الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند: دونالد ترامب لم يعد حليفنا، وولايته الثانية تمثل «قطيعة عميقة» مع أوربا

في هذا المقال، بقلم الصحفيين «ساندرين كاسيني» و «توماس ويدير» لصالح جريدة «لوموند»، يقدم الرئيس الفرنسي السابق «فرنسوا هولاند» وجهة نظره حول الأسابيع الأولى من ولاية دونالد ترامب الثانية. وفقا لرئيس الدولة السابق، فإن «طموح الرئيس الأمريكي هو فتح صفحة جديدة في الجغرافيا السياسية الحالية، حيث لا يحتسب إلا تواجد 3 قوى رئيسية: الولايات المتحدة، روسيا والصين، مع التخلي عن أوروبا».

o o ما هو تقييمك لزيارة إيمانويل ماكرون لواشنطن؟، هل ترى في ذلك نقطة تحول في موقف ترامب من أوكرانيا؟، وهل تعتقد أن الرئيس الفرنسي حقق نتائج مرضية، كما ادعى وزير الخارجية جان نويل بارو؟

n n لا، لأنني سأوضح إجابتي. إن الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يكون لها علاقة تذكر بولايته الأولى، كون عقلية دونالد ترامب لم تتغير، لكنه (بشكل ما) لم يعد نفس الرئيس السابق بعد الآن، كما قد فتحت ولايته الجديدة «قطيعة عميقة» مع «أوروبا». ومنه، يجب أن نستنتج ما يلي: «بينما يظل الشعب الأمريكي صديقا لنا، فإن إدارة ترامب لم تعد حليفتنا».
يقاس هذا الفراق بــ3 حقائق رئيسية: «التخلي عن أوكرانيا» وهي دولة معتدى عليها وندعمها، لكن ترامب يقول إن قائدها «ديكتاتور»، «استعداده للانخراط في حوار مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي نعتبره «تهديدا وجوديا»، حقيقة أن الولايات المتحدة انضمت إلى روسيا وكوريا الشمالية في الأمم المتحدة للتصويت ضد قرار اقترحه الأوروبيون لدعم أوكرانيا.

o o أتقول إن دونالد ترامب لم يعد حليفا بل صار خصما لنا؟

n n نعم، لم يعد حليفا كونه يعقد اتفاقا مع خصومنا.
بالطبع، كانت هناك دائما اختلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن ما نشهده اليوم لم يعد ذا طبيعة مماثلة. بالإضافة إلى تصويت «الولايات المتحدة» في الأمم المتحدة، هذه هي المرة الأولى التي تدعم فيها الولايات المتحدة الحركات المتطرفة في قارتنا، والتي تهدف إلى تغيير طبيعة ديمقراطياتنا بشكل عميق.
خلال فترة ولايته الأولى، اكتفى ترامب بتمزيق ما فعله سلفه باراك أوباما (اتفاقية المناخ والاتفاق النووي الإيراني). والآن، يطمح إلى كتابة صفحة جديدة تماما في تاريخ العلاقات الدولية. في نظره، لا توجد سوى 3 قوى مهمة ــ الولايات المتحدة وروسيا والصين ــ وأن «أوروبا» لم تعد موجودة. عندما أرى الطريقة الفظة التي يهاجمنا بها بشأن القضايا الاقتصادية والتجارية أو رفضه تنظيم عمالقة الإنترنت والذكاء الاصطناعي، فلا شك أن هدفه الحقيقي هو نحن (أوروبا) وليس الصين كما يدعي.

o o هل كان هناك أي جدوى من الذهاب إلى واشنطن؟

n n لا ألوم رئيس الجمهورية على الحوار مع ترامب أو السعي إلى إشراك الأوروبيين في المفاوضات بشأن أوكرانيا، حتى لو كان من الأفضل (بلا شك) الحضور إلى واشنطن في نفس الوقت وفي مجموعات وليس بشكل متفرق. ولكن، لا ينبغي لنا أن نكون مغترين بأي أوهام.
مع دونالد ترامب، «الإغراء» و»الجدال» لا فائدة منهما، كونه يحترم مصالحه فقط. لذلك، عليه أن يفهم «أننا لا يمكن أن نسمح بفرض الرسوم الجمركية علينا من دون أن نرد عليها»، ولا يمكننا أن نسمح لـ»شركات أمريكية كبيرة» بـ»إنشاء متاجر لها في بلداننا إذا استمرت إدارته في إهانة قادتنا ومهاجمة حرية التعبير كما نفهمها».

