في خضم التطور التكنولوجي المتسارع، يبرز الذكاء الاصطناعي كقوة دافعة تغير ملامح حياتنا اليومية، ولم يسلم من تأثيره القطاع الثقافي الإبداعي والفني. فبعد أن كان الذكاء الاصطناعي حبيس المختبرات وبرامج الحوسبة المعقدة، بدأ باقتحام عالم الفن بأذرع رقمية قادرة على توليد أعمال سمعية بصرية وموسيقية كما أدبية تثير الدهشة والتساؤلات على حد سواء، ما يجعلنا نقف عند عدد من التساؤلات يظل أهمها: هل نحن أمام عصر جديد من الشراكة الإبداعية بين الإنسان والآلة(الذكاء الاصطناعي)، أم أن هذا التقدم يمثل تهديدًا لجوهر الفن وروح الفنان البشري؟
لم يعد الأمر مجرد خوارزميات بسيطة تعدل الصور أو ربما تؤلف نغمات موسيقية عشوائية، بل أصبحنا نقف أمام نماذج ذكاء اصطناعي متطورة قادرة على تحليل الأساليب باختلاف أنواعها، واستيعاب قواعد التأليف، وحتى محاكاة المشاعر والأفكار في إبداعاتها، كما تقديم بدائل لها، فضلا عن توليد نصوص شعرية وسردية تحمل بصمة «كاتب» غير بشري، ما جعل المشهد الفني في تغير مستمر، وبوتيرة لم نشهدها من قبل.
وجهان لعملة واحدة :
في خضم هدا الزخم المهول من التحديات التي تطال مايسمى بالذكاء الاصطناعي، ورغم المخاوف والتساؤلات التي تراود عددا من الفنانين والنقاد و المثقفين، ونتيجة للتصاعد المهول لإمكانياته اللامحدودة، وعن ماهية «الإبداع»و «الأصالة» في حضرته، خصوصا عندما يتجرد العمل الفني من طابعه البشري دو الرؤية البشرية الفردية، ويكتسي طابعا خوارزميا اصطناعيا، إلا أن للبعض تصورات مغايرة حول قدرة هاد الاختراع على توسيع دائرة الإبداع الفني، بحيث يمكن الذكاء الاصطناعي كشريك إبداعي من توليد أفكار أولية، كما يساعد في تنفيذ رؤية فنية معقدة، فضلا عن الانفتاح على أشكال فنية جديدة تجمع بين كل من العناصر السمعية والبصرية كما النصية، وفق طرق تفاعلية مبتكرة. ما يدفعنا إلى طرح مجموعة من التسؤلات حول إمكانية منح عمل فني نتاج للتطور التكنولوجي، لقب عمل فني حقيقي مستحق؟ وهل سيؤدي هدا التطور التكنولوجي إلى تهميش الدور البشري والتقليل من قيمة جهده و إبداعاته؟ وما مآل الفنان أو المبدع البشري في خضم هذا الزخم المهول من التحديات؟
تساؤلات أخلاقية وقانونية :
في خضم النقاشات المتعلقة بالتحديات، يطرح فن الذكاء الاصطناعي جملة من الأسئلة الأخلاقية والقانونية المعقدة المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ومسؤولية الجهة التي تستند إلى تطوير هذه الخوارزميات. لمن تعود الأحقية في ملكية عمل فني نتاج الذكاء الاصطناعي؟ هل المستخدم أم المبرمج؟ وهل يمتلك هذا العمل أساسا حقوق الملكية الفكرية؟
نحو مستقبل مشترك :
يمكن القول إن العلاقة بين الفن والذكاء الاصطناعي وجهان لعملة واحدة، تتجه نحو شكل من أشكال التعايش، يستدعي الأول إعادة التفكير في تعريفنا له وفي ماهيته، بينما يتطلب الثاني استخدامه كأداة مساعدة مبتكرة تفتح آفاقًا جديدة للتعبير والإبداع وفق قواعد أخلاقية وقانونية واضحة ومنظمة.
وبينما نسعى تقدما في هذا العالم الجديد ونخطو خطوات نحو المستقبل، يبقى السؤال الأهم يتمحور : حول إمكانية تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لخدمة الفن والإنسانية مع الحفاظ على جوهر الروح الإبداعية البشرية؟
الإجابة عن هذا التساؤل، ستشكل ملامح المشهد الثقافي في العقود القادمة.