الدين الداخلي يرتفع إلى 781 مليار درهم و نفقات فوائد المديونية تصل إلى 29,3 مليار درهم .. تفاقم عجز الخزينة ليصل 53.7 مليار درهم ونفقات الإدارة تقفز بـ73 مليار درهم رغم توجيهات التقشف

أظهرت وضعية المالية العمومية إلى غاية نهاية يوليوز 2025 استفحال العجز وتفاقم المديونية الداخلية بشكل يثير القلق بشأن توازنات الخزينة. فبحسب معطيات الخزينة العامة للمملكة، بلغ عجز الميزانية 53,7 مليار درهم، مقابل 35,3 مليار درهم خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، أي بزيادة تناهز 18,4 مليار درهم في ظرف عام واحد، وهو ما يعكس تصاعد الحاجيات التمويلية للدولة التي ارتفعت إلى 74,7 مليار درهم مقابل 47,4 مليار درهم سنة من قبل.
هذا العجز المتزايد دفع الخزينة إلى تكثيف اللجوء إلى الاقتراض، حيث بلغ صافي التمويل الداخلي 49,7 مليار درهم في سبعة أشهر فقط، فيما سجل التمويل الخارجي رصيدا إيجابيا قدره 25,1 مليار درهم بفضل اللجوء إلى السوق الدولية بما يقارب 20,9 مليار درهم إلى جانب قروض من البنك الدولي بحوالي 9,5 مليار درهم. ونتيجة لذلك، ارتفع رصيد الدين الداخلي إلى 781,3 مليار درهم عند متم يوليوز 2025، بعدما كان في حدود 755 مليار درهم في نهاية دجنبر 2024، أي بزيادة نسبتها 3,5% في أقل من سبعة أشهر.
التفاقم لا يقتصر على أصل الدين بل ينسحب أيضا على كلفته. فقد ارتفعت نفقات فوائد الدين إلى 29,3 مليار درهم مقابل 26,4 مليار درهم سنة من قبل، أي بزيادة 10,8%. ويعزى هذا الارتفاع بالأساس إلى تضخم فوائد الدين الداخلي التي قفزت بنسبة 17,4% لتستقر في حدود 23,7 مليار درهم، بينما تراجعت فوائد الدين الخارجي بـ10,4% لتستقر عند 5,6 مليار درهم. وبذلك أصبحت خدمة الدين تمثل 12,2% من مجموع النفقات العادية، وهو ما يحد من قدرة الميزانية على توجيه الموارد نحو الاستثمار أو الخدمات الاجتماعية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه المديونية الداخلية مسارها التصاعدي، اتسع الضغط الجبائي على الأجراء والموظفين، حيث سجلت إيرادات الضريبة على الدخل زيادة لافتة بنسبة 20,4% لتبلغ 42,4 مليار درهم، مقابل 35,2 مليار درهم عند نهاية يوليوز 2024. وتفيد تفاصيل الخزينة بأن الزيادة شملت كل مكونات الضريبة، بما في ذلك الضريبة المستخلصة مباشرة من الأجور عبر مديرية نفقات الموظفين، التي ارتفعت بدورها بنسبة 3,2% لتبلغ 7 مليارات درهم تقريبا. كما أسهمت عملية التسوية الطوعية للوضعيات الجبائية التي أقرتها مالية 2024 بحوالي 3,8 مليار درهم إضافية، ما عزز الضغط الضريبي المباشر على الملزمين.
وكشفت تفاصيل تنفيذ النفقات أن باب تسيير الإدارة يواصل التهام موارد ضخمة. فبعيدا عن كتلة الأجور، ارتفعت النفقات المندرجة في خانة biens et services بنسبة 25,1% لتبلغ 73,4 مليار درهم عند متم يوليوز 2025، مقابل 58,7 مليار درهم سنة من قبل. وتشمل هذه النفقات تجهيزات المكاتب، وصيانة المقرات، واقتناء أسطول السيارات، إلى جانب التحويلات نحو مؤسسات عمومية مختلفة بلغت لوحدها 33,7 مليار درهم مقابل 28,2 مليار درهم سنة 2024، فضلا عن تحويلات ضخمة إلى الحسابات الخصوصية للخزينة قاربت 17,9 مليار درهم مقابل 9,4 مليار درهم. هذه الأرقام تعكس استمرار بدخ الإدارة العمومية في النفقات الجارية على الرغم من الشعارات الحكومية المتكررة بشأن التقشف وترشيد الإنفاق، إذ جاءت الرسائل التوجيهية لرئيس الحكومة بخصوص قوانين المالية محمّلة بدعوات إلى تقليص المصاريف المرتبطة بالمقرات والسيارات والسفريات والتجهيزات، غير أن الواقع المالي الموثق يظهر مسارا مناقضا حيث يتسع هامش الاستهلاك الإداري بدل تقليصه.
البيانات توضح أيضا أن موارد الخزينة العادية ارتفعت إجمالا إلى 241,1 مليار درهم، بزيادة 19,2% عن سنة 2024، مدفوعة أساسا بالضريبة على الشركات التي قفزت بنسبة 31,9% إلى 55,6 مليار درهم، وبالضريبة على القيمة المضافة التي ارتفعت بـ8,5% داخل السوق المحلية وبـ4,5% عند الاستيراد. غير أن هذه الزيادة في المداخيل الضريبية لم تكفِ لتغطية الارتفاع المطرد في النفقات التي بلغت 325,3 مليار درهم، منها 195,3 مليار درهم كنفقات عادية ارتفع بند الأجور فيها بـ11,5% ليصل إلى 104,1 مليار درهم.
وتشير النشرة إلى أن فوائد الدين والأجور وتجهيزات و خدمات الإدارة تلتهم النصيب الأكبر من الميزانية، بينما تتراجع حصة الاستثمار الذي لم يتجاوز 65,4 مليار درهم رغم تسجيل زيادة طفيفة بـ10,5% مقارنة مع العام السابق. وفي المقابل، انخفضت نفقات المقاصة بنسبة 19,2% لتستقر في حدود 6,5 مليار درهم فقط.
النتيجة المباشرة لهذا المسار هي أن الخزينة وجدت نفسها أمام عجز هيكلي لا يغطى إلا بالاقتراض المتزايد، مما يزيد من تضخم الدين الداخلي وارتفاع كلفته على المدى المتوسط. وإذا كانت الإيرادات الجبائية تحقق نسب نمو مهمة، فإنها تتركز بشكل متزايد على الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، أي على كاهل الأجراء والطبقة الوسطى والمستهلكين، بما يجعل الضغط الضريبي أحد الأدوات الأساسية التي تعتمدها الحكومة لتعبئة مواردها.
وهكذا تكشف أرقام يوليوز 2025 عن وضعية مالية عمومية مثقلة بعجز متفاقم ودين داخلي في تصاعد، مقابل تصاعد عبء الضرائب المباشرة على المواطنين وارتفاع كلفة خدمة الدين. وهي مؤشرات تؤكد هشاشة التوازنات الماكروفينانسية للخزينة وتطرح تساؤلات حول هامش المناورة المتاح أمام الحكومة لتصحيح هذا المسار في ظل محدودية الموارد وتزايد الأعباء.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 25/08/2025