الديار المقدسة.. حينما يصبح الحج بلسما لجراح الحياة الغائرة

كاميرات ذكية ومسيرات: السعودية تسخر الذكاء الاصطناعي لتنظيم الحج

 

أحنى العمر ظهره، ونال منه العجز وأنهكته تصاريف الحياة، وتساءل مرارا: كيف يخوض رحلة غير يسيرة المتاعب بعد أن بلغ من الكبر عتيا، وكيف يقضي شعيرة هي خامس أركان الدين بعد أن بلغ منه اليأس مبلغه.
إلى مهوى القلوب هفت نفسه على مدى عقود طويلة، طال خلالها انتظاره وتطلعه، قبل أن تناديه هذه البقاع الطاهرة (كما يقال)، وهو في خريف العمر ليؤدي مناسك حج هذا العام 1446 هـ، في رحلة عزيزة على كل مسلم، كاد يوقن أنها استعصت وباتت مستحيلة بعيدة المنال.
عيناه تحكيان قسوة السنين، بعد أن أفنى زهرة شبابه وهو يكد ويجد سعيا من أجل توفير لقمة العيش الحلال لأسرته. لا يخلو وجهه من أخاديد تحكي وتحكي…، وتود لو تروي قصة كفاح من أجل إعالة أبنائه وتوفير السبل كافة لئلا يعوزهم شيء من متطلبات الحياة الكريمة.
كثيرون هم الذين يصادفهم المرء وهم بصدد أداء المناسك أو في لجة الطواف، أو خلال السعي بين الصفا والمروة، وقد فاضت أعينهم بدموع حرى، تجر كل دمعة وراءها قصص سنوات من قسوة الحياة أو طول انتظار، قبل أن تشاء الأقدار وتسنح لهم الفرصة وتتسع ذات اليد لكي يزوروا البقاع المقدسة التي ملكت منهم شغاف القلوب.
تكاد ملامح ومشاعر كل حاج تحكي قصة رحلة حياة متفردة، وقد ظمأت نفوسهم إلى زيارة البيت العتيق في رحلة لا مثيل لها من الرحلات، خاصة وأن اشتياق المسلم إلى هذه البقاع يظل متأججا وقد يطول لسنوات وسنوات، تختزله دموع تغزو المآقي وأخاديد السحنات المتعبة، بمجرد ذكر فرصة أداء هذه الشعيرة.
يذكر أن عدد حجاج حصة المغرب (حج 1446 هـ) يبلغ 34 ألفا، يؤدي 22 ألفا و400 منهم هذه الفريضة ضمن التنظيم الرسمي، و11 ألفا و600 ضمن تنظيم وكالات الأسفار. وبلغ مجموع الرحلات الخاصة بالحج 79 رحلة، انطلقت أولاها يوم 14 ماي الماضي، في حين كانت آخر رحلة خلال مرحلة الذهاب يوم 2 يونيو الجاري.
ويبلغ عدد مرافقي الحجاج 462 مرافقا، بمعدل مرافق لكل 49 حاجا في مختلف المراحل. أما البعثة الإدارية فتضم 165 عضوا، للإشراف على التنظيم والتنسيق مع الجهات السعودية، فيما يبلغ عدد أعضاء البعثة الصحية 82 عضوا والبعثة العلمية 24 من العلماء والعالمات.
يذكر أن مجمل عدد الحجاج بلغ في العام الماضي ما مجموعه 1,833,164 حاجا، وشكلت نسبة الحجاج الوافدين من داخل المملكة العربية السعودية 12.1 بالمائة بواقع 221,854 حاجا، فيما سجلت نسبة الحجاج الوافدين من خارجها 87.9 بالمائة بنحو 1,611,310 حاجا.
يعمل مسؤولون سعوديون ليلا نهارا في مراقبة خرائط وشاشات وكم هائل من البيانات، مستعينين بالذكاء الاصطناعي لمساعدتهم على إدارة سيل الحجاج الذين توافدوا إلى مكة المكرمة خلال موسم الحج هذا العام.
وأثبتت هذه التقنية المتطورة فعاليتها في تحليل العدد الهائل من اللقطات التي تسج لها أكثر من 15 ألف كاميرا موزعة في أنحاء مكة والمشاعر المقدسة. إذ جرى تصميم البرمجيات خصيصا لرصد أي خلل في حركة الحشود أو التنبؤ بنقاط الازدحام.
كما تستخدم التقنية في تتبع أكثر من 20 ألف حافلة تنقل الحجاج بين المواقع المقدسة.
ويشكل هذا النظام جزءا من أدوات تقنية متقدمة اعتمدتها السعودية للمساعدة في تنظيم أحد أكبر التجمعات الدينية في العالم، إذ توافد نحو 1,4 مليون حاج من مختلف أنحاء العالم إلى مكة هذا الأسبوع.
وقال المدير التنفيذي للمركز العام للنقل في الهيئة الملكية لمدينة مكة محمد نزير «في غرفة التحكم المروري، نستخدم كاميرات متخصصة مزودة بطبقات من الذكاء الاصطناعي لتحليل الحركة، وتحديد المناطق المزدحمة، والتنبؤ بسلوك المرور مع الوقت».
