الروائي البيروفي ماريو فرغاس يوسا: «ليس على كاتب أن يتنكر لماضيه»

جاء هذا الحوار على إثر صدور ثلاثة مؤلفات عن الروائي البيروفي فارغاس يوسا ،كتابان بعنوان «حقيقة كاتب « و»حوارات في البيرو» ثم «طرق متوازية « من توقيع صاحب الحوار خوسي لاثارو، وهي كتب ثلاثة لم يسبق لها أن نشرت بإسبانيا حسب ما أفاد به المحاور.
وقد تخلل الحوار الحديث عن تجربة الكاتب البيروفي يوسا مع أدغال البيرو وديكتاتورية الجنرال أودريا وتنكيله بالبيروفيين وقضايا الكتابة والالتزام من منظور سارتري تأثر به أيما تأثر صاحب جائزة نوبل ،كما ينطرح في هذا الحوارمن خلال استحضار رواية يوسا «حديث في الكتدرائية» مفهوم التأليف والمثقفين الذين يغيرون الرأي.
الحوار إضاءة لمختلف جوانب الموضوع.

p تمثل دوري في نشر الأعمال الثلاثة، في دور القيم على الزواج:فبينما كنت أشتغل على العمل الثالث كنت أقرأ العملين الآخرين.
واحد منها كتبته بالإنجلزية، منذ سنوات، وبعث به إلى writo s reality (Syruse University Press 1991)

n أما العمل الآخر فكان عبارة عن تحويل برمجي للحوارات مع صحافيين بيروفيين أنجزت مابين 1964و 2019 ،تم تجميعها من طرف الكاتب خورخي كاوغيا وبعلمك، لكن دون إشرافك ، وحمل عنوانا أصليا «ماريو فرغاس يوسا:حوارات متناثرة،مابين 2004 و 2019 أنجز في خمس طبعات بليما.
وقد فوجئت،على أهمية هذه الأعمال الثلاثة، كونها لم تنشر أبدا بإسبانيا.ولما سألناكم عن السبب،أجبتم بعدم وجود أي مانع سوى أنه لم يتقدم أي ناشر بالمقترح، وعليه طرحت الأمر عليكم وهو الاقتراح الذي تم قبوله من الجميع فورا.
اتصلنا رسميا ،هاتفيا ، بسلسلة الكتب (و التي قريبا ستعرف اتساعا ) «المخلفات الكاملة» لماريو فارغاس يوسا ،هذا العنوان ورد في ذهن سباتير منذ 40 سنة ،عندما نادى شاب عليه وبإلحاح وقت القيلولة طالبا المخطوط.ولكي يتخلص منه فرناندو مكنه من بعض المقالات التي كانت لديه بالقمطر، إلا أن الناشر عاد للاتصال به ليخبره بأنها لا تتوفر على عنوان .
شبه نائم أجابه، وإذن لا أعرف…ضع «مخلفات كاملة « بهذا التحديد الجميل نحيل على أعمال ثانوية لكاتب كبير(حوارات،رؤوس أقلام ،نصوص،رسائل، محاضرات..) والتي ، في كثير من الأحيان لا تتضمنها كتبه الرسمية، ولا هي موجودة حتى في أعماله، بيد أنها يمكن أن تكون ذات نفع، لأنه ،أحيانا ، في الهوامش تكون المفاتيح التي تضيء صلب الموضوع .
علاوة على أن هذا يطرح موضوعات عامة ،على قدر من الأهمية كبير، والتي أنا أتحاور معكم في شأنها: العلاقة في ما بين الشفهي والكتابي ، حدود مفهوم التأليف أو معنى العودة إلى التفكير، حول ما كان فكر به الإنسان منذ سنوات.
قبل كل شيء أود أن أشكرك على قيامك للترويج لهذه الكتب الثلاثة. الواقع أنها تثري، كثيرا، الرؤية التي يمكن تكوينها عن رواياتي، فهي تحتوي على جملة عناصر الحكم على الصيغة التي بها كتبت، الشيء الذي لم أعد أتذكره ، وفاجأني محرجا ومثريا كثيرا رؤية أعمالي .

p سيكون مهما لو استطعتم التفصيل في هذه الأشياء، فإن حقيقة كاتب ما، كتاب ألفه ثم نشره بالإنجليزية ، وإذا لم أخطئ ، هو أحد الأعمال التي ترجمت إلى الإسبانية..

