له لهما طعْمُ الكوثر في أصائلها
ولي منهما طبعُ غُرّة الصباح،
سلامً عليك بحرُها منك فوّاح،
وفصولٌ تُسلِمُنا منك إلى مواسمك،
أمداؤها هيهات تُدرَك، وأنَّى تُترك،
هل شاهدت موجًا يلثُم الوجوهَ الملاح،
يناجيك حديثًا نديَّ اللمسات؛ أم عرفتَها؟
اعطني أرضًا كفُّهُا يُصافحْ بزُلال ماء،
وأخرى وشيُها أزرقُ شهابٌ في السماء؟!
أيُّ أرض غيرَها، لا تقُل أبداً شِبهْها،
تهُبتلقاك، تُسقاك،تلثُم الّلمى بالضّياء،
لا تقل فوقها، نُحِتت منه، فمن بعده سيهواها؟!
وغروبُها مائدةٌ مُهداة ٌحافلةُ لصَبْوة المساء!
أيُّ طيفٍ عداه،ثكلته فمن يُناغيها هواها؟
وستبقى، لا تقُل ثمّة ما يُضاهيها، لا سِواها،
فِتنتُها يحرُسها أشاوِسُها، الأوفياءُ الأصلاء.
***
قلت أبشِر، قد دنوتَ من شميم الألق،
على نغمةٍ من ولعٍ، تفتّحَ وردُ الشّفق.
ذاك بعضُك منها، أم وجهُها المستتِر،
أم تُراه هاج له لها شوقُنا المستعِرّ،
تدلّى خُصلةَ موجٍ على نحرها،
.. وحتى الحفيفُ طرِبٌ في الشجر،
وما سكِرتْ به العينُ منها، وغَنّى الوتر،
أولّ الغيث قَطْرٌ معلومٌ به فهو سيّدُها،
وفي موسمها هو الحُبّ عينُه ما انهمر!
***
معاذ الله أن نعصى الخالقَ، فكيف إذا نُحتت من شمائله صفاتُ الخَلق والخُلُق البديع. الطريق إليها وسيع. يسبقني شوقٌ متضوِّرٌ إلى شَهْد نظرتها، شوقي إليك نَديٌّكهذا الفصل الربيع. ذهبت لأنطوي في لُهاث المسير.أُسرع في الضوء إليه، أنضوي في الأثير، ثم أفنّى حتى النّجيع. وفي غُرّة صبحٍ مشعشِعٍ بكَحيل الطّرف ألقاها، صرت أهواهاـ بعدما كابدتُ شوقاً، وقد تهت ـ ما أزال ـ عُمرًا، أعانق فيها حبًّا لهَفِي عليك، كأني أخشى أن يضيع، من خلائقه الكِبْر،أجل، ولا أخشى أن يذيع.
***
وما نسيتُ النوارس،
ففي صدري عُشٌّ لها تسكُنه،
وفي صدر صهباءِـ الجوى هي مكمَنُه.
صبابةٌ في الغياب، وهذا الحضور مسكنُه
أعرفها ساحرةً تطرِز الليلَ بأهدابها،
حرائقُ شهوتها أدرى بأوصابها.
على فتحة الجُرح يدٌ منها تلامس،
وثانيةٌ تُشعل الجمرَ مِنّي وتسكُبُه،
لم يبال ذو القروح إلا بصهبائها،
وفمٍ لها كأسَ راحٍ بها تشربُه.
***
لا تسألوني، غيرَها، بعدها،
يا تُرى، مثلًا، ما اسمُها ؟ّ!
صهباءُ الشمال، أمِ الروح،
خفِّفِ النار، فالقلب حرائق،
ألهِب الحب فتلك أصيلة،
في السُّفور وبالحبور أسيلة.
جذبت إليها الدنيا من أقاصيها،
فكيف بمن فيها، ومِن دانيها!
أيُّ مفتون، وكلُّ دعيٍّ تداعى لها،
لا بأس عليكِ، شمسُكِ اليوم منكَّسةٌ
واعلمي كلُّ فاتنةٍ عداك كليلة.
***
وحدَه رجلٌ،
رأته رآها
حبَته هواها
وفي الجنب طواها
قد دهاها حدثٌ جلل
حضنته العيساويةُ ثراها
شرِقت مآذنٌ بدمع المُقل
علمٌ هو نارُ الجبال،
يَسري فجرًا خفيفًا خطوُه،
بين أزقتها وشِغاف الوِصال،
رَبُّ الخليقة لها اصطفاه
أصيلة دومًا تصاحبه بدلال.
بعينيها يرى، حبُّها نبضُه،
ويُرى وحدَه، أو حفيفًا ظلُّه،
قويُّ الشكيمة، تأبّى على الأيام،
وواحدٌ عرفناه تفرّد بين الأنام.
خمسون حوْلًا، فيا لبَهٍيِّ الخصال،
نساءٌ حوله يرقبنه كالهلال،
ودونه حصنٌ منيعٌ بالرجال.
وحده، بل نحن والأرض كنّا كلَّه،
فارسُ كلِّ الحلبات صال فيها وجال.