o o هل تخاف من أن يقدم فلاديمير بوتين على مهاجمة دولة أوروبية أخرى؟

n n في الماضي، لقد عملت كثيرًا مع بوتين، وفهمت منذ اجتماعنا الأول أنه «لن يحترم سوى توازن القوى»، وأنه يتقدم طالما لم يتم إيقافه، وسيأخذ كل ما نتركه له، وهذا ما حدث بعد رفض باراك أوباما التدخل في سوريا في غشت 2013، حيث كان هذا القرار «مأساويا» بالنسبة للسوريين أنفسهم، الذين انتظروا 11 عاما قبل أن يتحرروا من دكتاتورية بشار الأسد، لكن بوتين فسره على أنه «اعتراف واضح بالضعف يسمح له بعد عام واحد بضم «شبه جزيرة القرم» والتدخل بالوكالة في «دونباس».
إذا تم التوصل اليوم إلى اتفاق لوقف إطلاق النار – في أسوأ الظروف الممكنة – أي «مع استيعاب الأراضي المحتلة»، «سحب كل المساعدات الأمريكية»، «غياب الضمانات الأمنية الجادة لأوكرانيا، فإن بوتين سوف ينتظر اللحظة المناسبة للذهاب إلى أبعد من ذلك، في أوكرانيا، بالتأكيد، أو حتى أبعد من ذلك، إذا كانت لديه القدرة. وعندما أقول إنه سينتظر، فهذا أمر ضروري، لأن بوتين ليس لديه نفس العلاقة مع الوقت كما لدينا، ويعتقد أن حياته كلها أمامه. أما في أوروبا والولايات المتحدة، لا يملك الزعماء سوى مدة ولايتهم كأفق لهم.

o o في مواجهة ترامب وبوتين، كيف ينبغي لأوروبا أن تصمم سياستها الدفاعية؟

n n بالتأكيد ليس مع الـ27، لأن الاتحاد الأوروبي منقسم بشأن هذه القضية الأساسية. أولا، لأن هناك داخلها عدة ولايات تقودها حكومات يمينية متطرفة، وهي مرتبطة ببوتين ومتحالفة مع ترامب. ثم، لأن بعض الدول تشعر بقلق بالغ من انقطاع التحالف مع الولايات المتحدة، لذا فإنها ستفعل كل ما في وسعها لإعطاء الضمانات للإدارة الأمريكية والبقاء تحت حمايتها. بالنسبة لترامب، الأمر كله يتعلق بالمال. ولذلك فإنه سوف يمنحهم درعه على نحو ثنائي، ويعرض عليهم مقايضة: «ادفع لي، ثم أحميك!».
لا أقصد أنه لن يتم فعل أي شيء في ما يتعلق بالدفاع مع الـ27. إنني آمل أن تبادر المفوضية الأوروبية إلى إطلاق قرض مشترك سريعاً لتجديد مخزوناتها من المعدات العسكرية. ولكن، إذا كنا راغبين في بناء «الأمن الأوروبي الحقيقي» – فلابد وأن يتم ذلك بطريقة مختلفة – أي مع عدد قليل من البلدان، وأنا أفكر في المملكة المتحدة- التي لم تعد عضواً في الاتحاد الأوروبي – ولكن لدينا معها تقارب كبير في القضايا الاستراتيجية، والتي تمتلك مثلنا أسلحة نووية. ولكن الأمر ينطبق أيضا على ألمانيا، التي يعتبر انهيار التحالف عبر الأطلسي بمثابة صدمة عميقة بالنسبة لها.
عندما أسمع فريدريش ميرز (المستشار المستقبلي المحتمل) يتحدث عن «استقلال» محتمل عن الولايات المتحدة، فهذا يشكل بالنسبة لي تطوراً كبيراً يتعين علينا أن نستغله. ولكن، لن يكون هناك دفاع أوروبي طالما استمرت البلدان المعنية في شراء المعدات الأمريكية.

