يستمر سعيد بركة في خوض عالمي الفن الخامس (المسرح) والفن الرابع (الموسيقى) من باب الكتابة، هو الزجال الساخر صاحب ديوان “عبلة” الحامل ل”القصائد الزجلية ذات البعد العروبي التراثي والإنساني، التي تدخل في خانة السخرية السوداء”، على حد قوله في أحد تصريحاته السابقة لجريدتنا.
وصرح الزجال أثناء حوار أجرته معه الجريدة مؤخرا لمعرفة جديده، بأنه مدين لمدينة الصويرة لأنها ألهمته وخولت له فرصة كتابة وإصدار ثلاثة إنتاجات في ظرف ستة أشهر فقط.
الكتاب الأول، يقول سعيد بركة، يتناول كيفية تعلم الدارجة المغربية انطلاقا من اللغة الفرنسية والإنجليزية، وهو موجه للأجانب المقيمين بالمغرب وخارجه. وقد قام ببحث ميداني قبل الشروع في كتابته، فبحث أولا في الزجل، بحكم أنه يشتغل في هذا المجال، وفي الدارجة المغربية التي تختلف حسب المناطق والجهات، إيمانا منه حسب قوله “بأنه لتشتغل في مجال معين، عليك أن تلم به”. فغاص في الدارجة ومصطلحاتها، فضلا عن ذلك، فممارسته لتدريس الدارجة خلال إحدى إقاماته المطولة بمدينة أجداده الصويرة، هو البيضاوي الميلاد القاطن بمدينة برشيد، قد مكنه، حسب تصريحه، من صبغ أغوارها وطرق تلقينها، حيث علمها لطلبة أجانب من كل من فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وأمريكا وأيضا إسبانيا. وعن فكرة إنتاج هذا الكتاب، فقد خطرت له عندما اكتشف بعد إعداده لثمانية من الحصص بأنه يمتلك مادة مهمة تصلح للنشر، إلا أنه يستطرد المؤلف، ارتأى من الضروري أن تكون به قيمة مضافة، خاصة وأن كتب تعلم الدارجة متوفرة في المكتبات، ومن هذا المنطلق عمل على إضافة اللغة الإنجليزية، إلى جانب اللغة الفرنسية، فضلا عن الحروف الرومانية لتسهيل عملية نطقها. وبما أن اللغة المغربية الدارجة شفاهية، يقول دائما، فكر في إصدار قرص مدمج لمصاحبة الكتاب. من الأشياء التي أضافها أيضا، 25 نصيحة لغاندي، ثم شذرات جلال الدين الرومي، إيمانا منه بأن الطرق الحديثة في التدريس لا تكون دائما مباشرة، فبالإمكان تلقين درس معين من خلال قصيدة أو أغنية، أو غيرهما. وسعيا منه ل”مغربة” ما يعلمه، رش دروسه بنكهة مغربية، إذ أضاف وصفات من الطبخ المغربي للتعريف به، واختار منه وصفة لإعداد حلوى كعب غزال، ثم طريقة إعداد طاجين باللحم والبرقوق. وما ساعده حقيقة على ذلك، يقول الزجال المغربي، هم طلبته في حد ذاتهم، هم من قربوه من عمق احتياجاتهم خلال تواصله معهم وقيامه بشبه دراسة ميدانية غير معلنة، وذلك عن طريق إجابتهم على السؤال:ماذا يريدون الأجانب من اللغة الدارجة؟ واكتشف أن مجموعة منهم تبحث عن دارجة محيطها، عند بائع الخضر وسائق الطاكسي ..
المشروع هو حاليا بنهاية مراحله، فالكتاب منجز والقرص المدمج انتهى من تسجيله باستوديو تابع للفنان حميد بوشناق، يقول بركة ممتنا، الذي سعى لمساعدته في هذا العمل بمنحه إمكانية تسجيله بدون مقابل مادي.
