ما كاد ينتهي معرض النشر والكتاب، حتى بدأ الترويج لسباق من نوع خاص يشبه «سباق الأغاني»، لكن ما تتبارى فيه هو الكتب الأكثر رواجا ومبيعا خلال الدورة التي أسدل الستار على فعالياتها يوم الأحد. فمن ظهور لائحة أولية مجهولة المصدر، رغم نسْبها الى «مصادر رسمية»، والتي أوردت خمسة كتب احتلت المقدمة في سلم المبيعات، والتي نفت مصادر من مديرية الكتاب صحتها، إلى بلاغ صادر عن مرصد القراءة المغربي في اليوم نفسه، والذي وضع لائحة من ثلاثة كتب إبداعية كذلك في قائمة الكتب الأكثر مبيعا، وكأننا أمام «سباق للأغاني»Top10 .
يطرح هذا الأمر، وفي غياب إحصائيات رسمية ونهائية تحتكم الى معايير موضوعية صادرة عن الجهات الناشرة، ومستندة الى أرقام الطبع المصرح بها، وعدد المبيعات بشكل دقيق عدة أسئلة من قبيل: من المستفيد من هذا «السباق»؟ هل الكتاب المغربي أم صورة الكاتب أو الناشر؟ ألا يجعلنا هذا الوضع أمام «ماركوتينغ» أدبي من نوع خاص بدل أن ينصب النقاش على قضايا جوهرية من صميم قضايا صناعة الكتاب وترويجه، ومشكل المقروئية وعلاقة الكاتب بالناشر وامتلاك الناشرين المغاربة لأفق معرفي وإبداعي يمكنهم من اختيار ما يقدمون على نشره، وبالتالي معرفة الشرائح التي يتوجه إليها هذا الإنتاج؟
إن عدم امتلاك الناشر لهذا الأفق المعرفي والثقافي يحوله في نهاية المطاف الى مجرد تاجر لا يهمه من العملية الإبداعية في شموليتها إلا العائد الربحي، وهو ما تترجمه العلاقة المتوترة في الغالب بين الكاتب والناشر، والتي تؤثر بدورها في الوضع الثقافي وعلى تطوير ذائقة القارئ وتراجع المقروء.
إن أي حديث عن مصداقية هذه الأرقام، يقتضي في البداية تصحيح هذه العلاقة الثلاثية الأبعاد بين: الكاتب والناشر والقارئ. علاقة تُحترم فيها التعاقدات القانونية بين المبدع والناشر ويسود فيها الوضوح بعيدا عن هضم الحقوق، ويكون مدخلها حسن اختيار ما يُنشر لا التركيز على بريق الأسماء، حماية لذائقة قرائية بدأت في التراجع أمام الكم الهائل من الكتابات التي يظل جزءا منها «طارئا» على عالم الكتابة.
إن الهدف الأسمى من العملية الإبداعية، بعيدا عن الأرقام والإحصائيات الظرفية ، يبقى هو السباق نحو التسلح بالمعرفة التي تمر عبر الكتاب وعبر النهوض بالقراءة كمدخل لربح هذه المعركة.
السباق نحو التسلـ «ع»
الكاتب : حفيظة الفارسي
بتاريخ : 19/02/2020