الروائي يوسف زيدان في محاضرة له بالدار البيضاء :نحن نقرأ التاريخ بعين مصابة بالرمد، فنراه مشوشا

« نحن نقرأ التاريخ بعين مصابة بالرمد، فنراه مشوشا».
هكذا عبر الروائي والمتخصص في التراث العربي المخطوط الدكتور يوسف زيدان، وهو يقارب موضوع «التاريخ والخيال « في رواياته، خلال استضافته مساء أول أمس الاثنين 3 أكتوبر بالدار البيضاء من طرف المؤسسة الإفريقية للثقافة والقراءة (أفكار) بمدرج جامعة محمد السادس لعلوم الصحة بمدينة الدار البيضاء، في محاضرة تولى إدارتها الإعلامي عبد الله ترابي، وهي المحاضرة التي افتتحت بها المؤسسة الإفريقية للثقافة والقراءة موسمها الثقافي الأول.
زيدان الذي لا يغادر منطقة الاشتغال الأثيرة لديه، وهي الحفر في ثنايا التاريخ الإسلامي وما شهده من صراعات امتزجت فيها السياسة بالدين، يُقرّ أن فترة زمنية من تاريخنا امتدت قرونا، كانت غائبة عن وعي العرب بذاتهم، وهو ما جعله يشتغل ضمن مشروعه الروائي على تيمة المقدس والتاريخي من أجل خلق وعي جديد بهذا التاريخ، ولو أن التناول الروائي للتاريخ من إجل إعادة قراءته وتفسير ما لم يُفسَّر، كما يقول، يبقى محفوفا بالمخاطر، وهنا يشدد صاحب «دوامات التدين» و»اللاهوت العربي وأصول العنف الديني « على أن الروائي لا يخدش التاريخ حين يرمم تشظياته ، بل يزيد من وعينا به.
«التاريخ والخيال الروائي في روايات المفكر والروائي يوسف زيدان: عزازيل نموذجا»، موضوع اللقاء، قاد صاحب « حاكم.. جنون ابن الهيثم «و «النبطي» إلى الحديث عن التشوش التاريخي الذي حدث منذ منتصف القرن 20 ، مشددا على أنه أحد أقوى الأسباب التي أدت الى حالة التيه العربي المعاصر. هذا التشوش يضاف إليه خطر آخر من أخطار التاريخ، ويتمثل في تشظي الوقائع التاريخية في أذهاننا، حيث تبدو هذه الأخيرة وكأنها وقائع منفصلة بذاتها ما يجعلنا عاجزين عن رؤية التاريخ بشكل واضح، دون إدراك العلاقات البينية بينها للخروج من منطقة التشظي، وتأسيس وعي بالتاريخ الذي تزداد أهميته حين ندرك أن الزمن الإنساني هو في المحصلة ماض ومستقبل فقط، وأن الحاضر أو «الآن» مفهوم مراوغ وبوابة عبور متتتالية لا يمكن الإمساك بها، مؤكدا على أن أكثر الشعوب تقدما في التاريخ البشري هي الأكثر اهتماما بتاريخها وبتاريخ الأمم الأخرى، التاريخ الحقيقي وليس المزيف أو «المُتوَهَّم» الصاعد من غبار حروب لم ينسق إليها العرب لاختلافات فكرية أو إيديولوجية في معظمها، بل من أجل عيون «السبايا والغنائم» اللحظية التي شوشت على المسار الحقيقي للتاريخ العربي.
عن دور الروائي، مستعينا بالتخييل، في رتق هذه البياضات ومساحات التشظي الممتدة بين الوقائع التاريخية، يقول صاحب «فردقان» إن جزءا منها يستطيع الأدب الروائي إخراجنا منه لأنه يلقي إضاءة على الأرضية التي جرت عليها الأحداث، ومن شأنه أن يلقي على الواقعة منظورا مختلفا عن السائد فيثري بذلك وعينا بهذه الوقائع، مضيفا أن «عدم قدرتنا على النظر إلى الواقع من زاوية أخرى، يؤدي بنا الى العمى»، والروائي ، عبر الخيال، يمنحنا فرصة إعمال العقل في كل ما حدث، إذ تقدم لنا الرواية رؤية للأحداث تعيد اختبار ما استقر بأذهاننا من صور مزيفة «نظن أنها التاريخ».
هذه المعرفة بالتاريخ لا يجب أن تنهل فقط مما دبجه المؤرخون الذين سَوَّق معظمهم لوهم تاريخي، جعلنا، يقول يوسف زيدان، أمام مؤامرة على العقل العربي تخفي الحقائق التاريخية عن الجيل الجديد الذي تُقدَم له مقررات دراسية عرجاء ومتخلفة، هيأته اليوم لاجتياح وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مصدره الوحيد للمعلومات، في حين أن المعرفة بالتاريخ تتطلب إلماما بجميع مصادر المعرفة ومنها النصوص المكتوبة التي تمثل الجزء الأكبر من مساحة معرفتنا بالتاريخ، والتي هي بحاجة، أيضا، إلى إعادة قراءة ونقد وهدم، من أجل فهم الماضي والوعي بالحاضر والتوجه نحو المستقبل، وتقديم «تاريخ منطقي أكثر من التاريخ الرسمي».
صاحب رواية «عزازيل» الصادرة سنة 2008، التي أثارت منذ صدورها ضجة نقدية وقضائية، صرح أن هذه الرواية بقدر ما حققت له شهرة وسط قرائه وغير قرائه، أعقبها رفع 11 قضية من أمن الدولة المصري ، وإصدار 5 كتب نقدية في سنتين كلها هجوم عليه وعلى الرواية، مؤكدا أن هذه الكتب تفتقد الى أي طرح حقيقي، وهو ما يجعله في كل كتاباته مصرا على تقديم الجديد والدعوة الى مراجعة الماضي التاريخي والتراثي، بغض النظر عن كل ما يمكن أن يجر عليه ذلك من انتقادات وهجوم، لأن تلك هي مهمة الكاتب الحقيقية: تحريك البرك الراكدة بحجر النقد ومعاول الهدم البناءة.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 05/10/2022