الإنتاج الثاني لهذا الكاتب “المؤمن الدائم بأن السخرية هي الطريقة الوحيدة لإيصال الرسالة بأسرع وقت”، حسب تعبيره، هو عبارة عن مسرحية بعنوان “السانديك” الذي يرمز له إلى رجل السلطة أيا كان، الذي يستغل نفوذه وموقعه لتحقيق أهدافه. المسرحية تسلمتها المخرجة فاطمة جبيع، الذي سبق وتعامل معها بركة من خلال كلمات تم التغني بها في مسرحيتها “العودة”. و في هذا الإطار صرح بركة بأنه يشتغل مؤخرا مع فرقة الأجيال المسرحية ليس فقط بصفته كاتبا، ولكنه التحق بالفريق كمسؤول عن التواصل وأعلن بأنهم في الوقت الراهن يقومون بالإجراءات القانونية، للقيام بجولة بمسرحية “العودة”.
الإنتاج الثالث لا يزال قيد الإعداد، وقد أنجز منه، دائما تحت تأثير سحر مدينة الصويرة، ما يقارب 50 بالمائة ويتصور انه سينتهي من كتابته خلال شهر، ويتعلق بمسرحية جديدة بعنوان”عروسة من فرنسا”، يتناول خلالها موضوع الزواج المختلط، ففي فضاء الصويرة، يقول كاتب السيناريو، لا يشكل اختلاف التقاليد أو اللون أو الدين أو اللغة عائقا أمام الزواج، والمسرحية تتحدث عن 4 شخصيات: شخصية الجدة التي تمثل التقاليد ولاتزال متشبثة بها، وشخصية الأم المعتدلة، وشخصية الشاب الذي أحضر عروسته من فرنسا ومن خلاله سيتطرق لمسألة الإستيلاب الثقافي، ثم السيدة الاجنبية التي ستحضر للمغرب وستصطدم مع عدة أشياء.
واستطرد الزجال مفسرا بأن مدينة الصويرة كونية، وهذا ما يجعلها متميزة، مدينة للجميع، لليهود والنصارى وللبيض والسود، كما للرجال والنساء على السواء إلخ….، وهذا ما جعل الإقبال على تعلم الدارجة كبير، ومن طرف مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية وهذا ما يجعله هو شخصيا مرتبطا بها، ارتباطا يتعدى الانتماء العائلي ليصبح نفسي، لأنه يعتبر نفسه ينتمي للكون.
القصائد الغنائية لازالت تستهوي سعيد بركة، وفي هذا الصدد قال بأنه سبق وناول بعضا منها للفنان عبد الفتاح نكادي، منهما أغنيتان تم أداؤهما في مسرحية “العودة”، وأغنية أخرى بعنوان”الحب”، جاءت على إثر الأحكام القاسية لسجناء حراك الريف وتقول إحدى مقاطعها:
الحب صعيب ايلا كانت المعشوقة بلاد والعشق رقيب
جرحو قلوب/ ميزان معطوب/ عقوبة بلا ذنوب
فين الحق؟ قول لعبة / فين العدل؟ نقول كذبة / البارح طحنو الخوت/و غدا على من النوبة
كما يتعامل مع الفنان حميد بوشناق وقدم له مجموعة من الكلمات، إحداها في طور الإنجاز ربما سيطلقها الفنان قريبا، يقول بركة، ومنها من ينتظر إلهاما موسيقيا جديدا. وأستطرد قائلا، بأن مايتمناه هو أن تعرف قصيدة تتحدث عن التعايش كتبها باللغتين الفرنسية والعربية النور قريبا، وهي بين يدي الفنان بوشناق. وتقول إحدى مقاطعها العربية:
حنا خوت حنا خاوة/ لاش الشر لاش الخصومة
الجرح ايلا طال لازم يتداوى/والميزان ايلا مال لازم يتساوى
لاش تعاتب لاش تلوم/ خلي الدين واللغة واللون/ قول لي أش تكون وباش نفعتي هذا الكون
الزجال والشاعر الغنائي المغربي سعيد بركة ممتن لمدينة إلهامه الصويرة ويعد متتبعيه بجديد متنوع خلال السنة القادمة
الكاتب : سهام القرشاوي
بتاريخ : 24/12/2019