وأنشأ المركز غرفة تحكم رئيسية في مكة مليئة بالشاشات والخرائط، ويستخدم الموظفون التكنولوجيا المتقدمة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي للمراقبة على مدار الساعة.
وأوضح نزير أن الهدف الأساسي من هذه الجهود هو تجنب حوادث السير، لا سيما أن معظم الحجاج يتنقلون سيرا على الأقدام، بالإضافة إلى تسهيل حركة التنقل وتخفيف عبء السير لمسافات طويلة تحت شمس الصحراء الحارقة.
وأشار إلى أنه في ذروة الحج، تتحر ك نحو 17 ألف حافلة في وقت واحد باتجاه المشاعر المقدسة.
وشكلت إدارة الحشود تحديا كبيرا في مواسم الحج السابقة، لا سيما في العام 2015 عندما وقع تدافع أدى إلى وفاة نحو 2300 شخص.
وقال محمد القرني، مدير عام الحج والعمرة في المركز العام للنقل في الهيئة الملكية لمكة والمشاعر المقدسة، إن «غرفة العمليات هي العين الرقيبة لنا على كل الخطط الميدانية وعلى كل أنظمة التشغيل الميدانية الموجودة في الميدان».
وأضاف «يتجاوز عدد الكاميرات المستخدمة 15 ألفا».
وأوضح لفرانس برس أن الذكاء الاصطناعي يمك ن من معرفة «الأعداد والكميات والمشاهدات على كل الطرق وعلى كل المسارات في المشاعر المقدسة»، إضافة إلى «استشعار الحالات الطارئة قبل حدوثها».
وأشار إلى أنه باستخدام الكاميرات والذكاء الاصطناعي، تتمك ن السلطات من معرفة ما إذا كان الموقع بلغ طاقته الاستيعابية، فيتم توجيه الحشود إلى أماكن أخرى.
وخلال شهر رمضان الماضي، ساعد هذا النظام السلطات في تحديد اللحظة التي بلغ فيها المسجد الحرام طاقته القصوى، فتم حينها وقف دخول المصلين.
لكن استخدام التكنولوجيا المتطورة لا يقتصر على الجوانب اللوجستية.
ففي العام الماضي، توفي 1301 حاج، معظمهم لم يكن لديهم تصاريح رسمية، وكانوا يفتقرون إلى وسائل الراحة مثل الخيام المكي فة والحافلات، مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 51,8 درجة مئوية.
ويتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة هذا الأسبوع عتبة 40 درجة مئوية خلال أيام الحج.
وأوضحت السلطات السعودية أن 83 في المئة من الوفيات المسجلة العام الماضي كانت لأشخاص لا يحملون تصاريح حج رسمية.
وكان وزير الحج توفيق الربيعة قال في مقابلة سابقة مع فرانس برس إن السلطات «تستخدم عددا كبيرا من المستشعرات لمراقبة حركة الحجاج خلال رحلتهم»، ما يساهم في إدارة الحشود.
وأضاف «يساعدنا ذلك على التدخل السريع في حال وجود خطر والتقليل من آثاره. نستخدم تقنيات متقدمة من الذكاء الاصطناعي للحصول على بيانات مباشرة وردود فعل سريعة».
كما نشرت السلطات أدوات أمنية إضافية، من بينها أسطول جديد من الطائرات المسي رة لرصد مداخل مكة وتحديد الحجاج غير النظاميين.
وقال مدير الأمن العام رئيس اللجنة الأمنية في الحج الفريق محمد بن عبد الله البسامي خلال مؤتمر صحافي، «لا شك اليوم التقنية هي أحد أدواتنا للاستخدام بشكل يومي. استخدام الذكاء الاصطناعي واستخدام وسائل مثل الدرونز أو الكاميرات الحرارية».
وأضاف أن «التقنية هذا العام برزت وتوضحت. الحقيقة فائدتها بشكل كبير مكنت رجال الضبط من الوصول إلى المخالفين إذ تراقب من خلال مركز عمليات متقدم يتحكم في هذه المنظومة».
ونشرت القوات الخاصة لأمن الطرق هذا الأسبوع مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي ي ظهر جهود المراقبة، مؤكدة أنها تستخدم «تقنية الكاميرات الذكية والحرارية لمراقبة المحيط الخارجي لمكة والمشاعر المقدسة».
وتوزع تصاريح الحج على الدول وفق نظام الحصص، ثم ت منح للأفراد غالبا عبر قرعة. رغم ذلك، فإن ارتفاع تكاليف الحج النظامي يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى طرق غير نظامية، أقل كلفة بكثير، رغم ما تحمله من مخاطر.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 06/06/2025