الراضي وأنا عندما قال لي: أغادر القصر كما أدخله، مناضلا اتحاديا!

كانت سنواتي القليلة إلى جانب الفقيد عبد الواحد الراضي خصبة من حيث التكوين السياسي وطريقة التفكير وتدبير بعض الأزمات، وبعضها حاد للغاية إلى جانبه في الواجهة الإعلامية.
وتبين لي من هذه الفترة الوجيزة في قيادة الحزب ثم في الالتقاء به والنقاش معه أن الرجل متفرد للغاية.
ومن ذلك أن اكتسب، من سعته الثقافية وملكة الإنصات، قدرة هائلة على التعبير السلس البسيط والعميق في نفس الوقت، ولم يكن في حاجة كبيرة إلى البحث عن الصيغ المركبة للإقناع، تلك ميزة رجل مناضل ومثقف راكم من التجربة الميدانية والثراء الفكري، ما جعله يعثر بسهولة على الصيغة المناسبة.
كما كان يحب الكتب، ولم أر ضوءا يشع من عيني قائد أورفيق كما رأيته في عينيه كلما رآني حاملا كتبا أو أتحدث عن آخر قرأته حديثا.
كان بالفعل يعتبر القراءة والمتابعة والتثقيف واجبا نضاليا ومتعة وجودية، وهو ما سيتبين من خلال صفحات كتابه ..
وقد اكتسب مهارات في التواصل، بسيطة ونفاذة!
مرة، وفي سياق مشحون من فترة توليه الكتابة الأولى للاتحاد، تلقى انتقادا من أطراف التياسُر والنقد الجذري غير المسؤول، ومنه ما بدأت تنشره بعض الأقلام في الوسائل الاجتماعية..
ومن ذلك أن هناك من اتهمه، بأنه يساري القصر أو المخزن أو عبارة من هذا القبيل.
ولعل من أكثر عباراته فرادة وتميزا هو ما قاله لي وهو يستعرض بعضا من ذلك، في مقام عابر في الواقع « أزدِّي حميد- وكان يحلو له أن يناديني بهذه العبارة- أنا بعدا كاندخل القصر مناضل اتحادي وكانخرج منو مناضل اتحادي.. ولست متأكدا من أنهم، (أي الذين ينتقدونه وقتها)، سيخرجون كما يدخلون!َ”. طبعا فهمتها (كيَّتْهوم هوما) فضحكت ملء فمي، ضحك الاحتفاء بذكائه وزادني ذاك الضحك سعة في الفرحة بمعرفته.
سأذكره بهذه العبارة بين الفينة والأخرى ونضحك، وكان تعليقه “وما زلت كذلك”.
لم يكن يحب أن يظهر بغير ما هو مقتنع به ولا يصنع لنفسه بورتريها ذاتيا يمليه عليه من مناسبة ما أو سياق ما.
ومما أذكره له، بكثير من المودة والتقدير العالي..
“كنت نمشي عند سي عبد الرحيم ونقول قال لك سيدنا، ونمشي عند سيدنا ونقول قال لك الأخ الكاتب الأول”، وهو ما أرادني أن أفهم منه أنه لا يغير الألقاب والتسميات حسب المخاطب والمرسل إليه، في بادرة التلقي الذي قد تفرضها أحيانا حالات التواصل.
وهو ما يسير في نفس الاتجاه الذي يجعل طرفي الرسالة يحترمانه ويحترمان نزاهته…
طبعه الديموقراطي جعله بعيدا عن الاستعمال الخطابي السطحي الذي يضمر لغايات السياسة غير ما يعلن، وإن كان يعرف الصمت الطويل، الذي تتطلبه الدولة ومهامها أكثر من أي أحد…
لطالما اعتبر الصمت في بعض المقامات عربونا ومعيارا للحكم على من هو من طينة رجال الدولة ومن لا يصلح لها، وهو حديث الغد..
يتبع


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 30/03/2023