عنف البلاط. في عهد الحسن الثاني، كان الأمر يتعلق خصيصا، بالعنف الأسري(الداخلي)، يتم الإعلان عنه أساسا من خلال إشاعة وحدها، وهو ما أدى إلى تحديث للإحالة على الإمبراطورية. وفي الآونة الأخيرة، ظهرت عدة قصص تدعم هذا العنف، الذي يتم التعبير عنه بشكل أساسي في شكل النعمة (التي تشير إلى عنف الأُعْطية) وقبل كل شيء إلى النقمة (الغضبة الملكية) والتي تعني الموت السياسي والاجتماعي.
ويبدو لنا أن هناك قصتين توضحان ذلك بشكل خاص. يروي عبد الهادي بوطالب في برنامج «شاهد على العصر» حادثة وقعت عام 1996. ففي إحدى الأمسيات، بينما كان مستشاراً للملك، تلقى اتصالاً هاتفياً في اللحظة الأخيرة يأمره فيه هذا الأخير بالتوجه فوراً إلى قصر الصخيرات. يسارع بوطالب إلى تنفيذ الأمر، ويعطيه الملك ملفًا ويطلب منه مذكرة حوله . يعود بوطالب إلى منزله ويذهب إلى السرير لينام بدون فتح الملف. وفي أثناء الليل اتصل به الحسن الثاني وسأله إن كان قد فتحه. فأجاب بوطالب بأن لا، وطلب منه الملك العودة وإعادة هذا الملف الذي لم يكن في الحقيقة موجهاً إليه. الشيء الذي أثار فضوله، ففتح بوطالب الملف. وعند وصوله إلى القصر، سأله الملك مجددًا إن كان قد فتحه، فأجاب بوطالب: «نعم، يا جلالة الملك». «قال الملك :قلت لي لا في وقت سابق والآن تقول نعم، أنت كاذب». شعر بوطالب بالإهانة لكن الحسن الثاني رد: «هذه كلمات كان بإمكاني أن أقولها لابني». ويوضح بوطالب، وهو يواجه الكاميرا، أنه كان قد رد حينها بأدب، معتقداً أن وضعه كمُربٍّ سابق يسمح له بالمخاطرة: «لا تعاملني مثل ابنك، بل مثل والدك».
ولمدة شهر ساد بينهما جفاء عميق، ولم يعد الحسن الثاني يجيب عن أي من ملفاته. ثم استقبل بوطالب في داره بالصخيرات مؤرخ المملكة الذي قال له:
«إن الملك يطلبك. إما أن تكتب رسالة التوبة أو ترحل.»
فرد بوطالب على المبعوث:» لو أن جلالته طلب مني اعتذارا لفكرت فيه، ولكن التوبة تكون لله وحده.
بعدها سيترك بوطالب منصبه كمستشار دون أي بيان أو إعلان صحفي، فقط الشائعات – وهذه القصة – تشهد على الغضب عليه!. وهذه القصة، الشجاعة والمتصرف فيها ولا شك من طرف الشخص المعني، والتي تم نشرها بعد سنوات عديدة، تترك المجال لتخمين العنف الشديد الكامن في الابتلاء..
. وتدور أحداث القصة الثانية بعيداً عن دوائر السلطة، وهي نموذجية بشكل مزدوج، فهي حكاية مفيدة وحدث يقدم مثالاً. وهي قصة لحسن زينون، الراقص النجم…


الكاتب : n عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 26/03/2025