السكتة القلبية و”استحلال “…النيوليبرالية !

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

هذه الإصلاحات الأولى عنت الاختراق السريع لمعايير جديدة للتدخل، وترجمت انشغالا جديدا بالنجاعة والشفافية والمسؤولية.. وإذا كانت قد ساءلت الطريقة التي اشتغلت بها الدولة في الستينيات والسبعينيات، أي تقليص التكاليف عبر استعمال الوسائل واللجوء الى الخواص في التدبير العمومي.. فإن هاته اللحظة الأولى كانت أيضا لحظة للتعبير عن التنويع في المعارضة، وعن صمود قوي بما يكفي (تمظهر في «انتفاضات الخبز» في 1981 بالدارالبيضاء و1984 في شمال المغرب ومراكش )..كما كانت لحظة المقاومات والانزياحات والحيل من طرف السلطات المغربية ( كما كان الأمر عليه في حالة مسلسل المفاوضات حول التدبير المفوض لفائدة «ليديك» بالدارالبيضاء و»ريضال» في الرباط مع ما صاحبها من نقاشات عمومية «حقيقية ومخادعة»..).
سنعود، في ما بعد إلى المعنى السياسي لهذه التوترات والتي انزلقت أحيانا إلى العنف، ولكن يمكننا بادئ ذي بدء أن نقول من الآن أن هذا المنعطف شكل صدمة من وجهة نظر النزعة التدخلية للدولة الوطنية لعديد من مؤسسات وفاعلين مغاربة يحملون، وينشرون هذه المعايير الجديدة بشكل أكثر أريحية حيث البعض وجد فيها شكلا من أشكال الاحتجاج أو الالتفاف على الممارسة السلطوية للحكم ( لم يكن الأمر يخص المؤسسات طبعا ـ بل إن هذا التحليل كان حقيقيا عند بعض الفاعلين ولا سيما القادمين من اليسار المدمجين في مختلف المؤسسات العمومية تبعا لليبرالية النظام ومسلسلات التعيين)، فيما وجد فيه آخرون إمكانية تجاوز المؤسسات أو الميكانيزمات التي أصبحت بلا جدوى، في وقت رأى آخرون في ذلك إمكانية القدرة على إعادة تنشيط شرعية في طور الانحدار ..

استحلال النيوليبرالية

المرحلة التي تلت والتي امتدت إلى 2005 يمكن، مقابل ذلك، وصفها ب»استحلال « (جعلها حلالا ) النيو ليبرالية.. وقد تم تدشينها بالخطاب الشهير عند افتتاح الدورة البرلمانية 1995، وهو خطاب «السكتة القلبية» إحالة على الاستعارة المستعملة من طرف الحسن الثاني للإعلان عن الأزمة، وعن الانعطافة نحو التقشف و النيوليبرالية دون أن يتم ذكرهما.( هذا الخطاب الذي نشر بشكل واسع، كان سببه الرئيس صدور تقرير البنك الدولي المنقذ للمغرب بسبب تأخره في الإصلاح وانتهاكاته للحقوق وخصاصه الفادح في المجال الاجتماعي، وقد كان الحسن الثاني هو نفسه قد طلب نشر هذه التقارير ودفع نحو النقاش العمومي حولها..). هذه اللحظة فتحت الطريق نحو تقريب المؤسسات مثل البنك الدولي، وبسرعة كذلك، مكاتب الدراسات الأجنبية الكبرى وهي المكاتب التي أصبحت وطنية بكامل الانتماء بمجرد أن نالت دعم القصر، واستطاعت بذلك أن تحيد مقاومة الإدارات التقليدية .. وقد تميزت هذه اللحظة ببراديغمين اثنتين: براديغم الانفتاح وتحرير السوق والتبادل الحر والذي تجسد من خلال توقيع اتفاقيات مهمة للاقتصاد المغربي من قبيل اتفاقية المنظمة الدولية للتجارة ، والتي يحسن أن نذكر أنها رأت النور في مراكش في أبريل 1994 أو اتفاق التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي في نونبر 1995 بتزامن مع دخول الاتفاق الأورومتوسطي حيز التنفيذ، ثم براديغم نشر المعايير النيو ليبرالية: الخوصصة والشراكة «خاص ـ عام» وإشراك الحكامة الجيدة في البرامج والسياسات العمومية.


الكاتب : n عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 07/09/2023