o o في عام 2019، قال السيد ماكرون إن حلف شمال الأطلسي في حالة «موت دماغي». بعد 6 سنوات، هل أصبح الأمر كذلك بشكل نهائي؟

n n لا، ولكن يجب علينا أن نسأل أنفسنا: «ماذا يمكن أن يكون التحالف الأطلسي بدون الأمريكيين؟».. لا أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من حلف شمال الأطلسي، ولكن من المرجح أنها سوف تسحب قواتها (التي يبلغ تعدادها نحو 80 ألف جندي) على الأراضي الأوروبية. في هذه الحالة، هل ترامب والاتحاد الأوروبي لا يزالان مستعدان لتأكيد استمرار تطبيق المادة 5 تلقائيًا؟.. سوف يتعين علينا الاستعداد لذلك، حتى بدونه.

o o إذا هاجمت روسيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، فهل ينبغي لفرنسا أن ترسل قوات؟

n n إن فرنسا عضو في حلف الأطلسي، أي أن الهجوم المباشر على إحدى الدول الأعضاء فيه يفترض أن تهرع كل الدول الأخرى لمساعدته، ولذلك، فإننا أول من يشعر بالقلق، ونحن كفرنسا نعد بذلك وسيكون ذلك من واجبنا.
أنا لا أتجاهل قضية «الردع النووي»، إذا لم تعد الولايات المتحدة تفي بالتزاماتها تجاه قارتنا وتتعامل مع خصومنا، فهل سيكون من الضروري توسيع النطاق الجغرافي لقواتنا الرادعة وإعادة تعريف ما نعتبره «مصلحتنا الحيوية؟». إن هذا النقاش صعب بشكل خاص بالنسبة لفرنسا لأن قرار استخدام «القوة الرادعة» لا يمكن أن يكون مشتركا، ولا يمكن لأحد أن يقرر نطاقها إلا رئيس الدولة. ولكنني ألاحظ أن البلدان التي لا تمتلك مثل هذه القوة (مثل ألمانيا) بدأت تتساءل عمن ينبغي له أن يحميها كملاذ أخير إذا لم يعد الأمريكيون هم من يقومون بذلك.

o o أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن زيادة الإنفاق الدفاعي في المملكة المتحدة من 2.3% (من الناتج المحلي الإجمالي) إلى 2.5% بحلول عام 2027. وتحدث السيد ماكرون عن هدف يتمثل في الوصول إلى 5%. ما هو موقفك؟

n n على فرنسا أن تبدل بالفعل جهودا دفاعية – قد زادت منذ عام 2015 – وهي الآن تتجاوز 2%. ربما يكون من الضروري الاستمرار، لكن نسبة 5% تبدو لي «مفرطة» و»غير منطقية» و»غير مناسبة». في هذا المنطلق، لا يتعلق الأمر بـ»الكم»، بل بـ»المشاركة». لذلك، يجب علينا أن نكون عازمين على استخدام القوة، وما دام هناك شك من جانب أعدائنا بشأن قدراتنا العسكرية ومصداقيتنا السياسية فإننا ضعفاء، بغض النظر عن مقدار الأموال التي يتم إنفاقها.

o o ولكن، كيف يمكننا تمويل هذه الاحتياجات، مع العلم أنه من المتوقع أن يصل عجزنا إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025؟

n n من المؤكد أن زيادة الإنفاق أمر ضروري، ولكن لا ينبغي التضحية بمساعدات التنمية كما هو الحال في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، لتجنب بعض التناقضات وخاصة في ما يتصل بقضية الهجرة. ولكن، لا يمكن أن يكون هناك أي مجال للتضحية بنموذجنا الاجتماعي، حيث سيكون هذا هو السبيل الأفضل للحفاظ على شكل من أشكال السلمية الأقرب إلى الانسحاب، حيث سيكون الشعبويون أول المتحدثين باسمه، أما اليمين المتطرف دائمًا يؤيد السلام تحت أي ظرف وقد أثبت التاريخ ذلك.