n إنها حقيقة كاتب تشتمل على محاضرات ألقيتها منذ سنوات خلت، أواخر الثمانينات من القرن الماضي بجامعة ميراكوزا بنيويورك ،كانت موجهة إلى جمهور طلابي والذي في أغلبيته لم يكن يتحدث الإسبانية، وعليه فقد كان علي كتابتها قبل إملائها ، مباشرة ، بالإنجليزية.وفعلا، فهذه أول مرة تتم ترجمتها، أعدت الآن ، قراءة الكتاب بمناسبة هذا النشر، وتبين لي بأن كثيرا من هذه المحاضرات، سبق لي أن قدمتها بقراءات مختلفة، أكثر أو أقل تفصيلا، ولكن بعناصر متباينة حول ما كانت هذه الشهادة الأولى لي حول الروايات الست التي تعرضت لها أمام هؤلاء الطلبة (المدينة والكلاب،المنزل الأخضر ، جوارب طويلة ،والزائرات ، الخالة خوليا، والكاتب، فحرب نهاية العالم ثم حكاية مايتا .
إنه لمن الأهمية النظر إلى تذكر العمل في هذه الروايات، كيف تطور وأيضا ثمة أشياء كثيرة في الإصدارات السالفة كنت نسيتها بالمرة، ههنا تعاود في الظهور،لأنها كانت أكثر حضورا في تلك الأعوام، حيث الجهل بها كان وشيكا. مثلا، فأول سفر قمت به إلى الأمازون البيروفي كان أكثر تفصيلا هناك، ثم بعد ذلك بدأت أنسى أشياء الآن أنت تذكرها.أعتقد بأنه السفر الأكثر خصوصية الذي قمت به في حياتي.
كان نسبيا قصيرا، بضعة أسابيع ،هي أول مرة أقوم بها لزيارة الأدغال البيروفية، وكانت بالنسبة إلي، مفاجأ ة، منظر طبيعي مختلف، وسوسيولوجيا مختلفة، عشت دائما في الشاطئ بالرغم من أنني لست ساحليا وإنما جبلي لأنني ولدت بأركيبا ،وهناك يطلق اسم الإركيبيانيين انطلاقا من ساحة السلاح. أماما فوق فهم جبليون، ومنها إلى الأسفل، على الأصح ، هم ساحليون، طيب فأنا ولدت بشارع بارا الذي هو ، على الأرجح ، فوق الساحة أعني ، على الأصح إنني جبلي، بيد أني عشت حياتي كلها على الساحل، وفضلا عن ذلك، فمنظر الساحل، الضفاف الرملية العظيمة، هذا المحيط الهادي المزبد ذو الأمواج العاتية ،هو ما يحاصر ، دائما ، ذاكرتي عندما أغادر البيرو .
بيد أن سفري الأول إلى الأمازون كان عجيبا، وجدتني أمام هذه النباتات المورقة، عالم لم تدسه أقدام بشرية. فمدن الغابة صغيرة تبدو معزولة أكثر كما هي عليه الآن، بطريقة رديئة ، مما زاد من هذه العزلة. إضافة إلى أنني اكتشفت بأنه في الأدغال البيروفية على عكس ما حدث في مدن الجبل أو الساحل، كان هناك بيرو بدائي ، حيث الاستغلال البشري مرئي جدا مقارنة مع باقي مدن البلاد. وهناك علاوة على ذلك، بعض المواطنين لم يخرجوا بعد من العصر الحجري، أو أقل من ذلك، من قبيل ماشينغاس ،الذين كانوا معزولين في ذلك الوقت في سكنيات لم تكن مسقفة حتى. لأنها كانت سكنيات لأسر كبيرة معزولة جدا عن الأخريات، عزلة ساهمت فيها، بشكل كبير، طبيعة الأدغال التي لم تكن تسمح بتجمعات سكانية كثيرة،لأنها كانت ستموت من الجوع ،إذ الطريقة الوحيدة التي بها استطاعت العائلات الأصيلة أن تبقى على قيد الحياة، كانت بواسطة العزلة.
كنا ،على نحو خاص، بالمنطقة العليا لجبل مارانيون، وكنت دائما أقول بأنه كان سفرا عجيبا ، خصبا بالنسبة لرواياتي. فمن هناك خرجت رواية «المنزل الأخضر» من رحم تجارب مقتبسة من هذا السفر، أيضا، سنوات بعد ذلك خرجت «الجوارب الطويلة» و»الزائرات « وأخيرا الكتاب الذي أنا فخور به « المتكلم «مهدى إلى ماشينغاس.
إنه تجمع هام ،غير أنه مقطوع الأوصال بسبب ظروف عيش الأمازون التي عانت كثيرا من مرحلة المطاط/الكاواتشو، مرحلة كان السكان الأصليون فيها يعانون بشكل رهيب من وحشية المستغلين للمطاط بالطريقة التي كانوا يستغلونهم ويعاملونهم بها.ثم بعد ذلك عانوا كثيرا من حرب العصابات ، بحيث واحدة من بينها اعتزلت بالأدغال. في البداية تحركوا صوب الجبال ثم بعد ذلك تم إخراجهم بواسطة الجيش نحو الأدغال، وكان يتعين إسكان وإطعام السكان الأصليين بمجهود جبار ، فضلا عن أن الجيش كان يعاقبهم بذلك، فعلا كان الجيش قاسيا جدا معهم ومتشددا ضد هذه التجمعات التي عانت من عقوبات عديدة.
الأنباء التي كانت تصلنا من هناك شحيحة ، لكن بمجرد السفر إلى المنطقة يمكن اكتشاف وحشية العقوبات التي عانت جراءها هذه القبائل إلى الحد الذي أصبح بعضها مندثرا. كل هذا مضمن في رواية» المتكلم « ههنا واقع كاتب. وبما أن هذه كانت حديثة العهد نسبيا، كنت أعود بتفصيل وافر إلى التجارب التي كانت لي معها، تجارب لم أكن أعرف بأنها ستخرج إلى الوجود في شكل روايات كمثل تجربة (جامعة siracusa ) كانت تجربة جد هامة لأنها كانت أول مرة أقوم فيها بإعطاء درس كامل بالإنجليزية ،وطبعا ، أن تعبر بلغة تلقنتها ليس أبدا مثل أن يكون ذلك بلغتك الأم .لدرجة كان علي أن أهيئ الدروس، قبليا وبصرامة، أو على الأقل ،أكتب في جزء كبير خلاصة الفصل الدراسي، إذ لم يكن الطلبة نيويوركيين فحسب ، بل كان أكثرهم عالميين ومهيئين جدا ،أغلبهم كان من المقاطعات محدودي الرؤية في ما يتعلق بالتاريخ وبالأدب،و بالرغم من أن البيرو مكون من مكونات القارة الأمريكية ،إلا أنه يبدو بعيدا عنها بوصفهم من أمريكا الشمالية وليس بوصفهم لاتينوأمريكيين .
كان علي أن أكون أكثر وضوحا، وهو ما يفسر، ربما ،عدد التفاصيل في الشروحات حول مصادر رواياتي البيروفية.

