أظهرت أحدث بيانات المندوبية السامية للتخطيط أن القطاع السياحي أصبح يدر ناتجا داخليا إجماليا يفوق 116 مليار درهم سنة 2024، وهو أعلى مستوى يسجله منذ اعتماد سنة الأساس 2014، بعدما قفز بنسبة 38,4% مقارنة بسنة 2019. ويعكس هذا الرقم مكانة السياحة كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى مساهمتها المتزايدة في الناتج الداخلي الإجمالي التي ارتفعت من 6,8% إلى 7,3% خلال خمس سنوات فقط، ما يمنح القطاع موقعا متقدما ضمن الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية.
وتكشف البيانات الصادرة عن الحساب التابع للسياحة أن هذا الارتفاع الاستثنائي لم يكن ظرفيا، بل نتج عن توسع متسارع في مختلف مكونات النشاط السياحي، بدءا من الاستهلاك الداخلي وصولا إلى الإنتاج والعائدات التي يولدها القطاع عبر سلاسل القيمة الممتدة من النقل إلى الإيواء والخدمات الموجهة للزوار. ففي سنة 2024 بلغ حجم الاستهلاك الداخلي للسياحة 201,7 مليار درهم، مقابل 141,4 مليار درهم سنة 2019، أي بزيادة قدرها 42,6%. ويأتي هذا التطور مدفوعا أساسا بأداء السياحة المستقبلة التي ارتفع استهلاكها بنسبة 46,8% ليصل إلى 136,9 مليار درهم، فيما سجلت السياحة الداخلية والمصدرة نموا بلغ 34,6% لترتفع إلى 64,8 مليار درهم.
وتوضح البيانات أن السياحة المستقبلة باتت تشكل القلب النابض للطلب السياحي الوطني، بعدما ارتفعت حصتها من 65,9% إلى 67,9% خلال خمس سنوات، في مقابل انخفاض طفيف لحصة السياحة الداخلية والخارجية إلى 32,1%. ويبرز هذا التحول اعتمادا متزايدا على الزوار الأجانب في تحريك الدورة الاقتصادية للقطاع، خاصة بعد استعادة الأسواق الدولية لوتيرة السفر لما قبل الجائحة، وتوسع شبكة الربط الجوي وتنوع العرض الترابي للمغرب خلال السنوات الأخيرة.
وفي ما يتعلق بالإنتاج، سجل قطاع السياحة قيمة بلغت 181,9 مليار درهم خلال سنة 2024، بزيادة 42,3% مقارنة بسنة 2019، وهو ما انعكس مباشرة على القيمة المضافة التي ارتفعت بدورها بنسبة 37% لتصل إلى 96,4 مليار درهم. ويعكس هذا النمو قدرة الفاعلين على توسيع نشاطهم، وارتفاع الطلب على الخدمات ذات القيمة المضافة، وتزايد ارتباط المنظومة السياحية بباقي سلاسل الإنتاج الوطني.
ومن بين المؤشرات التي تعطي صورة أوضح عن الدينامية الجديدة للقطاع، يبرز مستوى الضرائب الصافية على المنتجات السياحية، والذي سجل قفزة لافتة بلغت 46%، منتقلا من 13,5 مليار درهم سنة 2019 إلى 19,8 مليار درهم سنة 2024. ويكتسي هذا المكون أهمية خاصة لأنه يعكس قدرة القطاع على إنتاج موارد مالية مباشرة لفائدة الميزانية العامة، سواء عبر الضريبة على القيمة المضافة أو الرسوم المفروضة على خدمات النقل والإيواء والأنشطة السياحية الأخرى. وتدل هذه الأرقام على أن استئناف النشاط لم ينعكس فقط على التوازنات الاقتصادية داخل القطاع، بل امتد أثره إلى المالية العمومية، حيث أصبحت السياحة مصدرًا ثابتًا لتعبئة العائدات الجبائية في ظل توسع قاعدة الزوار وتنوع طبيعة الإنفاق السياحي.
كما أن هذا الارتفاع في الإيرادات الجبائية يبرز الدور المالي للقطاع في تقليص الضغط على مصادر الإيرادات التقليدية، ويعزز هامش المرونة لدى الدولة في تمويل برامج الاستثمار العمومي، خاصة في البنيات التحتية المرتبطة بالنقل الجوي والبري وتأهيل الفضاءات السياحية. ويسلط هذا التطور الضوء على أهمية السياحة كقطاع قادر على خلق قيمة آنية ومباشرة، وكمجال يتوفر على إمكانات توسعية تسمح برفع المردودية الجبائية دون الحاجة إلى زيادة الضغط الضريبي. وهو ما يجعل السياحة قطاعا ذا جدوى مالية متقدمة، إلى جانب دوره التنموي والاجتماعي.
وتبرز مساهمة السياحة في الاقتصاد الوطني بوضوح ضمن باقي المؤشرات، إذ ارتفعت نسبة إنتاج السياحة من الإنتاج الوطني من 6,2% إلى 6,9%، كما انتقلت نسبة القيمة المضافة للسياحة من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني من 6,3% إلى 6,8%. واستمرت القيمة المضافة السياحية في تعزيز وزنها مقارنة بالناتج الداخلي الإجمالي، منتقلة من 5,7% إلى 6%، بما يؤكد أن النمو المسجل يتخطى حدود الانتعاش الظرفي ليأخذ شكل تحول هيكلي في بنية القطاع.
وتؤكد هذه المعطيات المجمعة أن سنة 2024 شكلت سنة انتعاش شامل للقطاع السياحي، ليس فقط عبر استعادة مستويات ما قبل الجائحة، بل عبر تجاوزها بهامش واضح على مستوى الاستهلاك والإنتاج والمداخيل الجبائية. وتمنح هذه المؤشرات صناع القرار رؤية أوضح لتطوير سياسات أكثر استدامة، سواء في مجال تنويع الأسواق، أو تحسين جاذبية الخدمات، أو دعم الاستثمارات الموجهة للبنيات التحتية السياحية، بهدف تعميق أثر القطاع على الاقتصاد الوطني وضمان استمرارية ديناميته خلال السنوات المقبلة.
السياحة أصبحت تدر على المغرب 116 مليار درهم وترفع مساهمتها في الناتج الوطني إلى %7,3
الكاتب : عماد عادل
بتاريخ : 02/12/2025

