«الرجل العجوز والمسدس» الذي لم يستعمله

 

((بنهاية تصوير فيلم «الرجل العجوز والمسدس» لديفيد لوري، أعلن بطله روبير ريدفورد وضع حد لمشواره المهني كممثل، فقد منحت شخصية فورست تاكر – بنظراته البراقة الثاقبة وكاريزمته الساحرة – للنجم العالمي أجمل نهاية لمشوار رائع في مجال التمثيل يتميز بالغنى والتفرد))
1 – رشاقة .. وسامة .. وخف يد
بهذه الفقرة الواردة في كاتلوغ الدور 18 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش بمناسبة تكريم الممثل روبير ريدفورد، نستهل هذه المقاربة الخاصة بهذا النجم كما بفيلمه الأخير (العجوز والمسدس) والذي يبدو أنه فُصِّل على مقاسه أو كُتب من أجله، كما حدث مع زميله روبير دي نيرو (76 سنة) في فيلم (الرجل الإيرلدني) لمارتن سكورسيزي الذي عرض بدوره في نفس المهرجان دون أن يعلن دي نيرو اعتزاله التمثيل.
جاء بملخص الفيلم: «قضى فورست تاكر حياته بين سرقات البنوك والهروب من السجن. اليوم ورغم بلوغه الستين، مازال يستمر في مزاولة نشاطه المفضل تاركا وراء بعد كل عملية سطو موظفي البنوك في حالة من الا رتباك.. غير أنهم رغم ذلك يجمعون على وصفهم للرجل المسن الذي قام بسرقتهم، بأنه رجل مهذب. لكن بعد أن أصبح على عاتق الشرطة أن توقفه من جديد وبعد علاقة حب جديدة، هل يمكن لعقد الستين الذي بلغه فوريست تاكر أن يكون السن المثالي لتغيير حياته؟»
من خلال هذا الملخص، يتبين أننا أمام فيلم لا يخلو من طرافة وحس فكاهي، إلا أننا خلال الفرجة – وتبعا لخلفية معرفتنا بأنه الفيلم الأخير لريدفورد – فإننا لم نكن نشاهد ونتابع فوريست تاكر، بقدر ما كنا نعاين ونودع روبير ريدفورد سينمائيا الذي لم تتغير سحنات وجهه كثيرا رغم تجاوزه سن الثمانين (83 سنة).. فلم يصب بالسمنة ولا طاله الهزال وشحوب الشيوخ، بل لازال ذا قوام ممشوق، نظرات ثاقبة، وأناقة خاصة تميزه عن معظم زملائه وأترابه، كما بدا في عدد من أفلامه.
بل حتى في الأفلام التي تجري في فضاءات رعاة البقر، ظل ريدفورد متميزا بهذه الوسامة والرشاقة اللافتتين كما في فيلم (بوتش، كاسيدي وساندس كيد) إلى جانب النجم بول نيومان للمخرج جورد هيل 1969. وكما في الفيلم الشهير الذي أخرجه بنفسه سنة 1998: (الرجل الذي يهمس في آذان الخيول) والذي يعد اعترافا وتمجيدا لنوع من الصداقات النفيسة التي يمكن أن تربط بين الإنسان والحيوان، لاسيما الفرس.
ومعروف عن روبير ريدفورد ولعه بالحصان، ففي فيلمه الأخير هذا (الرجل العجوز والمسدس) ثمة مشهد أثير يعتلي فيه فوريست ظهر حصانه متجولا بهدوء على إيقاع أغنية أنجلوساكسونية حالمة.. وخلفية غابة مخضرة.. بينما فيلق من سيارات الشرطة يذرع الطريق بحثا عن ذلك اللص الشيخ الذي دوخ رجالها.. في الوقت الذي كان هو يتبختر فوق صهوة جواده مراقبا سيارات الشرطة وقد أثثت ألوان مصابيحها الكهربائية الدوارة بالأحمر والأزرق، مع حذف صوت منبهاتها، الفضاء بتشكيلة لونية مبهجة.. في الوقت الذي كان هو يتابع المشهد دون أن تفارق ابتسامة استخفاف وثقة بالنفس شفتيه.
2 – ابتسامة.. سرقة.. ومواساة
تتكون عصابة الرجل العجوز من ثلاثة شيوخ يترأسهم فوريست هذا والذي لم يطلق رصاصة واحدة من مسدسه.. كما أنه لم يكن يصرخ في وجوه الموظفين الذين يسرقهم مهما كانت مرتباتهم وجنسهم، مع معاملة النساء منهم معاملة (جنتلمان) لبق «دون أن تفارق الابتسامة شفتيه» هذه العبارة الأخيرة التي تم ترديدها عبر مجرى الصوت الخارجي في نهاية الفيلم حيث قال المعلق: «بعد إلقاء القبض على الرجل المسن، وفي سائر المرات الأربعة الأخيرة التي سطا فيها على البنوك، لاحظ رجال الشرطة أنه: كان يبتسم»
وهكذا زيادة على الطابع البوليسي المشوق، اتسم (الرجل العجوز والمسدس) بنفحة كوميدية وأيضا رومانسية تفيض طيبة وكياسة من طرف لص ظريف لا يتوان عن مواساة ضحاياه ورفع معنوياتهم كما يخفف من روعهم الذي سببه لهم شهر سلاحه في أوجههم.. بل يهب بنفسه لمساعدة الشرطي الذي كان يلاحقه، على تنظيف قميصه من بقعة زيت لطخته، مزودا إياه بنصائح إن هو أراد القبض على «عصابة الشيوخ».
يقول فوريست تاكر هذا وابتسامة دافئة تكلل محياه البشوش قبل أن يتوارى خلف الباب.. ليحل محله روبير ريدفورد بذات الثقة بالنفس والتألق الشبابي وهو ينتصب أنيقا شامخا أمام شاشة المهرجان الكبيرة – رغم قصر قامته – والذي قبل أن يتوارى في الكواليس، صوب نحو الجمهور: ابتسامته.


بتاريخ : 23/12/2019