p الكتاب الثاني»حوارات في البيرو « مختلف جدا، مكون من منتخبات من حوارات قام خورخي كاوغيا بانتقائها من بين كثير منها ،على مدى نصف قرن،لقد أعادوا هذا الكتاب إلى وطنه الأم.

n الواقع أن الحوارات لم أقرأها في الطبعات السابقة، قرأت فقط هذا الكتاب. أعتقد بأن جميعها مهم، وبعضها أكثر أهمية ،لأنها تفسر بتفصيل كاف مصادر الروايات المنشورة حديثا، أنجزها صحافيون بيروفيون يعرفون جيدا سياقها، دكتاتورية أودريا، تميز جغرافية البيرو حيث تجد ثلاث جهات مختلفة في ما بينها: الساحل ،الجبال ، والأدغال، ويمكن تقديم تفاصيل عديدة حول هذه الجهات ومصادر الحكايات التي ترويها رواياتي الأولى .
لقد قام خورخي كاوغيا بعمل رائع ،معتبر،لأنه وضع عدة نقط شارحا من هم الأشخاص الذين تعود إليهم الأسئلة أو الأجوبة، ويقدم تفاصيل حقيقية، مضيئة إزاء الشخصيات التي تستلهم من الشخوص التخييل والقرب والبعد ، بين الواقع والخيال. وهي على العموم ، نقط بعضها مضحك، على قدر كبير من السخرية، وأخرى أيضا أكثر جدية وتاريخية فعلا حول شخصيات دكتاتورية لأودرا ،مثلا ، التي خدمت مصادر رواياتي الأولى .

