الراقد

لم يكن النادل يعرف أن الشخص الذي هو أمامه ولد حديثا، فأمه كانت تحتفظ به في بطنها باعتباره راقدا فيه. تقول للناس: قبل أن يموت زوجي بأسبوع عاشرته كعادتي، وفي نهاية أسبوع المعاشرة مات بالفقصة، قال لها أصدقاؤه: لقد راهن على جياد سباق، ولكن ظروفا طارئة جعلته يتأخر عن المشاركة في الرهان، ولسوء حظه، كانت الأرقام رابحة، فأصيب بصدمة، وبدأ يضرب رأسه مع رأس حصان مرسوم على جدار، إلى أن سقط مدرجا في دمائه، أما هي فلم يتحرك بطنها منذ ذلك اليوم رغم أنها كانت تشعر بشيء ما في هذا البطن!
قالت المرأة للنادل: شاي بالنعناع، وأخرجت رضاعة حليب من حقيبتها اليدوية، وطالبت النادل بملئها بماء ساخن. ثم وضعت علبة حليب مجفف فوق الطاولة، فمد الرجل يده إليها فضربته على كفه، فتراجع إلى الخلف.
حركت المرأة بودرة الحليب وسط الرضاعة، وقاست درجة سخونة السائل على ظهر كفها ، ولما اطمأنّت إلى أن دفء السائل معتدل مدته بالقرعة، فبدأ يمتص السائل الأبيض، ويضحك!
قال الزبون الذي يجلس قربهما: ضعيه جيدا فوق المقعد فإنه مائل ويمكن أن يسقط، تجهم الرجل وألقى بالرضاعة على وجه الزبون، ومد رجليه إلى المرأة، فتحت هذه الأخيرة حقيبة سفر صغيرة بجانبها، وأخرجت حفاضات ومرهما جلديا ، وجرت كرسيا فارغا قربها، وأزالت تبان الرجل، ووضعت المرهم بين فخذيه، ولفته في الحفاضة، وقالت له: لا تكرر فعلك هذا! بدأ يحرك رجليه إلى أعلى ويضحك!
قال النادل للمرأة: كم عمره؟
قالت: ستة أشهر! وضحكت.
هذا رجل، قال النادل! وضحك.
أعرف ذلك، قالت المرأة! لقد تركه زوجي في بطني منذ عشرين سنة، لقد رفض الخروج، لأنه لا يريد تكرار مأساة أبيه!
لكن شاربه كث وشعر رأسه تتخلله شعيرات رمادية!
قلت لك: كان راقدا، ولم يطمئن إلى العالم ويخرج من بطني، إلا حين سمع رجلا يتحدث إلي، ويقول لي: هل تتزوجيني؟
تذكرت ليلة معاشرتي لزوجي والحركة الغريبة في بطني، فتحرك كل ذلك في الشهور الأخيرة، وأحس الكائن المتحرك بردة فعلي، فانزلق واقفا.
قال لي: اختبأت عنه لأنني كنت سببا في موته، لما كنتما فوق سرير الزوجية، تسللت إلى جيبه وسحبت أرقام الخيل من جيب سرواله، ولما انتهيتما كنت الرقم 35 ، لقد انتظرت موته وتحلل جثته كي أخرج إلى هذا العالم.
ضربت المرأة الرجل الذي كان راقدا بحقيبة يدها، فتدحرج جهة الزبون، التقطه هذا الأخير، ورده إلى المرأة ، شدته من يده، وجرته إلى الشارع.
وسط الشارع ، جهاز تلفاز كبير تجري فيه الخيل، خيل حلال بلا أرقام هذه المرة! خيل بالبرنوس والمكحلة والبارود المحلي.


الكاتب : عبد العزيز حاجوي

  

بتاريخ : 28/06/2024