o o هل يمكن أن يفهم الرأي العام مثل هذا الكلام؟

n n نعم، بشرط أن نتذكر ما هي فرنسا ومعنى وطنيتنا. إن فرنسا «دولة مستقلة»، «تحب الحرية» و»تدافع عن القانون الدولي والتعددية»، كما أنها دولة أوروبية، ولا تنوي التراجع عن أي من التزاماتها.
إن الأمر لا يتعلق بالالتزام باعتبارات الميزانية أو العسكرية، بل يتعلق بالإجابة بدقة عن السؤال الذي يتعلق بما تستخدم فرنسا من أجله في أوروبا والعالم، وهنا يكمن أكبر حرج لليمين المتطرف. ولكن، هناك سؤال: «ما هي الفائدة من «قوميته» إذا كانت تسمح لبوتين بابتلاع بعض جيراننا، وتسمح لترامب بمهاجمة مصالحنا الاقتصادية ووظائفنا بشكل مباشر؟ وسوف نرى من يدافع عن الوطن، ومن لا يدافع عنه، إن الرغبة في السلام من أجل السلام تعني التأكد من وجود الحرب، وهذا ما شهدناه بالفعل.

o o ألا يتطلب تمويل هذا الجهد تضحيات؟

n n دعونا نواجه الأمر: سوف يفرض دونالد ترامب علينا تباطؤًا خطيرًا في النمو. وإذا زادت الرسوم الجمركية مع تزايد الحماية، فسوف يكون هناك المزيد من البطالة والتضخم، وسوف يفرض علينا ترامب بذل جهود لزيادة الميزانية بقدر أكبر لتمويل أمننا، لكن بدلاً من التضحية، أفضّل أن أتحدث عن مستقبلنا، هذا إذا أردنا أن نكون مستقلين ونستمر في العيش في ظل الديمقراطية، حيث يتعين علينا أن ندفع الثمن. إن هجوم ترامب ليس تجاريا فهو أيضا أيديولوجي وإمبراطوري. إن ما هو على المحك هنا هو الحفاظ على قيمنا، وسيادة القانون والديمقراطية.

o o نحن نسمع القليل من الزعماء السياسيين بشأن هذه القضايا. فهل لاحظت أي شكل من أشكال الوهن؟

n n لقد لاحظت بالفعل مثل هذه اللامبالاة تجاه «القضية الأوكرانية» في عامي 2014 و2015، عندما اتخذت قرارًا بعدم تسليم «الميسترال» إلى «روسيا»، أو عندما كانت معظم الأحزاب السياسية قبل عام واحد ضد التدخل في سوريا.
أجد «اللامبالاة» لدى بعض الناس الذين ينظرون إلى ترامب كمثال، مثل «اليمين المتطرف» أو «جزء من اليمين»، والذين ينظرون بشكل إيجابي إلى الرياح المناهضة للدولة التي تهب في الولايات المتحدة مع إيلون ماسك. علاوة على ذلك، لا يزال السياسيون يعتقدون أن روسيا (بوتين) هي «روسيا الأبدية»، وأن من الضروري التحدث معها وأن الأمر ليس سيئا للغاية إذا فقدت أوكرانيا جزءا من أراضيها. ولكن وراء هذه المظالم، وحتى هذا الرضا عن بوتين وترامب، هناك شيء أكثر خطورة: «عبادة الزعيم»، ولأن هذه هي الرسالة التي يحاول كلاهما إرسالها: «الديمقراطية بطيئة وعاجزة وغير فعالة، وإن الاستبداد هو الحل الوحيد لقسوة العصر».

o o هل تتطلب خطورة اللحظة شكلاً من أشكال الوحدة الوطنية؟

n n مسؤوليتنا اليوم، هي الحفاظ على مصالحنا الكبرى وبناء أوروبا قوية من حيث الدفاع. إذا كانت «القوى الجمهورية» على هذا المستوى من الوعي، وإذا دعانا رئيس الجمهورية إلى التوحد حول خيارات معينة، فأنا متأكد من أن الاشتراكيين لن يتراجعوا، من دون أن تكون هناك حاجة إلى تصور بناء حكومي «باروكي».. أنا مِن/ وفي المعارضة، وسأبقى فيها دائما…


الكاتب : تـرجمة : المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 07/03/2025