p يشكل علي سؤالكم حول الكتاب الثالث ،»طرق متوازنة ،فارغاس يوسا وسافاتير»،مقال حواري بالرغم من أني أنا الذي أجريته .

n إنه كتاب مهم جدا وهي فكرتك بالكامل للتقريب في ما بيننا.يتعين علي القول بأنني أقدر كثيرا سافاتير ، كما عبرت عن ذلك ، كتابة مرات عديدة، ومازلت أحس ، كل مرة، أني أكثر قربا منه. أعتقد أن مواقفه رائعة حقيقة، إنه مثقف مستقل، يشبهني، وإن كنت لا أعلم أنه كان متأثرا كثيرا بالوجوديين.
لدي انطباع بأنه قرأهم، وليس بالقدر الذي قمت به،لأني قرأت وبشغف حقيقي للكتاب الوجوديين الفرنسيين في البيرو لما كنت طالبا جامعيا، قرأت لسارتر على نحو خاص. وأعتقد بأن تأثيره علي كان عظيما خاصة في شبابي، ومن ثمة ترسخت لدي ما كان يسميه سارتر الالتزام الأدبي، يعني، فكرة أن الكاتب ، مثلي ، يؤدي إلى الإسهام في تطوير المجتمع، لأنه إذا التزمت في كتابتك سيتحقق وضوح إزاء الغموض الذي تفرزه كل مرحلة ،خاصة في الميدانين السياسي و الاجتماعي. لقد كان يفكر (سارتر) على أن الأدب إنما هو تنوير إزاء المعضلتين الاجتماعية و السياسية، كان يعتقد،أن للكاتب بعدا ، مسافة لم تكن مباشرة كتلك التي للسياسي، وإنما شيئا أكثر دواما، وهذه الديمومة يمكن أن تيسر لك رؤية المستقبل المباشر أو غير المباشر وبالتالي الدفاع أكثر عن القضايا التي التزم بها .
أعتقد أن هذا الحوار الذي أجريناه أمام العموم يوضح التقارب الموجود في ما بيننا، وأظن أن الإضافات التي قمت بها، تكمله وتثريه كثيرا عبر تلك الرسائل أو تلك المنشورات الأخرى التي من خلالها يتضح ،بشكل كاف،هذا التقارب الذي أضحيت توضح وتصف لسنوات، حيث كل و احد منا ، ولحسابه الخاص، مضى يكتب في أجناس مختلفة.
علي القول بأن فرناندو سافاتير يبدو لي كاتبا من النوع الملتزم.
فالأشياء التي كتبها كانت، دائما وفق الواقع غير المباشر أو المباشر ، بيد أنها لم تختف ،حقا هي هنا.
فلست أحيل إلى الاستقلالية التي كتب بها ، خاصة، حول مشكلة النزعة الوطنية.
أتذكر كثيرا السنوات التي كان فيها مهددا من طرف إيتا (منظمة باسكية إرهابية بإسبانيا/المترجم) حيث كان عليه أن يمشي محميا وكان مرغما أن يغادر سان سيباستيان الأقرب والأحب إلى قلبه . فالصرامة هي ما أترعت تجربته كلها، دون أن يتخلى أبدا عما كان يحبه ويحس به وكان يعلم بأنه كان يجازف بحياته. لذلك ، فضلا عن التقدير الذي كنت أحيطه به دائما ، كنت أحسني ، دائما ، قريبا منه وسررت كثيرا بأن فكرت في التقريب في ما بيننا، ووضعتنا للتحاور على هذه الصيغة المضيئة بالنسبة للقراء المشتركين،أعتقد بأن هذا أقل أو أكثر تركيب صغير لما تعنيه الكتب الثلاثة، وأظن أنه من خلال الحوار الذي جرى بيننا ،انطلاقا من الآن، يمكن أن تأتي باقي التفسيرات.(يتبع)


الكاتب : أنجز الحوار:خوسي لاثارو ترجمة وتقديم :محمد العربي هروشي

  

بتاريخ : 18/11/2022