السنة الفلاحية على المحك: ندرة الأمطار، غلاء البذور، وموارد مائية لا تتجاوز 5176 مليون م³

 

بعد مرور قرابة شهر على انطلاق الموسم الفلاحي الجديد، ما يزال المزارعون في مختلف مناطق المغرب يعيشون على وقع الترقب والقلق، في انتظار أن تجود السماء بأمطار كافية تروي الأرض وتعيد الأمل في موسم فلاحي واعد، بعد سنوات متتالية من الجفاف أضرت بالتربة والإنتاج الحيواني والنباتي على حد سواء.
ويأتي هذا القلق في وقت لا تتجاوز فيه نسبة ملء السدود بالمملكة 30.8% فقط إلى غاية يوم الإثنين 10 نونبر 2025، بما يعادل 5176 مليون متر مكعب من الموارد المائية المتوفرة، وهو رقم يعكس استمرار الضغط الكبير على المنظومة المائية الوطنية، ويزيد من مخاوف الفلاحين بشأن مستقبل الموسم الحالي.
ورغم بعض التساقطات الضعيفة والمتفرقة التي شهدتها البلاد خلال الأسبوع الماضي، فإنها لم تكن كافية لتحريك عجلة الحرث والبذر في كثير من المناطق، حيث أكد عدد من الفلاحين الصغار الذين تواصلت معهم جريدة الاتحاد الاشتراكي أنهم لم يباشروا بعد عملية تقليب الأرض ولا رمي البذور بسبب صلابة التربة الناتجة عن قلة التساقطات في المواسم الماضية.
في منطقة متوح أولاد فرج التابعة للمديرية الجهوية للفلاحة بالجديدة، أوضح لنا الفلاح سعيد ع أن القلق يزداد يوما بعد يوم، ليس فقط بسبب تأخر الأمطار، ولكن أيضا بفعل الضائقة المالية التي يعيشها المزارعون. فالكثير منهم استنفدوا مؤونتهم المالية، التي كانت في العادة تتأتى من بيع جزء من القطيع لتغطية تكاليف البذور والمدخلات الزراعية. لكن تراجع القطيع وارتفاع الأسعار جعلا الأمر أكثر تعقيدا هذا العام.
ويضيف المتحدث أن أسعار البذور والمدخلات الفلاحية شهدت ارتفاعا مهولا في الأسابيع الأخيرة، حيث بلغ ثمن بذور القمح ما بين 5 و6 دراهم للكيلوغرام، في حين ارتفع سعر الشعير إلى 4 دراهم بعدما كان لا يتجاوز درهمين أو درهمين ونصف في المواسم العادية. ويؤكد أن الأثمان الرسمية التي تعلنها السلطات، والتي لا تتجاوز 2.50 درهما، تبقى بعيدة عن الواقع الميداني الذي يعيشه الفلاحون.
أما الأعلاف، فقد سجلت بدورها ارتفاعا صاروخيا، إذ وصل سعر كومة التبن إلى 40 درهما، وتجاوز سعر الجلبان 50 درهما في العديد من المناطق، بينما ارتفع ثمن الفصة إلى ما بين 80 و100 درهم حسب الجودة.
هذه التكاليف المرتفعة دفعت العديد من المزارعين إلى التريث في الشروع بعملية الحرث، أو تقليص المساحات المزروعة إلى النصف أو أقل، في محاولة لتقليل الخسائر المحتملة. ويؤكد بعض الفلاحين أن كلفة الحرث أصبحت مرهقة، حيث وصل سعر الحرث بالمحراث العادي إلى 400 درهم للهكتار، وارتفع إلى 800 درهم في حالة الحرث العميق.
ويشتكي الكسابون الصغار كذلك من بطء مساطر الدعم العمومي، إذ رغم عمليات الإحصاء الميداني للقطعان، فإن الدعم المخصص لهم غالبا ما يكون ناقصا ولا يشمل جميع الرؤوس المحصاة، مما يضطرهم إلى تقديم شكايات والدخول في دوامة بيروقراطية طويلة لدى المراكز الفلاحية المحلية.
ومن بين الصعوبات الإضافية التي تؤرق الفلاحين ارتفاع كلفة اليد العاملة، التي بلغت مستويات غير مسبوقة، إذ وصلت أجرة العامل الفلاحي إلى 250 درهما في اليوم مقابل بضع ساعات عمل، مما زاد من عبء المصاريف في ظل غياب مردودية واضحة حتى الآن.
أمام هذا الوضع الغامض، ارتفعت أصوات تطالب الحكومة بإعادة جدولة ديون الفلاحين الصغار، وتمكينهم من الوسائل الضرورية لاستئناف نشاطهم الفلاحي في ظروف مقبولة، خصوصا أن الموسم لا يزال في بدايته ولا مؤشرات حقيقية على تحسن الوضع المناخي قريبا.
في المقابل، تصر الجهات الرسمية على تبني خطاب التطمين، معتبرة أنه من المبكر الحديث عن سنة فلاحية صعبة. وتؤكد وزارة الفلاحة أن الدولة أطلقت برنامجا لإعادة تكوين القطيع الوطني، خصص له دعم بقيمة 400 درهم عن كل أنثى يتم الاحتفاظ بها، بميزانية إجمالية تناهز 5,6 مليارات درهم. كما تواصل السلطات عملية ترقيم القطيع بتنسيق بين الهيئة الوطنية للأطباء البياطرة والسلطات المحلية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
وعلى مستوى البذور، أعلنت الوزارة عن تعبئة ما لا يقل عن 1.16 مليون قنطار من البذور المعتمدة، ستوزع عبر شبكة خاصة وبأسعار محددة تتراوح بين 230 درهما للقنطار للشعير، و240 درهما للقمح الطري، و310 دراهم للقمح الصلب. كما سيتم توفير أكثر من 600 ألف طن من الأسمدة الفوسفاطية و650 ألف قنطار من الأسمدة الآزوتية، مع اتخاذ إجراءات لتسهيل التخزين والنقل وضمان التوزيع العادل.
غير أن هذه الأرقام الرسمية لا تجد صدى ملموسا في الواقع الميداني، إذ يؤكد الفلاحون في عدد من المناطق أنهم لم يتوصلوا بعد بالبذور المختارة المدعمة، وأن الفارق بين الخطاب الرسمي والوضع الحقيقي على الأرض ما يزال شاسعا. وفي ظل استمرار غياب التساقطات وارتفاع تكاليف الإنتاج، يبقى الموسم الفلاحي الحالي مفتوحا على كل الاحتمالات، بين أمل الفلاحين في موسم رحيم، وخوفهم من أن يتكرر شبح الجفاف الذي أرهقهم لسنوات متتالية.


الكاتب : عماد عادل 

  

بتاريخ : 12/11/2025